بغداد- العراق اليوم:
اعتاد مدراء الشرطة في المحافظات والمدن العراقية ان يأتوا الى وزارة الداخلية في بغداد بين فترة وأخرى، ليلتقوا بوزيرهم في اجتماعات دورية، او استثنائية، وأعتاد الوزراء والمسؤولون على هذا الإلتزام دون كلل أو ملل، على مر الأزمان التي اعقبت تأسيس الحكومة العراقية، وهو لعمري شيء ليس معيباً، فهكذا هي التقاليد الوظيفية في العراق، وهذا هو ديدن الملتزمين بصرامة الروتين، والمتشبثين بعنق النظام البيروقراطي، وقد سار على هذا المنهج الرسمي الطبيعي جميع المسؤولين في هذه الوزارة الأمنية المهمة والفعالة، إلا وزير واحد، فقد كسر رأس هذه التقاليد، وداس على مفرداتها البالية، حيث قرر ان يذهب بنفسه اليهم حيث يكونون، وأن يجتمع بهم في "مراكزهم" ودوائرهم بل وأن يباغتهم في مناطقهم السكنية المكتظة بالمفاجآت، فيكشف تجاوزات المتجاوزين، ان كان فيهم متجاوز على مواطن، ويكرم المبدع الذي يرى فيه انجازاً يستحق التكريم والتشجيع. نعم هكذا هو وزير الداخلية العراقية قاسم الأعرجي، ولا عجب ان يمضي هذا الرجل الشجاع اليوم بقدميه الى آمرلي، وسليمان بيك، وطوز خورماتو، وأن يتجول في اسواق وشوارع وازقة هذه المدن التي لم تزل ترتدي صف الرصاص في اشارة الى استعدادها لمواجهة الإرهاب والإرهابيين في أي وقت وأي ظروف، وأن يلتقي ابناء هذه المدن المضحية الصابرة التي ابكت داعش بصمودها الإسطوري في وجه اشرس الحصارات الطائفية الأرهابية. نعم، لا عجب ان يمضي الفتى الاعرجي الى ضباطه ومنتسبيه، وأن يقف على مشاكلهم، واحتياجاتهم، وان يتسلم والله شاهد على ما اقول مئات الطلبات، والمناشدات، سواء من مواطني هذه المدن، أو من منتسبي الداخلية، حتى انه تجاوز اعتراضات مرافقيه، واهمل جميع ملاحظات حمايته، الذين يخشون على سلامته، لكنه راح يقابل المواطنين في الفضاء المفتوح، وفي الأسواق المكتظة المكشوفة، دون ان يمنع احداً من مقابلته، فمئات المواطنين الذين التقاهم الأعرجي اليوم جاءوا من مختلف القوميات والمذاهب والاجناس، وكأن الله بعث لهم هذا الرجل ليعرضوا عليه همومهم، فالمشاكل كثيرة، والمتطلبات لا تعد ولا تحصى لمدن خرجت تواً من زلزال المواجهة مع احقر واخبث الأعداء، وخرجت منتصرة بجيشها وحشدها وقيادتها. واكرر القول مرة اخرى وأقول لا عجب في ان يكسر الأعرجي النظام ويذهب الى منتسبيه وهم في اخطر المواقع، والميادين، لا ان يأتوا هم اليه، وهو قابع في افضل معدلات التكييف صيفاً أو شتاء، والسبب في ذلك يعود الى تاريخ الرجل، والى سجله الجهادي المشرق، فمن حمل البندقية وقاتل صدام متطوعاً، مضحياً، مجاهداً، ومن حمل روحه بكفيه وجاء الى جلاوزة صدام في مقراتهم المحصنة ناذراً حياته لوجه الله، وكرامة العراق والعراقيين، ومن وقف بين اسنة الرماح قاتلا أو مقتولا من اجل الحرية، لا يمكن ان يهاب الإرهاب، أو يخشى الارهابيين، وهو الذي قصد الموت بقدميه الف مرة. فهل رأيتم أسداً يخاف الأرانب؟ اذاً عرفتم الان لماذا ذهب الاعرجي الى مدن لم تزل ملغومة بمفخخات القتلة، وبخلايا الإرهاب النائمة؟
ماذا قال ذلك الفتى " الآمرلاوي"؟
لقد شرفنا الوزير بمرافقته في هذه الجولة الإستثنائية والطويلة، مع حشد كبير من وكلاء ومسؤولي الوزارة، وكل واحد فيهم يحمل قلماً لتدوين احتياجات مراكز الشرطة في تلك المناطق، أو طلبات المنتسبين المشروعة، كما يحمل اجوبة وافية وحقيقية لأسئلة المواطنين - وهي كثيرة ومنوعة -، وقد سجلنا وصورنا عشرات المواقف والأحداث التي تستحق النشر والتعميم، لأن من الظلم الفادح ان لايطلع عليها الشعب، خاصة وان هناك ما يصلح ان يكتب كعمل روائي، أو شعري جميل، وسنقوم بنشرها جميعاً. وقد ساعدنا في ذلك الزميل اللواء الدكتور سعد معن، الذي دعمنا بالصور والفيديوهات، فضلاً عن صورنا التي التقطناها في جولتنا المثمرة هذه، لكن الشيء الذي هز اعماقي وجعلني انشره الان قبل غيره، هو موقف ذلك الفتى" التركماني" الذي جاء مع مئات المواطنين الى حسينية "علي السجاد " في ناحية آمرلي، لرؤية الأعرجي، حيث مكث الوزير هناك حوالي ساعتين قابل فيها عدداً من المواطنين والمقاتلين الابطال الذين واجهوا داعش في هذه المدينة الباسلة وكسروه، الا ان الابواب اغلقت بعد ان اختنقت بناية الحسينية بالمواطنين، ما تعذر على هذا الفتى الدخول، ومواجهة الاعرجي، وقتها كنت خارج قاعة المقابلات، اجري اتصالاً تلفونياً في باحة الحسينية، فلفتت انتباهي محاولات الفتى وتوسلاته بأفراد الحماية، وهنا قررت مساعدته، ونقل طلبه الى الوزير، ان كان له طلب ! لكن المفاجأة ان هذا الفتى لا يحمل طلباً، ولا يبتغي مساعدة، أو عوناً، فأقتربت منه وهو يمسك بالباب قبل ان تغلق، وسالته ضاحكاً : إذا ما عندك طلب، ولا تريد حاجة، شكو ذبحت روحك على مقابلة الوزير؟ فقال بثقة رجل اكبر من عمره : اريد اسلم عليه ! قلت له: بس سلام ؟ قال: نعم بس سلام ! وقبل ان اكمل سؤالي ، قاطعني قائلاً: اريد اسلم عليه لأن هذا الرجل بطل، وآني اعرف معنى البطولة! قلت له : شلون ومنين تعرفها؟ فقال: أنا ابن شهيد !
*
اضافة التعليق