بغداد- العراق اليوم:
الحرب بين الدوحة وابو ظبي قائمة لا محال، ومؤشراتها : حملات اعلام عنيفة متبادلة بين الطرفين، وخرق جوي، واحتجاز شخصيات بينهما، وادعاءات متنوعة.. فهل ثمة حرب اماراتية - قطرية فعلاً، ام هي حرب اعلامية مثل تلك الحروب التي اعتادت قناة الجزيرة على تصويرها؟
ان التصعيد الجديد الذي شهدته الأزمة الخليجية خلال اليومين الماضيين، بعدما قامت الإمارات العربية المتحدة بدور البطولة إثر قيامها بالتحرش بالدوحة عبر بعض الممارسات التي من الممكن - إن تم التجاوب معها قطريًا - فستقود إلى مواجهة ربما ستلقي بظلالها على المشهد الإقليمي برمته. سجال من التلاسن المتأرجح ما بين الاتهام والنفي بين الدوحة وأبو ظبي في أعقاب ثلاثة مشاهد مترابطة زمنيًا وظرفيًا فرضت نفسها على الساحة الخليجية خلال الـ48 ساعة الأخيرة، فوضعت الأزمة تحت الأضواء مجددًا، لتستدعي معها عددًا من علامات الاستفهام الباحثة عن إجابة: ماذا تريد الإمارات من هذه الممارسات؟ وكيف يكون رد الدوحة على تلك الاستفزازات؟ ثلاثة مشاهد شهدت الأزمة الخليجية منذ اندلاعها في الخامس من يونيو/حزيران الماضي موجات من المد والجذر والشد والجذب، بين قطر من جانب ودول الحصار الأربعة (السعودية - الإمارات - البحرين - مصر) من جانب آخر، غير أنها دخلت غرفة التبريد منذ فترة إثر فشل جهود الوساطة الكويتية في تحقيق أي تقدم ملموس؛ مما دفع الجميع إلى ارتضاء الأمر الواقع مؤقتًا لحين حدوث أي طارئ يدفع طرفي الأزمة إلى الجلوس مجددًا على مائدة المفاوضات. غير أن الأيام الأخيرة أعادت الأزمة مرة أخرى الى ساحة النقاش لتسرق أضواء الإعلام رغم اشتعال المنطقة بالعديد من المؤثرات الأكثر ديناميكية والقادرة على احتكار التغطية الإعلامية، وذلك بعدما شهدته الساحة الإماراتية القطرية من سجال وتبادل اتهامات بسبب ثلاثة مشاهد متزامنة كما قلنا. المشهد الأول: الجمعة 12من يناير/كانون الثاني 2018.. حيث وجهت قطر رسالتين متطابقتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، بشأن اختراق طائرتين عسكريتين إماراتيين مجالها الجوي، الأولى في 21 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث قامت بالتحليق فوق المنطقة الاقتصادية القطرية على ارتفاع 33.400 ألف قدم، وبسرعة 460 عقدة ولمدة دقيقة واحدة، والثانية في 3 من يناير/كانون الثاني الحاليّ. ورغم نفي أبو ظبي وقوع حادث الاختراق الأول الذي وقع الشهر الماضي كما جاء على لسان أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، عبر تغريدة له، غير أنها لم تعلق على الاتهام بالانتهاك الثاني الذي وقع في الثالث من الشهر الحاليّ. الشكوى القطرية بشأن إنتهاك الإمارات لمجالها الجوي غير صحيحة ومرتبكة، نعمل على الرد عليها رسميا بالأدلة والقرائن، ما نراه تصعيدي وغير مبرّر، ماكان يحدث تحت الطاولة أصبح مكشوفا فوقها. المشهد الثاني: 14 من يناير/كانون الثاني.. إعلان الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، أحد أعضاء الأسرة الحاكمة القطرية، احتجازه في أبو ظبي، حيث حمّل محتجزيه المسؤولية الكاملة عن سلامته، وقال إن دولة قطر بريئة من أي مكروه قد يحدث له. وقال: "كنت ضيفًا عند الشيخ محمد، والآن لم أعد في وضع ضيافة إنما في وضعية احتجاز، وأخاف أن يحصل لي مكروه ويلقون باللوم على قطر، وأريد أن أبلغكم أن قطر بريئة"، وأضاف "أنا في ضيافة الشيخ محمد، وأي شيء يجري فهو مسؤول عنه". من جانبها أشارت الخارجية القطرية أنها تراقب الموقف وتداعياته، معلنة أنه من حيث المبدأ تقف مع حفظ الحقوق القانونية لأي فرد، ومن حق أسرته اللجوء إلى جميع السبل القانونية لحفظ حقوقه، كما طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، السلطات الإماراتية بالإفراج عنه سريعًا، وحملتها مسؤولية سلامته، لتفرج أبو ظبي بعدها مباشرة عن الشيخ ليغادر أراضيها بعد ذلك. المشهد الثالث: 15 من يناير/كانون الثاني.. الهيئة العامة للطيران المدني في الإمارات، أعلنت اعتراض مقاتلات قطرية لطائرتين مدنيتين إماراتيتين، كانتا متوجهتين إلى البحرين، وقد جاء على لسان مديرها العام سيف السويدي، إن "الطائرتين الإماراتيتين قابلتهما طائرات عسكرية بطريقة خطيرة وغير مسموح بها حسب القانون الدولي المنظم للطيران المدني"، موضحًا أن المسار الذي اتبعته الطائرتان "مسار ملاحي دولي متاح للحركة الجوية في هذه المنطقة، ولا يوجد أي اعتراض مسبق من قطر على استخدامه". انتهاك المجال الجوي لقطر يأتي ضمن استفزازات إماراتية تستهدف إزعاج الدوحة لاتخاذ إجراءات غير مدروسة تبرر أي إجراءات تصعيدي واليوم أعلن السويدي عزم بلاده تقديم شكوى ضد قطر إلى الأمم المتحدة، كما جاء في تصريحاته لـ"رويترز" التي قال فيها: "الإمارات ستتهم دولة قطر بانتهاكها اتفاقية شيكاغو في شكواه المقدمة إلى منظمة الطيران المدني الدولي، مؤكدًا أن بلاده قد تغير مسار الطائرات المدنية الإماراتية حتى لا تتكرر واقعة الاعتراض الجوي القطري". بدورها نفت الدوحة الاتهامات الإماراتية، حيث جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية القطرية لولوة الخاطر، أن مزاعم الإمارات عن اعتراض طائرات قطرية مقاتلة لأي طائرات مدنية إماراتية هو "ادعاء عارٍ من الصحة"، مبررة ذلك بأن "هيئة الطيران بدولة الإمارات تحاول من خلال نشرها ادعاءات كاذبة استباق الأحداث والتغطية على خبر اختراق الطائرة العسكرية الإماراتية الأجواء القطرية"، كما جاء في تغريدة لها على "تويتر". فرض هذا التصعيد الجوي بين الإمارات وقطر نفسه على ساحة النقاش الخليجي، فيما حذر مراقبون من الآثار المترتبة على هذا التلاسن وإمكانية حدوث اشتباك جوي بين البلدين في حال استمر، بينما ذهب آخرون إلى البحث عن دوافع أبو ظبي من وراء هذا التحرش خاصة أن الأجواء ظلت هادئة طيلة الفترة الماضية وليس هناك مبرر لإشعالها مرة أخرى. فريق ذهب إلى أن ما تقوم به الإمارات في فحواه محاولة استفزازية تهدف إلى جرجرة قطر إلى رد فعل عنيف قد يورطها في مواجهة مسلحة يمكن توظيفه فيما بعد ضد الدوحة، خاصة بعد نجاحها منذ نشوب الأزمة التي اندلعت قبل سبعة أشهر في انتهاج سياسة ضبط النفس في تعاطيها مع تصعيد دول الحصار ضدها. أنصار هذا الفريق يرون أن فشل أبناء زايد في تحقيق مآربهم من وراء الأزمة الخليجية ربما يدفعهم إلى محاولة إشعال المنطقة عسكريًا وتأليب القوى الإقليمية والدولية ضد قطر، إذ يرى بعضهم أن خطوة التصعيد الجوي كان من الممكن أن تكون نواة لدخول المنطقة في آتون من المواجهات إن وقعت الدوحة في الفخ الذي رسمته الإمارات لها. فكرة القيام بعمل عسكري ضد قطر، ليست أمرًا مستجدًا، إذ كانت أحد الخيارات المطروحة منذ بداية الأزمة وإن نفتها دول الحصار، وهو ما كشف عنه أمير الكويت الشيخ صباح الصباح، في مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سبتمبر/أيلول 2017، عندما قال إنه نجح في وقف عمل عسكري ضد قطر، من ثم، فنية العمل العسكري مبيَّتة لدى دول الحصار والإمارات تحديدًا التي تقود الحرب والتحريض والتحشيد ضد الدوحة. بينما ذهب فريق آخر إلى أن دبلوماسية قطر في تعاطيها مع التصرفات الإماراتية خاصة فيما يتعلق بخرق مجالها الجوي للمرة الأولى في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتفضيلها لخيار اللجوء إلى الأمم المتحدة بدلاً من الرد على تلك الممارسات، أحرج النظام الإماراتي بصورة كبيرة، مما دفعه للرد. حذر مراقبون من الآثار المترتبة على هذا التلاسن وإمكانية حدوث اشتباك جوي بين البلدين في حال استمر الرد هنا وفق هذا الفريق تمثل في تفعيل التصرفات الاستفزازية كالقيام بخرق المجال الجوي مرة أخرى، ثم إحراج الأسرة الحاكمة في قطر عبر توقيف أحد أعضائها حتى إن كان على خلاف مع الدوحة، انتهاء بالاتهامات المتعلقة باعتراض مقاتلات قطرية لطائرات مدنية إماراتية التي من الممكن أن تتخذ كذريعة للضغط عليها، كللت بالتلويح بتقديم شكوى مماثلة لدى الأمم المتحدة كما جاء على لسان مدير هيئة الطيران المدني بالإمارات.
أنصار هذا الفريق يرون أن انتهاك المجال الجوي لقطر يأتي ضمن استفزازات إماراتية تستهدف إزعاج الدوحة لاتخاذ إجراءات غير مدروسة تبرر أي إجراءات تصعيدية، ولكن تلك الانتهاكات لا ترقى إلى مرحلة تصعيد عسكري، كونها تأتي في إطار مزيد من الإرهاق والضغط النفسي على أمل الرضوخ للمطالب المفروضة التي رفضتها الدوحة جملة وتفصيلاً وإن كانت أعلنت أكثر من مرة استعدادها للجلوس على مائدة الحوار لكن على أسس لا تمس السيادة الوطنية وهو ما لم يرق لدول الحصار. وتعليقًا على حادثة احتجاز الشيخ عبد الله آل ثاني في أبو ظبي، ذهب البعض إلى أن هذا ليس أمرًا مستغربًا على أبناء زايد، كما أنها ليست الحادثة الأولى، فقبل عضو الأسرة القطرية الحاكمة كان هناك الفريق أحمد شفيق، الذي خرج في شريط فيديو مسرب ليعلن أنه محتجز لدى الإمارات التي اضطرت بعد افتضاح الأمر إلى السماح له بالخروج حتى إن أبقيت على بناته وأفراد أسرته لديها. ورغم أن عبد الله آل ثاني كان أحد الأوراق التي استخدمتها دول الحصار ضد الدوحة لإحداث شروخ في تماسك الأسرة الحاكمة إلا أنه فيما يبدو بحسب بعض المراقبين حين فشلت أبو ظبي في توظيف الرجل بالشكل الذي تريده انقلبت عليه ووضعته قيد الاحتجاز، وما كان لها أن تفرج عنه إلا بعد تسريب هذا المقطع الذي وضع أبناء زايد في موقف حرج إقليميًا ودوليًا. وهكذا.. بينما تدخل الأزمة الخليجية يومها الـ222 يعاود التوتر الأجواء مرة أخرى بعد فترة من الهدوء النسبي بين طرفيها، استقر كل منهما في التعامل مع الوضع من باب الأمر الواقع بصورة مؤقتة، غير أن أبو ظبي وما تحمله من أجندات خارجية وإقليمية، والدوحة بكل ما في اجندتها من شرور ستعكر صفو هذه الأجواء بصورة قد تقود الجميع - بلا استثناء - إلى سيناريو كارثي، سيحرق هذين البلدين، بل وسيحرق الخليج العربي كله. فهل هي " حوبة" الدماء البريئة التي اهرقت في العراق وسوريا واليمن بأموال بلدان الخليج؟
*
اضافة التعليق