بغداد- العراق اليوم: خاص ..
ما ان طُرحت وثيقة " التسوية التاريخية" من رئاسة التحالف الوطني ( أكبر القوى السياسية الشيعية في العراق)، حتى تفجر الجدل من جديد حولها، بين مؤيد ورافض، فيما بات الشارع العراقي منقسماً ازائها، بعد ان طرحت كما يقول مراقبون بصورة مفاجئة، في الوقت الذي تخوض فيه القوات المُسلحة العراقية قتالاً ضارياً ضد فلول عصابات "داعش" الأرهابية في مدينة الموصل التي أُسقطت حزيران عام 2014.
رئاسة التحالف بزعامة السيد عمار الحكيم، ترى ان مثل هذه الوثيقة ضرورة في هذا الوقت، حيثُ ترى ان الجهد العسكري المتفوق، والذي بات يحزر الانتصارات على الأرض، يجب ان يرافقهُ جهد سياسي ساند، حتى لا تحسب معركة التحرير على أنها جزءاً من كسر الاردات والصراعات.
لكن السؤال الأهم الذي يبرز في هذا الوقت، هل عما اذا كانت التسوية التاريخية المطروحة تتضمن السماح لحزب البعث المحظور من العودة ثانيةً للحياة السياسية، حتى لو كان برداء أخر، ومسميات جديدة؟، ام لا ؟
ففي الوقت الذي يؤكد كتاب ومحللون مطلعون على خفايا السياسة وكواليسها، ان التسوية تتضمن مصالحة مع البعثيين، ينفي نواب عن التحالف الوطني وجود هذا التوجه.
فالنائب عن التحالف الوطني ناظم الساعدي يرى، ان اي تسوية سياسية تتم مع الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين او من المطلوبين للقضاء لا يكتب لها النجاح اطلاقاً .
الساعدي وفي حديث صحافي تابعه "العراق اليوم" قال بنود التسوية التاريخية التي يتبناها التحالف الوطني ثبتت عدم التفاوض او التسوية مع المطلوبين للقضاء ومن تلطخت ايدهم بدماء العراقيين او من وقفوا في ساحات الذل والمهانة .
واوضح الساعدي ان هؤلاء هم من ادخل داعش الى مناطقهم وورطوا اهاليها وهم من روج وساند العمليات الارهابية التي اقترفتها العصابات الارهابية بحق المدنيين.
واضاف الساعدي ان التسوية التاريخية التي نتحدث عنها هي تسوية مجتمعية مع اهالي تلك المناطق والشرفاء الذين قاتلوا ضد داعش .
التسوية ... مشروع امريكي !
فيما يرى الكاتب السياسي محمد حسن الموسوي ان مشروع (التسوية التاريخية) ليس وليد الساعة بل هو توجه امريكي بالدرجة الأولى لكن تأخر تنفيذه لأسباب تتعلق بالجانب الامريكي ذاته وسياسته في العراق.
وعن مخرجات هذه التسوية وما يمكن ان تؤديه، يقول الموسوي في مقال نشره " انها تهدف الى إحتواء قوى التمرد", ويشرح الموسوي هذا المصطلح بالقول " تقوم الفكرة الأساسية للتسوية على اعادة احتواء ودمج قوى التمرد الطائفي-البعثي واعادة تأهيلها من جديد بعد تسوية وضعها القانوني والسياسي عبر اجراءات بعضها قضائي وبعضها سياسي من خلال غلق ملف المسائلة والعدالة وتشريع قانون الأقاليم وسلسلة قوانين اخرى".
ويرى ان المُستهدف من احتواء التمرد هي قوى سنية متطرفة وارهابية، منها جيش الطريقة النقشبندية، وما يسمى الوية الناصر صلاح الدين، وحماس العراق، وكتائب ثورة العشرين، وما يسمى بجيش المجاهدين بزعامة الارهابي عبد الناصر الجنابي، ومجلس شورى المجاهدين بزعامة الارهابي عبد الله الجنابي، وجناح حزب البعث المحظور بزعامة احمد يونس الأحمد، وبعض البعثيين من جماعة المجرم عزة الدوري، بالاضافة الى ما يسمى بهيئة علماء المسلمين بزعامة المطلوب مثنى الضاري وغيرها من الجماعات الارهابية وبعض الشخصيات السنية والبعثية .
اعادة توزيع المكاسب !
فيما يرى الكاتب صادق الازرقي ان التسوية التاريخية المطروحة اما الآن، و" التي تثار من قبل بعض المسؤولين المتنفذين في هذه الايام هي استكمال أيضاً لمسلسل المحاصصة والتوافق والمشاركة تلك الامور التي جلبت الخراب والويل للبلد، وهي محاولة جديدة لإعادة ترتيب الاوراق والادوار بين السياسيين بعد فشلهم المريع في بناء البلد؛ من اجل إعادة توزيع المكاسب والمغانم كرة اخرى فيما بينهم بمعزل عن اغلبية الشعب التي تطحنها الازمات المعيشية والامنية".
التسوية ..خطوة لبناء الدولة
فيما يرى الكاتب عمار العامري والمؤيد لتوجهات المجلس الاعلى، عكس ذلك، يقول العامري " وثيقة التسوية التاريخية؛ اعتمدت أربعة مبادئ أساسية هي؛ الالتزام بالوثيقة التاريخية يكون شاملاً وليس تنازلاً أُحادي الجانب, وإقرار مبدأ "لا غالب ولا مغلوب", وتصفير الأزمات, ورفض العنف كتسوية سياسية, كما تضمنت الوثيقة عدة محاور رئيسة أهمها؛ الالتزام بوحدة العراق, والنظام الديمقراطي, ورفض التقسيم بأي شكل من الإشكال وتحت إي ظرف كان, والالتزام بالدستور كمرجعية للقوى المشاركة وغير المشاركة بالعملية السياسية.
ويؤكد العامري " والتسوية تفرض مصالحة كل الإطراف العراقية باستثناء القوى الإرهابية وحزب البعث, والاستعداد لتعديل الدستور, والاعتراف الرسمي بالعملية السياسية, والامتناع عن الازدواجية بالمواقف, ورفض الحكم الدكتاتوري, والتفرد, والالتزام بمحاربة الإرهاب, وإدانة سياسات البعث الصدامي, والإبادة الجماعية, والإعدامات والاغتيالات سواء علماء الدين أو النخب الوطنية, والاعتراف بجرائم تجفيف الاهوار, والمقابر الجماعية، والتهجير القسري للكرد والشيعة, ورفض التغيير الديمغرافي الذي أجراه النظام السابق".
ويضيف " كما تنص وثيقة التسوية التاريخية؛ على ترسيخ دولة المؤسسات, والحفاظ على الديمقراطية والنظام المدني, واعتماد اقتصاد حر متعدد, والالتزام بالتوزيع العادل للثروات بحسب النسب السكانية للمحافظات, والامتناع عن التكفير وتخوين الآخر, وإقرار التسامح والتعايش وقبول الآخر, والتأكيد على الانتماء الوطني, وحصر السلاح بيد الدولة, وعدم السماح بوجود إي "مليشيا" خارج الدولة, والتزام جميع الإطراف بمحاربة إي مجموعة مسلحة غير قانونية.
فيما قال الأستاذ الأقدم في دراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديز الأميركيّة البروفسور العراقي كنعان مكية، إنّه على الرغم من أنّ وجود مشروع المصالحة الوطنية العراقية عبر “وثيقة التسوية التاريخية”، وإعطاء دور إلى الأمم المتّحدة يعدّان أمرين إيجابيّين، ولكنّ الأهمّ من كلّ هذا هو ما يحصل على أرض الواقع.
ونقل موقع “المونيتور” عن مكية قوله وهو من المساهمين الرئيسيّين في تحشيد التحالف العسكريّ الذي أسقط نظام صدام حسين في عام 2003 برئاسة الولايات المتّحدة الأميركيّة، إن تفاهمات المصالحة الوطنيّة التي صدعت بها رؤوس العراقيّين منذ عام 2003 إلى حدّ الآن، لم تفسّر على أرض الواقع بخطوات عمليّة حقيقيّة.
تحرير : ح .ق