بغداد- العراق اليوم:
الفريق الركن احمد الساعدي
بعد عام ٢٠٠٣ انتقل العراق من السوق المغلقة الى السوق المفتوحة (الحرة)، إذ أنتج التغير اوضاعاً سياسية واقتصادية جديدة، يضاف لها النتائج المدمرة التي افرزتها الهجمة الارهابية التي حصلت خلال الاعوام المنصرمة، والتي تسببت بتعطيل شامل لنواحي الحياة الاقتصادية، وتوقف شبه تام للتنمية، مما ولد عن ذلك ازمةً في تشغيل الأيادي العاملة، التي تعني "البطالة" بالمفهوم الاقتصادي. لقد ارتفعت نسبة البطالة بالعراق بشكل مفزع، بحيث شكلت هذه الازمة هاجساً مخيفاً للعوائل التي تعتمد في معيشتها على " اشتغال" معيليها، وشكلت تحدياً اخراً بات يقلق الحكومة، والسلم المجتمعي، مع ترك اثار سلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والامنية والنفسية. وهنا احاول ان اسلط الضوء على اهم الاسباب والاثار والمقترحات التي من شأنها الإسهام في معالجة هذه الازمة، مع ذكر حقيقة رغماً عن مرارتها ( وهي ان اغلب المصانع والمنشاءات الصناعية قد تعرضت خلال فترة الاحتلال الى السلب والنهب مما ساهم بتوقف المصانع عن الانتاج، خاصة وان اغلبها كان يعتمد على التمويل الذاتي). ١- الاسباب:- عدم وجود سياسة اقتصادية لحماية المنتوجات الوطنية، مما عطل الصناعات الوطنية. ناهيك عن الفساد الذي استشرى بكل مفاصل الدولة، والذي ابطأ النمو الاقتصادي، وقد ساعد على ذلك ان اغلب - وليس جميع -الوزراء والمدراء العامين الذين تولوا ادارات الوزارات الانتاجية والصناعية كانوا غير مؤهلين لهذه المناصب، وهذا يعود لنظام المحاصصة السياسية، التي كانت العامل الابرز في تدمير الصناعات الوطنية . كما ان الظروف الامنية قد ساهمت هي ايضاً وبشكل كبير بعدم دخول الاستثمارات الاجنبية، لكن هذا لايعني ان الوضع الأمني هو السبب الرئيسي في تردي اوضاع الصناعة الوطنية، انما السبب الاهم يعود برأيي الى عدم قدرة الحكومة بتوفير قوانين جذب للمستثمرين، بإعتبار ان الاستثمار يوفر فرص عمل كثيرة ان تم تهيئة المناخ الملائم له. والمشكلة ان الحكومة لم تعتمد على ميزانية البرامج (المشاريع) انما اعتمدت على استيراد السلع الحرفية والخفيفة من الخارج مما اضعف هذه الصناعات التي كانت تشغل عدداً كبيراً من الشباب العراقية كمعامل المنتوجات الغذائية والاصباغ وصناعة الثلاجات ومعدات البيوت والاثاث والادوية والسجائر وغيرها. ٢- الاثار والنتائج التي تخلقها البطالة :- يحتاج الكثير من الناس الى فرص عمل من اجل الحصول على مكاسب مالية لتمشية امور حياتهم المعاشية فاذا فقدت فرص العمل تبرز هنا المشاكل الاجتماعية التي بدورها تساهم وتساعد على خلق اجواء الجريمة (الارهاب، والجريمة المنظمة)، ومن خلال تجربتي الشخصية في مكافحة الارهاب خلال السنوات الماضية، وجدت ان اغلب الشباب المنخرطين مع الجماعات الارهابية قد جاءوا بسبب المثلث القاتل : ( البطالة / الجهل / الفقر ) كما يجد افراد العصابات الاجرامية الدافع الاول في البطالة، فالبطالة تنج جحافل من المدمنين على المخدرات وحبوب الهلوسة، وبذلك أنهار القيم الاخلاقية مع تدني ثقافة الولاء الوطني، مما يسود مفهوم (الوطن غير القادر على ان يعطني رغيف خبز فهو ليس وطني)، فضلاً عن ارتفاع معدلات هجرة الشباب، وانتشار الامراض النفسية نتيجة الشعور بالفراغ، واليأس، وبسبب الضائقة المالية والعوز والتي ينتج عنها الانتحار وغيرها من الإشكالات النفسية، والجرمية. ٣- المعالجات :- هنا نقترح بعض الحلول التي تساعد الحكومة لاجل احتواء هذه الازمة، التي امست تفتك بالمجتمع العراقي، ومنها: أ.نحتاج الى ثورة في التنمية الاقتصادية خلال الاعوام القادمة مع توظيف الطاقات والامكانيات لنجاحها مشروطة بتظافر كل الجهود الوطنية من اجل هذا النجاح. ب.ضرورة اعداد خطة استراتيجية شاملة للنهوض بالقطاع الصناعي والزراعي والسياحي والخدمي، ج. ضرورة ايجاد مناخ مريح ومشجع لجلب الاستثمارات الخارجية عبر تقليل اجراءات الروتين المعقد الذي يغلق افاق التطور، ويربك الاستثمار . د. ينبغي اجراء الاصلاحات التي تسهم بتفعيل التنمية، وتحجيم البطالة ، مثل: احالة الموظفين الذين تتجاوز خدمتهم اكثر من عشرين عام على التقاعد ، لأجل توفير فرص توظيف مناسبة للشباب الخريجين والعاطلين عن العمل / منع استيراد البضائع والمنتوجات ذات الطابع الحرفي والمهني والصناعات الخفيفة ،لأجل دعم المنتوجات الوطنية- وهي متوفرة حالياً، لكنها تحتاج الى تطوير، وهذا ممكن اذا تدخلت الحكومة بذلك ./ تشجيع القطاع الصناعي عبر الإعفاء الضريبي لمن يستورد مصنعاً ويوفر فرص عمل للعرقيين، وخصوصاً المكائن الصناعية / تخفيض ضريبة الدخل على المصانع التي تشغل اكثر من مئة عامل لاجل تشجيع الاستثمار الصناعي بداخل العراق / ضرورة إلزام الوزارات العراقية بالتعاقد مع المصانع العراقية لسد احتياجها، ومنع الاستيراد، إلاَ في الحالات القصوى / يجب دعم القطاع الزراعي بمجال التصنيع، مثل الالبان وحقول الدواجن وتربية الابقار والاغنام / ينبغي تخفيض رسوم الضمان الاجتماعي على المشاريع الصغيرة لتشجيع الشباب واعطاء فرص عمل للعاطلين / وجوب فرض عقوبات مشددة بمنع استيراد الايدي العاملة الاجنبية إلا بالضرورات القصوى، كالخبراء /زيادة الاهتمام بالمدارس المهنية وتشجيع الشباب بحوافز مادية ومعنوية للانخراط فيها لتطوير مهارتهم وقداراتهم الذاتية، فتكون منفذاً للشباب الذين لم يحالفهم الحظ في النجاح بالدراسات الأكاديمية /ضرورة دعم ومساعدة الشباب الذين يرغبون بفتح مشاريع صغيرة، ولكن يشترط ان يكون المشروع "المدعوم "حقيقياً ومنتجاً وليس وهمياً ! رحم الله شهداءنا واشفى جرحانا، ولعنة الله على الفاسدين الذين لم يخدموا العراق وشعبه بكل تفان واخلاص .
*
اضافة التعليق