من يبكي على التركمان ( الشيعة) الذين اختطفهم داعش

بغداد- العراق اليوم:

قد تكون جريمة داعش الكبرى هي عمليات السبي والابادة الجماعية التي تعرضت لها مكونات مدينة الموصل المتنوعة ابان استباحته المدينة في صيف 2014 بعد أن سهلت له اطراف محلية ودولية هذه العملية، ولعل ما صدم العالم، هو ما تعرض له ابناء القومية الايزيدية الذين كانوا الصورة الابشع في سجل هذا التنظيم الاجرامي البربري، ولعل هذا المكون المظلوم استثمرته آلة اعلامية مركزة، لا لاسباب انسانية بحتة كما اتضح لاحقًا، لكن ثمة أهداف سياسية خطيرة كانت وراء التركيز الاعلامي على ابناء المكون الايزيدي، ولعل صرخات النائبة عن الديمقراطي الكردستاني فيان دخيل في البرلمان وجدت تضامنًا لا نظير له، ووجهت الانظار كلها صوب هذه الجريمة. ومما يعاب على الإعلام العراقي عمومًا، هو أنه اعلام لا يتعب نفسه بالبحث طويلًا، ويكتفي بما يثار امامه ليحوله الى قضية، فيما تظل اجزاء وجوانب هامة وخطيرة من القصص غائبة ومغيبة، نظرًا لضعف قدرات اصحابها في ترويجها، أو عدم تمكنهم من شرح مظلوميتهم بشكل مثير كما فعلت فيان دخيل.

ولعل من القصص التي عمد الاعلام العراقي على طمسها، وجهد الاعلام العربي للتعتيم عليها، هي قضية التركمان الشيعة الذين استبيحوا ايما استباحة، ولم يسلط الضوء على مظلوميتهم، ولا حجم الابادة التي تعرضوا لها، طبعًا الاعلام العربي معروف، ومعروفةً هي اسبابه، الا أن الاستغراب الذي ينتاب أي متابع وقارئ لما جرى، ومقلب لوثائق ما حدث سيدركه العجب العجاب من صمت نواب هذا المكون، لاسيما من التحالف الوطني كجاسم محمد جعفر الذي يشغل نفسه بقضايا هامشية وأقل اهمية، بل ويجهد مثلاً بملف الاولمبية، وايضًا عباس البياتي ومحمد تقي المولى وغيرهم.

هولاء النواب الذين يخشون حتى التحدث عما جرى لابناء جلدتهم، واليوم تكشف تقارير حقوقية ودولية حجم الجريمة التي تعرض لها ابناء هذا المكون، حيث تعرضوا لابادة جماعية وتهجير وقتل، فيما لا يزال مصير الاف المفقودين منهم مجهولًا حتى بعد تحرير الموصل.

وبحسب معلومات حصل عليها ( العراق اليوم)، فأن " داعش اختطفت من التركمان الشيعة ٤٥٠ انثى مابين طفلة وبالغة، و٥٠٠ ذكر مابين طفل وبالغ، ومصيرهم مجهولة لحد الان . وخلال فترة احتلالها للمدينة قامت بقتل ١٢٥ من التركمان السنة غير المتعاونيين معهم من الرجال والنساء، وبلغ عدد البيوت المهدمة ١٥٠٠ دارا والمتضررة اكثر من  خمسة الاف دار تعود اغلبها للتركمان الشيعة .

وبالعودة الى تقرير هيومن رايتش ووش التي وثقت هذه الجريمة منذ بدايتها، فأنها تكشف عن ابادة جماعية وتهجير وتدمير للمزارات وبيوت العبادة تعرض لها ابناء هذه الطائفة.

حيث يقول التقرير الصادر أواخر 2014، قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قوات من (داعش) اختطفت ما لا يقل عن 40 من التركمان الشيعة، ونسفت بالديناميت أربعة من دور العبادة شيعية، ونهبت منازل ومزارع في قريتين للشيعة تتاخمان مدينة الموصل العراقية. وقعت الاعتدءات أثناء نوبة عنف استمرت 3 أيام وبدأت في 23 يونيو/حزيران 2014.

أمرت داعش كافة عائلات التركمان الشيعة البالغ عددها 950 بمغادرة القريتين المتجاورتين، قريتي القبة والشريخان، وهذا بحسب تسعة من السكان النازحين واثنين من النشطاء المحليين وصحفيين محليين. قال السكان النازحون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم سمعوا من القلة القليلة الباقية من أهل القرية، المنتمين جميعا إلى الطائفة السنية، أن داعش قتلت بعض الرجال المخطوفين على الأقل، لكن أحداً منهم لم ير جثثاً ولا استطاع تقديم تأكيدات أخرى. ولا تزال داعش، الجماعة السنية المتطرفة المسلحة، تسيطر على القريتين.

قالت ليتا تايلر، باحثة أولى ببرنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: "تشكل هذه النوبة من عنف داعش جزءاً من نمط متطاول من اعتداءات الجماعات السنية المسلحة على التركمان وغيرهم من الأقليات. وتهدد عمليات القتل والتفجير والنهب بنزوح طوائف بأكملها، ربما إلى الأبد".

تقع القبة والشريخان على بعد 5 كيلومترات شمالي الموصل، التي استولت عليها داعش في 10 يونيو/حزيران. وتسيطر داعش على مساحات كبيرة من شمال وسط العراق وسوريا المجاورة. في الأيام الأخيرة سعت الجماعة إلى بسط سيطرتها فيما وراء الموصل، مستهدفة تجمعات التركمان الشيعة القريبة، وكذلك الشبك، وهم أقلية دينية أخرى. صرحت داعش بأنها تعتبر الشيعة خارجين عن الإسلام وكثيراً ما أعدمت شيعة من العراق وسوريا على هذا الأساس، بما في ذلك عمليات إعدام جماعية في تكريت، المدينة التي استولت عليها في 11 يونيو/حزيران.

في 25 و26 يونيو/حزيران دمرت داعش سبعة من دور العبادة الشيعية في مدينة تلعفر ذات الأغلبية التركمانية الشيعية، على بعد 50 كيلومتراً غربي الموصل، التي استولت عليها في 16 يونيو/حزيران، كما قال أربعة مصادر من المنطقة لـ هيومن رايتس ووتش. منذ ذلك الحين فر 90 بالمئة من التركمان من تل عفار، بحسب سكان ونشطاء محليين.

تحدثت هيومن رايتس ووتش مع السكان التسعة الذين فروا من القبة والشريخان في 24 يونيو/حزيران في قرى واقعة شمالي الموصل ويسيطر عليها البشمرغة، أو القوات المسلحة لمنطقة كردستان المتمتعة بحكم ذاتي في العراق. وقد طلب كثير ممن أجريت معهم المقابلات، لاستمرار خوفهم من داعش، طلبوا من هيومن رايتس ووتش عدم الكشف عن أسمائهم أو أماكنهم الجديدة.

قال أربعة رجال ممن فروا في ليلة 24 يونيو/حزيران، اثنان من كل قرية، قالوا إنهم شاهدوا نحو 70 مركبة عسكرية مليئة بأعضاء داعش المسلحين تزحف على القبة والشريخان بعد ظهر 23 يونيو/حزيران. وقالوا إن المركبات كانت تشمل عربات "همفي" اعتبروها من بين العربات التي ذاعت تقارير تفيد بمصادرة داعش لها من الجيش العراقي في توقيت أسبق من يونيو/حزيران في تل عفار والموصل. كان معظم المقاتلين غير ملثمين. وقال اثنان من السكان إنهم سمعوا بعض المقاتلين فيما بعد يتحدثون العربية بلكنات غير عراقية. وقالا إن سبعة من المقاتلين على الأقل كانوا من أهل المنطقة ويرتدون أقنعة سوداء لإخفاء هوياتهم.

كان حيدر، وهو مزارع من القبة عمره 40 عاماً، يراقب المقاتلين من منحدر يطل على قريته:

استخدموا مكبرات الصوت لسب الشيعة وقالوا لنا: "ما عليكم سوى الرحيل". ثم جمعوا الرجال والصبية وتفقدوا بطاقات هويتهم. وكان الرجال المحليون الشباب من ذوي الأقنعة يساعدونهم. فصلوا كل من اعتقدوا أنهم سنيون، وكذلك الصبية الأصغر سناً، وقالوا إن بوسعهم الانصراف. ثم أخذوا كافة الشيعة في عرباتهم. وإلى الآن لا ندري إلى أين أخذوهم. لكن داعش حين تأخذ أناساً على هذا النحو فإنهم عادة ما يقتلونهم.

قال التسعة من سكان القريتين لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش أخذت نحو 60 رجلاً شيعياً جميعهم من التركمان. وقال عامل بمنظمة دولية تعمل في المنطقة المحيطة بالموصل لـ هيومن رايتس ووتش إنه تلقى تقارير تفيد بأن داعش أطلقت سراح 20 من الأسرى لاحقاً، بعد التحقق من أنهم من السنة.

أزال أفراد داعش كافة أعلام الدولة العراقية من القريتين واستبدلوا بها الرايات السود التي تحمل شهادة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، بحسب التسعة من سكان القريتين. كما رفعت داعش راياتها فوق مزار الإمام عباس الشيعي في القبة، وفوق الحسينيات الشيعية الثلاثة ـ الرضا في القبة، والزهراء والإمام الحسين في الشريخان، بحسب قولهم. قال محسن، 49 سنة: "كانوا كلما رفعوا الراية يصيحون ’الله أكبر‘ ويطلقون طلقات في الهواء".

ووضعت داعش متفجرات في مزار الإمام عباس والحسينيات الشيعية الثلاثة، ثم فجرتها في 24 يونيو/حزيران، كما قال شاهد واحد من القبة وشاهد واحد من الشريخان علاوة على النشطاء المحليين. وقال جميع الآخرين الذين أجريت معهم المقابلات إنهم سمعوا من سكان القريتين السنة، أو من أقاربهم الذين لم يفروا بعد، أن داعش دمرت دور العبادة. وقالوا إن جميع الشيعة المتبقين في القريتين كانوا قد فروا في ذلك الوقت.

في 25 يونيو/حزيران دار المسلحون المتشددون على أبواب منازل التركمان الشيعة، بغرض التفتيش عن الباقين من الرجال وكذلك لنهبها، كما قال سكان لـ هيومن رايتس ووتش، نقلاً عن سكان القريتين من السنة. وقالت سيدة من الفارين إن سكان القريتين المتبقين أخبروها بأن المسلحين أخذوا "كل شيء عثروا عليه" بما في ذلك من منزلها:

إذا كانت الأبواب موصدة فإنهم كانوا يكسرونها. أخذوا الذهب والنقود إن كان هناك شيء منها، وأجهزة التلفاز وغيرها. كما أخذوا السيارات والمواشي والأغنام. لقد تملكنا الخوف، فقد تركنا بيوتنا وليس معنا سوى الثياب التي علينا، ولا نملك الآن ما نعود إليه.

قال سكان إن داعش استولت أيضاً على منازل البارزين من سكان القريتين، وقالوا إنهم متأكدون من انتماء المقاتلين إلى داعش بسبب راياتهم السود وتدميرهم لدور العبادة الشيعية. وقال بعض السكان إنهم هم أو جيرانهم كانوا قد فروا في البداية بعد استيلاء داعش على الموصل لكنهم تسربوا عائدين إلى القبة والشريخان، بفعل إغراء تقارير تفيد باستتباب الهدوء في القريتين، ومخافة قيام داعش، إذا لم يعودوا، بتشجيع السنة على احتلال منازلهم.

في تلعفر قامت داعش في 25 يونيو/حزيران بتدمير مزاري الإمام سعد وخضر الياس، وهو واحد من أقدم مزارات المنطقة يقدسه المسلمون واليزيدية والمسحيون فضلا عن حسينية هاشم عنتر، كما قال صحفيان وناشط من المدينة لـ هيومن رايتس ووتش. وفي اليوم التالي دمرت داعش أربعة حسينيات إضافية في تلعفر ـ الإمام الصادق والعباس وار محمود، وأهل البيت، كما قال الصحفيان والناشط.

قالت ليتا تايلر: "يتعين على داعش الإفراج الفوري عن جميع المدنيين الأسرى والتوقف عن عمليات السلب والنهب، فقتل المدنيين والمحاربين الأسرى يرقى إلى مصاف جرائم الحرب، وعلى قادة داعش ومقاتليها أن يعلموا أنهم سيواجهون العدالة على جرائمهم".

علق هنا