بغداد- العراق اليوم:
"أريد أن أقول لإيران وأتباعها أنهم خاسرون وستقطع الأيادي التي امتدت إلى الدول العربية بالسوء وسيرتدّ الشرّ إلى أهله". بهذه العبارة المرتبكة، والقلق الذي يقرأ عبر الشاشة على ملامح الشاب الذي أتت به ثروة ونفوذ ابيه رفيق الى بوابة السياسة اللبنانية، هدد سعد الدين الحريري إيران، بقطع يدها من العاصمة الرياض، التي وصلها بعد استدعاء سريع، لم يسمح له فيه باصطحاب أي شخص من افراد عائلته أو حمايته الشخصية باستثناء شخصين فقط، اختفيا الان بعد ان القى الحريري بيانه الغريب معلنًا ترك منصة رئاسة الحكومة اللبنانية تلفزيونيًا ومغادرة المشهد السياسي دون أي خلاف سياسي أو تقاطع حزبي. الامر الذي نزل على بيروت وأروقتها السياسية المخملية كالصاعقة، فلمَ هذه العجالة، لمَ هذا القرار الصادم، ما هي أسبابه، ما هي تداعياته على الواقع الهش، ما هي تبعات مثل هذا القرار ؟. ولم يطل أمد حتى هذه التساؤلات حتى " ذاب الثلج وبان المرج", ليكتشف الوسط السياسي والاعلامي، أن الاستقالة العاصفة هذه ليست انتفاضة حريرية ضد تدخلات ايران المزعومة، وليست ادراكًا من الحريري ( السياسي الفلتة) لانسداد الافق السياسي امامه، وليست تغليبًا لمصلحة حزبية على الأقل، ومحاولة احراج فرقاء سياسيين ! أذن ما الحكاية، " بدنا نعرف" كما يردد اللبنانيون الآن ؟. الحكاية .. ! لم تمضِ سوى ساعات قليلة على هذه الاستقالة، حتى تكشفت الحقائق، واتضح الأمر، الذيتبين فيه أن رئيس الوزراء اللبناني، استدعي للسعودية بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ترأس ليلًا لجنة مكافحة الفساد، ليجبر سعد على الاستقالة من منصبه الرسمي، حتى يتمكن بن سلمان من محاسبته كمواطن سعودي يحمل الجنسية، متورط بصفقات مالية فاسدة، وله أصول ثابتة في السعودية تحوم حولها الشبهات، فضلًا عن شراكات مع امراء سعوديين يشكلون باجمعهم (لوبي )ضاغط قد يقصي بن سلمان أن اراد، فكان ان بدأ بن سلمان ذاته بتصفية هذا اللوبي قبل ان يلتقط انفاسه، بعد الاطاحة بالرجل الأمني الخطير محمد بن نايف، الذي يعيش أسوء ايام حياته محتجزًا في جدة . الاستدعاء الذي جرى للحريري، كان سيناريو لم يتوقعه الرجل الأول في لبنان، حيث سافر للتباحث العاجل، كما قيل له في أمر الاستدعاء، لكنه تفاجأ أن الأوامر صدرت بنقله الى فندق فخم في قلب الرياض، حيث اجريت مقابلة سريعة له مع بن سلمان الذي طلب اليه، الاستعداد للمحاسبة كمواطن سعودي، ولذا فأن عليه ان يترك منصبه الرسمي، وأن خطابًا اعد له، في غرفة مجاورة وستتولى قناة العربية التابعة لبن سلمان ذاته، نقل هذا الخطاب، وسيبلغ به الشعب اللبناني فقط. ومن ثم تبدأ الاجراءات. هنا بقي سعد الدين الحريري حائرًا لم يجد جوابًا، ولم يجد بداً سوى الاستجابة، ليظهر في خطاب يبدو أنه قرأه للمرة الأولى، حيث بدا متلعثما محرجًا، مبعدًا عيناه عن الكاميرا في غرفة متواضعة أعدت على عجل كما يبدو. بعد ذلك وبحسب مصادر لبنانية، انقطعت الاتصالات تمامًا مع الرجل، الذي يبدو أنه محتجز بالفعل الان في ذات الفندق الذي أعد كمقر احتجاز خاص له وللآخرين، حيث جرى نقل الامراء الذين احتجزوا قبله، فضلًا عن عشرات الوزراء السعوديين الذين لهم ثقل سياسي، ودور مؤثر وعلاقات دولية متشعبة، ولعل ابرزهم خالد التويجري، وأبن الملك الراحل عبد الله بن عزيز، الذي يترأس وزارة الحرس الوطني وغيره من الامراء. فضلًا عن اباطرة المال والاعلام السعودي الوليد بن طلال، والوليد ابراهيم وعشرات الشخصيات التي تحل مراتب عليا في الهرم السياسي، و في البنية الإقتصادية والإجتماعية السعودية، فيما يبدو أنها حملة منظمة تستهدف تقويض أي معارضة محتملة للانتقال السياسي للعرش من اولاد بن عبد العزيز الى الاحفاد، وهكذا سيبدأ بن سلمان حكمه خلال الفترة المقبلة بالكثير من الضحايا الذين لم يبدِ أيً منهم معارضة، لكنها ضربة استباقية، واذ لم يتمكن بن سلمان من اسقاط الجميع بذريعة الفساد، فأن سيناريو اسقاط الطائرات سيكون فعالًا، حين أتى اكله مع منصور بن مقرن بن عبد العزيز الذي قتل بعد 24 ساعة من حملات الاعتقالات المذهلة. فيما يخص الحريري الذي هدد وتوعد، فهذا التهديد والوعيد لم يعد يقرأ على أنه يمثل أي قيمة في المعطيات السياسية، لكنه سيقرأ على أنه خطاب تنحي تحت الضغط، وهو ما اعلنه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الذي اشار ضمنًا الى هذا. حيث أكدت الرئاسة اللبنانية، الى الرئيس لن يقبل استقالة الحريري مالم يعد الى العاصمة بيروت، لكن التساؤل المهم في الشارع اللبناني : هل سيعود الحريري بيد مقطوعة بتهمة السرقة وفقًا لقانون مكافحة الفساد السعودي، وهو الذي هدد بقطع يد ايران ؟.
*
اضافة التعليق