بغداد- العراق اليوم: هل ما حدث يمكن استيعابه بسرعة، وتمريره بهذه العجالة، وهل يمكن لمتابع اكان مواليًا لبغداد او معاديًا لها، ان يستوعب ما جرى على الأرض، وكيف يمكن ان نرى الوضع في المستقبل القريب. في الحقيقة، الجواب صعب ومعقد، للطرفين، فالموالي كانت ثقته مهزوزة بشكل لا ينكر، وكان واقعًا تحت سطوة اعلام مسعود الذي نجح في تسويق قوة مليشيات البرزاني، وصورها على أنها لا تقهر، ونقول نجح ايضًا في تسويقها بعد ان ولت الدبر امام عصابات داعش 2014 وتسبب بأكبر جريمة ابادة جماعية للأخوة الأيزيدية. نقول ان وسائل الاعلام وصفحات المدونين، وشاشات التلفزة، نجحت في ان تسوق لنا خطاب مسعود الذي ظنه العالم كله، أنه يملك قوةً لا تقهر، وأنه قادر على فرض منطقه الأعوج، وان أي اعتراض على هذا المنطق ستكون له نتائج كارثية. لقد نجحت آلة مسعود وماكينته الدعائية الضخمة الممولة من ثمن نفط كركوك المسروق بالتشويش على الأخر، وكسر معنويات الاطراف التي ترفض الهيمنة البرزانية على الحياة الكردية برمتها، لذا كان سيناريو اسقاط هذه السطوة مخيفًا، بحيث توقع البعض ان تتورط بغداد في عش دبابير ان اقتربت وطالبت بحقها، تصوروا ان طالبت بحقها ليس اكثر. لكن مالذي حصل بعد ذلك، لم نك نعرف ان الطغاة يتشابهون الى هذا الحد، كنا نظن ان مسعود أخذ درسًا مما حوله، وأقربها اليه تجربة (عمه) صدام الذي انتهى به المطاف الى جرذ يختبئ في جحر قذر لكن للأسف كان تصورنا خاطئًا، فهم كلهم، يخضعون لمرض الأنا المتضخمة التي تحجب عنهم الرؤيا والحكمة، وتمنعهم من أن يواجهوا انفسهم أن زلوا أو أخفقوا، ابدًا، فهذه الغريزة ستظل تلازمهم ملازمة مرضية الى ان يقضى عليهم رغمًا عنهم!
صدمة الموالين !
هذا ما يتعلق بمن نصنفهم ونحن منهم بكل فخر بخصوم مسعود، خصومتنا معه بالتأكيد لا شخصية ولا قومية، قدر ما هي منهجية، فكل العراقيين الشرفاء يرفضون الديكتاتوريات، لذلك قدموا قرابين هائلة من الشرفاء، فكيف نسمح في هذا العالم الذي لم يعد يحتمل طغيانًا فرديًا جديدًا ان يتفرعن مثل مسعود على شعبه، ويسومه سوء العذاب، ويدفع به الى المحرقة؟ بالتأكيد سنقف بوجهه، شعبًا، ونخبًا، ومثقفين ومفكرين، وطلبة وكل الشرائح الاجتماعية التي تؤمن بمبدأ التعايش وكرامة الانسان وحريته. نقول ان هول صدمة كركوك، كان قويًا علينا، فكيف بمن احاطوا الرجل واستشاروه وورطوه، ودفعوه الى هذه المواجهة التي كشفت هشاشته، وضعفه، وخواء ما كان عليه، بل وتفسخ بنيته الداخلية التي نخرها الفساد والطغيان والسرقة والنهب الذي استشرى في هذه البنية، وتحول الى انتهازية فجة تمارسها اطراف منتفعة منه. لقد كشفت عملية كركوك الدستورية، عن شيء مهم، وأمر كان العراقيون يعتقدون خلافه، كشفت اولاً عن وعي كردي متقدم لاسيما لدى الاحزاب ذات البنية الديمقراطية، كالاتحاد الوطني وحركة التغيير، فضلًا عن النخب الكردية التي تؤمن أن الديكتاتورية البرزانية الى زوال مهما تأخر هذاـ ولعل خير من عبر عن هذا هو الدكتور برهم صالح الذي قال ان " برزاني اصبح من الماضي". كما كشفت عملية كركوك عن ان القوات المسلحة الكردية أعلى من عبادة شخص، وأسمى من ان تجير في حرب داخلية قذرة، وان عددًا كبيرًا من قياداتها يعتقد ان التقاتل الداخلي لا يخدم القضية الكردية، قدر ما يخدم قضية شخصية، ويدافع عن مصالح عائلة قبلية متخلفة، ولنا فيما عبرت به النائبة الشجاعة الاء طالباني خير شاهد، حين قالت أن " الكورد غير مستعدين لبذل قطرة دم من اجل نفط يسرقه مسعود وعائلته". لكن ماذا تفعل شلل الانتهازية التابعة لمسعود، والتي تقطن اربيل وبغداد ايضًا غير التبرير له، ومحاولة تصوير الأمر على خلاف ما جرى، فما كان منها ولتلافي الفضيحة المدوية لهروب مليشيات برزاني امام القوات العراقية المسلحة، الا أن تطلق الاتهامات عن تقدم ايراني تجاه كركوك، وأن قادة الحرس الثوري هم من تولوا تحرير المدينة واقضيتها ونواحيها ! كما عادت لتعزف على نغمة الخيانة،متهمةً قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني بتسليم المدينة، لكن الغريب من هذه الأبواق انها تغض النظر عن السؤال الأهم : وماذا عن بيشمركة مسعود، ولماذا هربت هي دون مواجهة، ثم أين قوات الزيزفاني التي يقودها منصور نجل مسعود، والتي انتشرت حول الحقول النفطية، لماذا هربت وتركت الحقول ان كانت تعتقد بعدالة ما تقاتل من أجله؟. لقد انتهت اذن اسطورة برزاني الى هذه النهاية، وهي لا تعني ان ثمة انتصاراً تحقق على الشعب الكردي، ابدًا فالرجل لا يمثل الا نفسه، ولا يملك أي تفويض شرعي بالتحدث نيابة عن الشعب الكردي، وتمثيله امام بغداد . ان متغيراً جديداً قد حصل اليوم في الساحة الوطنية الكردية، التي يجب ان تفرز قيادات جديدة تتولى بغداد التفاهم معها لبناء جسور شراكة وطنية عابرة للطموحات الشخصية والتطلعات غير المشروعة على قاعدة الحوار الشامل الذي لا يستثنى منه سوى سراق الشعب، والمتاجرين بدماء ابنائه الذين ضنوا بابنائهم، ودفعوا ابناء شعبهم الى محرقة المواجهة، لولا حكمة العقلاء وقبل ذلك العناية الألهية . ختاماً نقول ان القوات العسكرية العراقية لم تحرر آبار النفط العراقي، والقاعدة الجوية، والمطارات والمنافذ في كردستان، إنما حررت ايضاً الشخصية الكردية، وأطلقت سراح الحرية الكردية المعتقلة خلف اسوار الهالة والخوف والغطرسة البرزانية، فالواقع الكردستاني اليوم ليس مثل قبل يومين، نعم فقد سقط البعبع وتهشم الصنم.
*
اضافة التعليق