بغداد- العراق اليوم:
لم يشن هجوم على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود برزاني، اكثر من الهجوم الذي تعرض له الحزب الشيوعي العراقي في ملف الاستفتاء، فكل المواقف الحادة والنقد اللاذع لم يتوجه الى منظمي استفتاء الانفصال ذاتهم، بل وجدنا ان السهام تطلق الى صدر الحزب الشيوعي.
وثمة جهد اعلامي منظم يهدف لاسقاط الحزب في وحل هذه الدعوة، دون أي ربط بين الاثنين.
جهات سياسية، واخرى رجعية حاقدة تاريخياً، واخرى قومية مدنية تنافسية وجدت الفرصة مؤاتية لنحر الحزب على مذبح الانفصال، بعد ان عجزت عن تشخيص أي خلل، او اكتشاف ثغرة في المواقف الوطنية الصلبة للحزب الشيوعي العراقي تجاه مختلف القضايا الوطنية المصيرية، ولم يساوم تجاهها على الرغم من كل الضغوط والاغراءات، الا ان الشيوعي العراقي بقي هو ذاته، الذي يملك رؤيته الخاصة والثاقبة في معالجة مختلف قضايا العراق ومحيطه، مثلما بقي بتلك الصفة التي شرفه بها الشعب، ألا وهي صفة الحزب النزيه.
لكن كيف نفذ المتربصون، ونجحوا في ايصال اغراضهم التسقيطية الى الرأي العام، بما في ذلك بعض اصدقاء وانصار الحزب الشيوعي، وجعلهم في حيرة من امرهم، بحيث ظلت الاسئلة الحائرة تبحث عن اجوبة :
هل صمت الحزب ازاء قضية مهمة مثل قضية الاستفتاء، ومصير وحدة التراب العراقي؟. وهو الذي يصدر مواقف واضحة وجلية في قضايا واحداث اقل شأنًا من هذه؟!
هل ثمة ضغوطات تنظيمية تتعلق بنسبة الأعضاء الكرد الكبيرة في الحزب، فضلاً عن وجود الحزب الشيوعي الكردستاني، الذي اعلن موقفه المؤيد بقوة لصالح استفتاء الإستقلال، قد وضعت قيادة الحزب الشيوعي العراقي في موضع المراعاة لمثل هذه الامور ؟
وهل للعلاقات التاريخية بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني تأثير في منع الحزب عن قول رأيه الفاصل والحاسم ؟
الجواب، كلا بالتأكيد، فالحزب اصدر بيانًا واضحًا عبر عن موقفه المبدئي وما يعتقده وما يتبناه منذ اول ظهوره على ساحة العمل الوطني العراقي، فالحزب الشيوعي العراقي يكاد ينفرد عن غيره من القوى السياسية العاملة في العراق بأنه الوحيد الذي يمتلك ادبيات خاصة، ويطرح معالجات عملية لكل قضايا الوطن العالقة، ومشاكله الانية والستراتيجية.
ولهذا لم تغب القضية الكردية عن ادبيات الحزب، وهي العلة التي ظلت ترافق الدولة العراقية، ملكيةً كانت او جمهورية، وقد تكون حلول الحزب، ورؤيته لهذه القضية تنبع من ايمانه العميق بأن الحوار والديمقراطية هما السبيل لتحقيق وحدة وطنية شاملة، تتجاوز الانقسامات القومية والطائفية، ودون ذلك تبقى المعالجات الامنية، والحلول الخارجية قاصرة عن فهم جوهر المشكلة الوطنية.
لذا جاءت رؤية الحزب واضحة، فهو يتبنى من حيث المبدأ حق تقرير المصير للشعوب، ويعرف انه استحقاق لا يمكن للقمع مصادرته، ولا للتقادم اسقاطه، ولكنه لا يكتفي بهذا الاعتراف، بل انه يطرح بديله الناجح لا الشعاراتي، فهو يرى ان امكانية التعايش والانصهار الاجتماعي ممكنة اذا ما سُمحٓ بتحقيق دولة المواطنة. حيث يتساوى المواطنون امام الدولة بعيدًا عن الانتماءات الفرعية والهويات الثانونية.
من هذا المبدأ كان الحزب قد عبر عن وجهة نظره، وهي رؤية لم يخفها الشيوعيون يوماً، ولا ينافق احدًا في اعلانها، ولكن هل معنى ذلك ان الحزب يؤيد تقسيم العراق كما روج لهذا المغرضون، او ممن اساءوا الفهم؟.
بالتأكيد الجواب واضح، وقد عبر عنه بيان سكرتير الحزب رائد فهمي، الذي اكد ان الحزب لا يتبنى اي نهج تقسيمي، ولا يعني في تضامنه مع حق تقرير المصير للشعوب، انه يساند جماعة قومية او حزب سياسي بعينه، في هذا الاطار يعتقد الحزب جازمًا ان الحل في اطار الوحدة العراقية، ممكن ومتاح ان توفرت له المناخات المناسبة، وتخلت القوى الحاكمة عن انانايتها الفئوية والمحاصصاتية واتجهت لبناء المشروع الوطني العراقي الشامل العابر للكتل والمذاهب والقوميات.
لقد جاء البيان الاخير للحزب ليضع النقاط على الحروف، وليرفع اللبس الحاصل، وليؤكد مبدئية الحزب الشيوعي، ووضوح منهجه، فبالإضافة الى رفض الحزب استخدام اي نوع من العنف المسلح تجاه ابناء الوطن، فهو يرفض التمرد ضد الدولة وقانونها، ويدعو لحوار ضمن الاطر الدستورية.
كما انه يرى بان حق تقرير المصير لا يعني بالضرورة الانفصال والانعزال، بل انه حق يمارس ضمن اطار وحدة اختيارية لكل شعب، كما انه يرفض ان يقال للشعب العراقي شعبان، على اساس مذهبي، بل انه شعب واحد يشترك في كل شيء، والفوارق انما هي مصطنعة، ويرى ان الاكراد العراقيين جزء من امة عراقية تربطها مشتركات ثقافية وحضارية ووطنية، اعلى من اي مشتركات خارج اطار هذه الوحدة.
ان ما طرحه الحزب برؤيته وبيانه التوضيحي الجم افواه المتقولين، واحرج المشككين، وزاد المؤمنين بمنهجية الحزب ورؤيته الوطنية ايمانًا بقوة القاعدة الصلبة التي يقف عليها، ومدى تأثيره على مجمل الحراك الوطني، حتى وان حاولت قوى معروفة، تحجيمه او عزله في فضائه العراقي الواسع الذي تحسده عليه الكثير من القوى المختنقة بفضاءات طائفية او اثنية ضيقة.
ان بضاعة الحاقدين كاسدة، ولن ترى سوقاً لها، فالعراقيون يدركون من تعلق على اعواد الدكتاتورية من اجل حقوقهم، ومن باع هذه الحقوق في سوق النخاسة، تماماً مثلما ادركوا السياسي النزيه صاحب اليد العفيفة، ومن السياسي الذي يسرقه ليل نهار !
*
اضافة التعليق