بغداد- العراق اليوم:
لم تجد اسبانيا الدولة العضو في الاتحاد الاوربي ذات النظام الديمقراطي حلًا غير الهراوات والاسلحة المطاطية وحتى الرصاص الحي لمعالجة ازمة الاستفتاء في اقليم كتلونيا التي تنوي تقرير مصيرها والانفصال عن اسبانيا، حتى ان الاستخدام المفرط للقوة اسقط قرابة الثمنمائة جريح، وسط تاجج العنف بشكل واضح . هذه الصورة التي نقلتها وسائل اعلام عالمية، احالت الاذهان الى ما قبل اسبوع ايضًا، وتحديدًا الى العراق الذي شهدت مناطقه الشمالية استفتاءًا مشابهًا، وكيف تعاملت الحكومة العراقية الاتحادية مع الحدث اللا دستوري، والمخالف لاوامر القضاء والقانون. إذ ظهر جلياً الفرق ما بين تلك الصورتين، فحين عمدت دولة ذات نظام ديمقراطي عريق لاجراءات تعسفية كقطع خدمات الانترنت والاتصالات والمواصلات وغيرها من الاجراءات الاخرى، فضلًا عن استخدامها العنف المفرط. التزم النظام الديمقراطي في بغداد اقصى حالات ضبط النفس، وتعامل بحكمة وسعة صدر اعجبت المخالفين قبل الاصدقاء.
فمع قدرة بغداد عمليًا في اللجوء الى العنف والمصادرة والقمع، لا سيما في المناطق خارج الاقليم، الا انها فضلت تجنيب المواطنين التصادم مع القوات الامنية، وعدم اجبار القوات المسلحة في الدخول بصراع سياسي قد ينتهي بتفككها، وانهيار تماسكها الداخلي لا سمح الله.
لذا لجأت بغداد الى اساليب فعالة وذات جدوى اكبر من المصادرة او منع حركة المواطنين وغيرها.
كان البعض في بغداد ولا يزال يدفع باتجاه استخدام العنف المسلح كحل لاسقاط الاستفتاء المزعوم، فيما تتمسك بغداد بالحلول الناعمة، وتستخدم اوراق ضغط من شأنها اجبار اربيل على التراجع، ولعل هذه الاساليب بدأت تؤتي ثمارها الان، وما رغبة الاتحاد الوطني وغيره من القوى بالعودة الى بغداد، الا هو تأكيد على ان عمق هذه القوى هو بغداد. وخطوة جيدة في سبيل تراجع هذه القوى عن الخطوة الانفصالية التخريبية.
وعلى الرغم من تشابه الخطوتين الانفصاليتين في اسبانيا والعراق في كونهما تخالفان قوانين الاتحاد، ومعارضة المحاكم الدستورية لهما، وقضائها ببطلانهما، الا ان اختلافًا بينًا بين اسلوب المعالجة، فبغداد تدرك اكثر من مدريد ان القمع والمصادرة لن يجدي نفعًا، مالم تجهض مشاريع الانفصال باجراءات عملية تعيد هولاء الى صوابهم، فلا يمكن ان تنشأ دولة في ظل رفض كل العالم لها، ولا يمكن لها ان تعيش وهي لا تجد رئة تحيط بها تسمح لها بالتنفس، كما ان بغداد تدرك اعمق من مدريد ان قمع المواطنين سيزيدهم اصرارًا وسيمنح المتطرفين والانعزاليين فرصة اكبر لكسب تأييدهم.
*
اضافة التعليق