الحلقه الثانية من كتاب محمد صاحب الدراجي: اللا دولة .. أم الدولة الخفية.. من يحكم العراق؟

بغداد- العراق اليوم:

بالرجوع الى ادارة بريمر للملف الاداري للعراق المحتل حينها نلاحظ ان الطامة الكبرى هي ان قرارات سلطة الحاكم المدني التي اطلق عليها CPA اتخذت طابعا تشريعيا اي ان القرار الفردي الذي اتخذه بريمر له سلطة القانون ولاتستطيع اي جهة تغييره او تعديله الا من خلال قانون يُسن في البرلمان عبر الإجراءات الدستورية، لذلك نرى ان من الامور التي تعيق بناء الدولة وخصوصا من الناحية الاقتصادية هي بعض القرارات الخاطئة التي اقرتها سلطة الائتلاف المؤقتة جراء الجهل بالواقع الاقتصادي والاداري والاجتماعي للمجتمع العراقي او من خلال نصيحة خاطئة من قبل المستشارين او بسبب متعمد ينسجم مع الخطة المعدة لمستقبل العراق، وعلى سبيل المثال وليس الحصر القرارات الخاصة بشركات التمويل الذاتي والمصارف الحكومية ومنع التصدير والغاء حوافز الانتاج وقرارات أربكت الاقتصاد العراقي وجعلته فاقد البوصلة بحجة التحول الى اقتصاد السوق لكن دون مقدمات صحيحة وبدون تهيئة للجهاز الاداري المنفذ لهكذا قوانين وللاسف لم يتم لغاية الان اجراء دراسة شاملة لجميع قرارات بريمر وتغييرها او على الأقل إعادة صياغتها بشكل قانون يصوت عليه مجلس النواب المنتخب. فمن غير المعقول ان يقوم وزير معين من خلال برلمان منتخب وقد يكون الوزير هو ايضا منتخبا لتنفيذ قرارات لشخص اجنبي محتل لبلاده جاء لمدة أشهر واصدر هذه القرارات واتخذت قوة قانونية مجبرة على تنفيذها ومن ناقل القول اني عانيت كثيرا من هذا الامر وكنت ارفض اي سند قانوني يرتكز على قرارات بريمر خلال فترات تواجدي في الحكومة مما سبب الكثير من الاشكالات وللاسف لم تستمع الحكومة او البرلمان لمناشداتي الكثيرة العلنية منها او من خلال الاجتماعات الخاصة لتغيير قوانين بريمر سيئة الذكر. كما ان النظام السياسي الذي تم اقتراحه في الدستور في ظل الظروف التي تمت فيها كتابة الدستور لايساعد على الشروع في بناء دولة على أنقاض الدولة المنهارة عام ٢٠٠٣ فالنظام البرلماني الذي تم تبنيه مقتبس من النظام الاسرائيلي المحتل والنظام البريطاني والحالتان لاتشبهان الواقع العراقي فالاولى هي دولة دينية قائمة على أساس ديني قومي موحد والأحزاب الموجودة كلها تصب في نفس الاستراتيجيات وتختلف في بعض التفاصيل لكنها كلها من دين واحد ومذهب واحد وقومية واحدة . اما الثانية فهي دولة لها باع طويل في النظام الديمقراطي والأحزاب الرئيسية فيها عابرة للاديان والقوميات والجنسيات، فنرى وزيرا في بريطانيا من أصل عراقي مسيحي ورئيس لجنة نيابية في البرلمان من أصل عراقي كردي سني ورئيس بلدية من أصل عراقي شيعي وعمدة للعاصمة من أصل باكستاني مسلم ناهيك عن باقي الأعراق والأديان و كلهم ينتمون الى احد الحزبين الرئيسيين فقط والحزب ذو الاغلبية هو من يشكل الحكومة وقد يحتاج الى تحالف بسيط مع الحزب الثالث الثانوي في الحياة السياسية . اذا في ظل خطة التقسيم المذهبي والقومي المعدة سلفا لمستقبل العراق تمت كتابة دستور مليء بالألغام السياسية ويعتبر من اجمد الدساتير حيث من الصعب جدا اذا لم يكن مستحيلا تغييره بالطرق الدستورية التي نص عليها الدستور نفسه . تبنى هذا الدستور نظاما سياسيا غير ملائم للعراق لكنه ينسجم مع الرؤية العالمية الجديدة للمنطقة بحيث لايمكن تجاوز نظام المحاصصة في هذا النظام لان بناء الأحزاب والقوى السياسية بعد تغيير النظام في ٢٠٠٣ اعتمد على طابع اما قوميا او مذهبيا وحتى التحالفات الانتخابية او الكتل السياسية المؤتلفة ما بعد الانتخابات أخذت نفس الطابع والادهى من ذلك تم وضع عرف سياسي يعتمد على التوافق بين المكونات وهذا العرف غير منطقي على الإطلاق فإذا كان البلد سائرا باتجاه التوافق وتقاسم السلطة بين المكونات التي يمكن اعتبارها مصطلحا هجينا على النظم السياسية ، فما هو الداعي للانتخابات وما هي ميزة من يفوز بالانتخابات من الأحزاب او الكتل وما هي مسؤوليتها في ادارة الدولة من حيث الفشل او النجاح ؟ جواب هذا السؤال ببساطة لاتوجد ميزة او مسؤولية. لان الحكومة تشكلت على مبدأ توافقي لا يتم الا من خلال تقاسم السلطة المبني على المحاصصة بين المكونات . نعم قد يكون من المنطقي ان يتقاسم السلطة الأحزاب المؤتلفة لتشكيل أغلبية برلمانية لتشكيل حكومة لكن ليس على أساس قومي او مذهبي او ماتسمى ببدعة المكونات كما حدث في العراق منذ مجلس الحكم ولحد الان . هذا التركيب الهجين ما بين النظام السياسي البرلماني المقر دستوريا والعرف الخاص بالتقسيم السياسي القومي المذهبي الذي ساد وأصبح كأنه حقيقة بدونها لن يبقى عراق إنما هو في الواقع تمهيد لتغيير الواقع الجغرافي للبلد الذي رسمته المس بيل وأقرته اتفاقية سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الاولى حيث انه بدأ بالتأثير على الواقع الاجتماعي ليس فقط انتخابيا وانما حياتي ووظيفي وبدات اسقاطاته تنعكس على الأجيال الناشئة والشابة والمثير للاستغراب على بعض الأجيال التي عاشت في البلد وعملت في الدولة قبل ٢٠٠٣ بل وتحت إمرة النظام البائد بدأت تتحدث بالمنطق نفسه مع العلم ان هؤلاء كانوا لايمتون بصلة للامور القومية والمذهبية وانما كان ولاؤهم لقيادة النظام وحتى غير المنتمين للبعث او غير المؤمنين بالنظام فكان ولاؤهم لمؤسسات الدولة ولوظائفهم الادارية بغض النظر عن الامور الطائفية او القومية. للاسف من خلال التجربة رأينا ان الكثير من القيادات الوسطى بدأت تتكلم بمنطق المحاصصة القومية او الطائفية وعلى جميع المستويات الوظيفية بحيث وصلت الامور الى فقدان ميزة مهمة هي أساس اي دولة الا وهي الادارة المدنية او مايطلق عليه civil servant الذي لا يتاثر بالمتغيرات السياسية التي تطرأ على القيادات العليا في المؤسسات ، بحيث اصبح التحزب او الطائفية او القومية او منطق الانتماء هو المنطق السائد حيث بدأ يشعر الموظف بوجوب ان يتخندق او يتمترس بمجموعة معينة سواء كانت حزبية او اثنية لكي يحمي وجوده الوظيفي وأصبحت فوبيا أُصيب بها معظم موظفي الدولة في المستويات الدنيا او المتوسطة بسبب البروباغاندا الاعلامية التي تتحدث بمنطق المحاصصة والتي هي ناتج طبيعي.

علق هنا