بغداد- العراق اليوم:
اذا ما عددنا محاسن النظام الجديد في عراق 2003، فأننا لا يمكن أن نطيل في قائمة هذه المحاسن، الا أننا لن نستطيع أن ننكر الأفق الواسع لحرية الرأي والتعبير التي عاشها العراقي، والتي لم تتوفر له منذ عقود عديدة، بمعنى أن اهم مكتسبات مرحلة ما بعد الديكتاتورية، هو فضاء الحرية الواسع الذي حصل عليه المواطن، مضافاً اليه التعددية الثقافية والفكرية والاعلامية التي انتعشت كثيراً، ومن ينكر هذا فأنه يجافي الحقيقة، ويبتعد عن قولها .
لكن هذا الانفتاح الذي يُحسد عليه العراقيون يتعرض الى مصادرة وقحة ومفضوحة من قبل جهات نافذة تريد مصادرة أخر احلام التغيير التي بقيت من حلم مجهض.
فهذا الفضاء الواسع والطيف الجميل من وسائل الاعلام المتنوعة ( فضائيات- اذاعات - صحف - مواقع الالكترونية- وسائل تواصل اجتماعي مفتوحة)، وهذه الحرية الإعلامية التي تشهدها البلاد، والتي لم يسبق ان عرفتها من قبل، وإنتعاش الاوساط الثقافية والفكرية، التي لا يمكن ان تنمو الا بفضاء اعلامي حر، فأن الواقع يجبرنا على القول أن وسائل الإعلام الحر قد أنعشت هذه الاوساط، ومنحتها فرصة للتعبير والنفاذ الى المتلقي الذي لم يعد محجوباً عن فضاءات المعرفة، ولا ممنوعاً من التفكير بحرية واسعة .
الحرية الإعلامية في خطر
لذا فأن صحافيين ومراقبين وناشطين يرون ان الحفاظ على المكتسبات الحالية، هو الجزء الأكبر من مواجهة تحديات ما بعد التغيير. إذ أن الحرية الإعلامية، وسهولة تدفق المعلومات، واختفاء الرقيب على ما ينشر- الا الرقابة الشعبية- من شأنها إعادة تقويم أي انحرافات، ومعالجة أية خروقات، سواءًا في الجهاز السياسي للدولة، او الجهاز الاداري ونظامها البيروقراطي. فحرية الصحافة كفيلة بفضح الانحرافات، وكفيلة بمعالجتها ايضاً، لذا فوسائل الاعلام تلعب الدور الرئيس والفاعل في مراقبة كل انواع الفعاليات، وتصحيح كل مساراتها.
وبحسب هولاء المختصين، فأن " اتاحة الحرية الاعلامية، وصيانتها من الاعتداءات ستخلق ثقافة راسخة في الوجدان الشعبي، تدفع المواطن الى التفاعل، ومواجهة الانحرافات بعزم كبير".
ويبدو أن ثمة جهات نافذة في عراق اليوم لايعجبها هذا التوجه، ولا يروق لمشروعها هذه الحرية التي تعتقد أنها تشكل تهديدًا وجوديًا لها ولمشروعها الفاسد، فهي تبذل منذ عدة أعوام جهودًا مضنية لخنق هذه الحرية، ومصادرتها، تارةً عبر الترغيب، وتارةً عبر الترهيب والمنع والمصادرة.
فهي تسعى بقوة لمنع تدفق المعلومات، وتجريم تداولها عبر قوانين منافية للديمقراطية، كقوانين حرية التعبير سيئة الصيت التي فشل مجلس النواب في تمريرها لغاية الآن، بفعل الرفض الاعلامي والشعبي لها. لذلك تراها تلجأ الى وسائل أخرى، منها محاولة شراء ذمم وسائل اعلام، وبذل اموال طائلة من موازنات الوزارات العراقية، ومرة عبر خنق وسائل الاعلام المستقلة عبر منعها من الحصول على مقومات بقائها المشروع، كالإعلانات وغيرها.
وحين فشلت هذه الجهات في قتل هذه الوسائل لجأت لطرق خبيثة لا يتخيلها عقل، ولا تدل الا على عقليات مافيوية تحكم هذه الجهات.
تجربة العراق اليوم .. أنموذجًا
وليكون الحديث أكثر تركيزًا وأكثر وضوحًا، ولا يكون مرسلًا يتيه القارئ في الاستدلال على معانيه، سنأخذ تجربة موقع ( العراق اليوم) شاهدًا حيًا، على ما تقدم. فهذا الموقع لم يك الا نافذة يطل منها المتابع العراقي والعربي على الواقع العراقي، ومساحة لم توفرها وسائل اعلام حزبية او جهوية لقول الحقائق، او تقصيها من منابعها.
فكان ان نذر صحفيون واعلاميون وطنيون أنفسهم لهذه المهمة، وأسسوا هذه النافذة، التي أخذت على عاتقها تفعيل الجانب الاستقصائي، وعدم الاكتفاء بنقل الاخبار والنشاطات على أهميتها. الا أن هذا لم يك يرضي طموح هولاء، فكان الموقع بشهادة متابعيه الاكثر بحثًا عما وراء الأخبار، والاكثر جرأةً في قول ما حجبته بعض المصالح، أو اطاحت به غرف التحرير المنحازة.
ظل (العراق اليوم) هو الصوت الذي ينطلق بهدوء، لكنه صوت مؤثر حتماً، فهو لا يكذب متابعيه مهما كانت الأسباب والمبررات، لذلك كنا نحن العاملين فيه نشعر بفخر وشرف اننا نعمل في موقع وطني مهني نزيه، ليس لأنه الصوت المناهض للفساد والمفسدين فحسب، إنما لأنه يقوم بفضح المعتاشين على بؤرة الفساد والمفسدين ايضاً.
ولعل من تابع الموقع طوال فترة عمله، يعرف عما نتحدث، وكم الصفقات الفاسدة التي فضحت بعد ان كادت ان تكون نسيًا منسيا. ويعرف حجم الفساد الموثق الذي وضعناه بأمانة صحفية امام الرأي العام، والجهات ذات العلاقة، ولم ننصب أنفسنا قضاةً، ونطلق الإحكام، بل عملنا كما تقتضي المهنية على وضع الحقائق كما هي ، وترك امر الحكم للمتابع الكريم والجهات ذات العلاقة.
تهديدات وجودية
هذا التوجه والجرأة غير المسبوقة لم تك لتمر دون أن يحاول الفاسدون ان يوقفوا هذا الصوت، لذلك حاولوا مرات عديدة حجب هذا الموقع بوسائل واشكال متنوعة.
فكم مرة لجأوا الى محاولة هكر الموقع، أو السطو فنياً والكترونياً على الوثائق والمواد التي فيه، وقد نجحوا في بعض الأحيان بتعطيله لساعات محدودة، لكنه سرعان مايعود بشكل اقوى، وأشد عزيمة واصراراً.
فمثلًا حاولت جهات محترفة سخرتها وزارة مشهورة بالفساد، تعود لجهة سياسية تحظى بأكبر عدد من السادة الفاسدين، وبحسب معلومات مؤكدة، ان تحجب الموقع عبر عملية اختراقه، او ايقافه عن العمل كما ذكرنا، وحين لم تفلح هذه الجهات، لجأت من خلال وزيرها بما يملك من اموال، وبدعم من الذين يقفون خلفه الى حجب الموقع من نشر اخباره في جهات اشهارية الالكترونية في محاولة بائسة لغرض انهاء مسيرته الصحافية المميزة.
ولعل توقف هذه الجهات الاشهارية عن تقديم خدماتها للموقع، تحت مختلف الظروف، سواء أكانت ترهيبًا أو ترغيبًا فأننا، نؤكد ببساطة شديدة، أننا نعترف بأهمية الاشهار، ونقدره عاليًا، ونعرف حجم انعكاسه على وصول المواد الصحافية الى متلقيها، لكننا نؤكد ان هذا الحجب ليس نهاية الطريق، ولن يوقف هذا الصوت الصحافي عن اداء مسؤولياته الوطنية والمهنية.
كما اننا نعول كثيرًا على قارئ وفي، ومتابع ذكي يبحث عما وراء الأخبار، ويريد أن يقرأ ما اخفته المصالح، بدليل ان تقريراً واحداً نشره موقعنا بعنوان : ( امريكا تضع مسعود اما خيارات احلاها مر في فم البارزاني) نال اكثر من مائة وعشرة آلاف قراءة خلال يومين لا اكثر بدون ان ينشر في تلك الموسوعة التي اوقفت نشر موضوعاتنا لأسباب (مدفوعة الثمن) ، وهو لعمري رقم ليس عادياً في ظل هذه الوفرة الواسعة من المواقع العراقية والوكالات الخبرية.
و( العراق اليوم) يعاهد قراءه ومتابعيه، بأنه سيكون الصوت الذي يأبى السكوت، ويظل الضمير الذي يرفض الاستكانة، فمعركة الصحافة مع الفساد والمفسدين هي معركة وطن، وشعب يناضل من اجل العدالة والحق والعيش الكريم، وهل يعقل أن نخذل شعبنا ووطننا لا سمح الله، فنحن الذين استمدت أقلامنا من دماء الشرفاء حبرها، وكتبت أروع اسطورة عراقية عن معركة التحرير الخالدة لا يمكن ان يسكتنا وزير (مخبول) ولا عمائم فاسدة.
*
اضافة التعليق