بغداد- العراق اليوم:
صادمة ومقلقة تلك التصريحات التي ادلى بها رئيس الهيئة العاملة في الاتحاد الوطني الكردستاني الملا بختيار حول التنازلات المالية والسياسية والجغرافية ايضاً التي وعدت بغداد الوفد الكردي المفاوض بتقديمها، مقابل الغاء موعد الاستفتاء على الانفصال الذي حدده رئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود برزاني.
وبحسب وكالة رويترز، فأن بختيار اكد نجاح الوفد الكردي الذي يترأسه روز نوري شاويس ويضم عدداً من ممثلي الاحزاب الكردية،بالحصول على وعود سخية من بغداد وتنازلات مسبوقة، منها تسوية ديون الاقليم الغارق في الفساد، ومنها استعداد بغداد لتسوية ملف كركوك الغنية بالنفط حسب التقرير، وغيرها من التنازلات المذلة .
وعلى الرغم من التكذيب السريع لمكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، لهذا التصريح، ونفيه تقديم هكذا تنازلات، الا ان البيان لم يكشف عن طبيعة الملفات التي بحثها الوفد الكردي، الامر الذي يثير اكثر من سؤال، فهل يعقل ان تكون الزيارة تعارفية مثلاً !!، وهل يعقل ايضاً ان تتورط رويترز بنسب حديث ملفق لشخصية سياسية مثل الملا بختيار، وعن ملف حساس وخطير مثل هذا، وهل يمكن ان يدلي شخص مثل بختيار بمعلومات كاذبة لوكالة تعتمدها اكبر الحكومات ومراكز القرار السياسي في العالم؟.
وبغض النظر عن هذا التشكيك، فأننا سنفترض ان الحكومة لم تبدِ تجاوباً مع هذه المطالب، فهل يمكن تفسير الموقف الرسمي الذي وصف المفاوضات بالناجحة، ومن ثم هل يبحث برزاني اكثر من هذه المطالب التي تعني اخراجه من عنق الزجاجة الذي وجد نفسه محشوراً به ، تحاصره ازمات داخلية وخارجية بعد ان استفرد بالقرار الكردي العراقي .
ان ما تحدث عنه الملا بختيار، سواءاً نوقش ام لم يناقش بعد، فهو يمثل اكبر انتكاسة لحكومة بغداد ازاء تغول المطالب اللامشروعة للاحزاب الكردية النافذة، ولا نقول الشعب الكردي المغلوب على امره، وان تمرير هذه المطالب مقابل ثمن بخس كالاستفتاء لا يعني سوى ان المفاوض العربي في بغداد لا يملك اوراقاً او لنقل لا يعرف بالاحرى ان يدير اوراقه التي بيده.
هل يستحق مسعود مثلاً التنازل له عن مليارات من الدولارات التي سرقها هو واتباعه وابناؤه، واعتبرها ديوناً على الشعب الكردي، او التنازل عن مناطق ومحافظات يسكنها خليط من ابناء شعبنا (اكراد، عرب تركمان، ابزيدوين، شبك، مسيح)، مقابل الغاء او تأجيل الاستفتاء المزعوم !!
كيف وافقت حكومة العبادي ان تفاوض على ورقة بيد مسعود محترقة بالأساس، ولا قيمة لها بلحاظ الواقع الجيوسياسي، والمواقف الدولية الرافضة لهذا الابتزاز، فكيف سمحنا لمسعود ان يقايض ازماته وعقده الداخلية ويكسب الرهان دون ان يقدم التنازلات الضرورية وفي طليعتها مغادرة المشهد السياسي للأبد بعد ان فقد شرعيته.
هل تجهل حكومة بغداد ان مسعود محاصر برفض تركي - ايراني عارم لمشروعه بالاستفتاء المزعوم، ومن ثم مواقف دولية صريحة من امريكا وبريطانيا والاتحاد الاوربي وغيرها من القوى الكبرى التي ترفض هذا الاستفتاء وتحذر منه، وهل تجهل حكومة بغداد ان برزاني يواجه رفضاً داخلياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الشمال العراقي بعد ان اذاق الشعب الكردي الجوع والقمع والهوان.
السؤال الأكبر هو، من اقنع بغداد ان تفتح باباً للمفاوضات على قضية وملف تعرف هي قبل غيرها انه سالب بانتفاء الموضوع، بمعنى انه لا يمكن ان يمر ولا يمكن ان يرتب اثراً. هل تجهل حكومة بغداد هذا الواقع وتعجز عن قراءته الى هذا الحد، نشك بذلك طبعاً.
وسنقرأ اي خطوة تنازلية من بغداد لبزراني بأنها سخاء في غير محله، وكرم من جيوب العراقيين الذين يقاسون ظروفاً قاهرة الآن، ومجاملة سياسية لا داعي ولا مبرر لها على حساب ابناء الشعب العراقي كرداً وعرباً.
نعرف ان ثمة موقف عقلاني تمتلكه اطراف سياسية في بغداد، هو الذي سيسود ونراهن على نجاحه في كبح جماع المبتزين، وايقاف هذه الألاعيب التي يريد برزاني ان يفرضها كأمر واقع على الجميع، وهو يراهن على حصان يعرف هو قبل غيره ان لا قوائم له، فلماذا تخشاه بغداد؟ لا ندري !
*
اضافة التعليق