بغداد- العراق اليوم:
لم يشهد العراق على مدى عمره كدولة مستقلة دوراً تخريبياً لاقتصاده الوطني، ونهباً مُشرعناً لثرواته المالية، كما شهدتها الفترات السابقة، ولا تزال مستمرة من قبل واجهات ودكاكين فاسدة تسمى ظلماً " مصارف وبنوك" اهلية، وما هي الا لعب واستغلال لثغرة قانونية نفذ من خلالها الفاسدون لينهبوا رصيد العراق من العملات الصعبة، ويضعوه على خط الفقر والحاجة بلا وازع قانوني او ديني او اخلاقي.
تقوم فلسفة الاقتصاد الحر او الليبرالي على مبدأ " تقليص دور الدولة في ادارة الفعاليات الاقتصادية والسماح لرؤوس الاموال الخاصة بادارة هذه الفعاليات، فيما تتولى الدولة ادارة هذا النشاط تنظيمياً فحسب"، ولعل المقولة الاشهر هي مبدأ " دعه يعمل، دعه يمر"، بمعنى التحول من السطوة والقبضة الحديدية التي يفرضها النظام الاشتراكي الى لعب دور المراقب فقط. ولعل من اراد ان يتحول بالعراق من نظام شمولي تجاوز الاطر الاشتراكية في ادارة الموارد الاقتصادية الى القبضة الواحدة، لم يكن مدركاً بأن تحولاً دراماتيكياً مثل هذا من شأنه ان يحدث هزات عنيفة في الطبقات الاجتماعية، ويعرض ثروات البلاد الى الضياع والنهب ويفسح المجال للمحتالين الداخليين والدوليين للعب على هذه الثغرة، واقتحام بوابات خزائن العراق المحكمة.
للأسف لم يسمع رأي خبراء الاقتصاد، ولا اساتذة المال ولا رأي مديري المؤسسات المصرفية الرصينة في ادارة عملية تحول تدريجية، تجزيئية في تفكيك بنى الاقتصاد المركزي الى اقتصاد لا مركزي مع ضمان رقابة صارمة، وخطوات مجاورة تحمي الطبقات الفقيرة والمتوسطة. بل رأينا اصراراً سياسياً من البعض على اللعب بهذه العملية، وتحويلها الى دولاب يدور على غير هدى، والهدف معروف وواضح، الاستفادة الشخصية والحزبية من هذا التحول العاصف والسيطرة على مقدرات البلاد واحتياطاتها النقدية والمالية.
ولعل الاسهاب في شرح ما حدث للاقتصاد العراقي، كان ضرورياً لكشف واحدة من ابرز الجرائم الاقتصادية التي شهدها العراق، تمثلت في قيام قوى معلومة ومجهولة، داخلية وخارجية باكبر عملية نهب في تاريخ البلد لامواله من العملة الصعبة ( الدولار الامريكي) التي تأتي من بيعه للسلعة الوحيدة التي يملكها، وهي البترول، وان كانت الدول النفطية تستغل هذه الريع في بناء اقتصاد حقيقي منتعش، فأن عائدات نفط العراق انعشت جيوب الفاسدين وناهبي موارد العراق .
منذ قرابة العقد من الزمن انتشرت ظاهرة المصارف الاهلية في البلاد، انتشار النار في الهشيم، واذا كانت الدولة تحاول عبر السماح لهذه المصارف انعاش الفعاليات الاقتصادية، وتحرير حركة الاقتصاد والتجارة من بيروقراطية مصارفها الرسمية، فأن اهدافاً ونوايا فاسدة كانت تقف وراء تأسيس هذه المصارف التي تحولت الى واجهات نهب يومي للاقتصاد العراقي عبر بوابة " مزاد العملة" التي فتحها البنك المركزي العراقي لتسهيل تدفق الدولار الى السوق الداخلية، وتسهيل حركة التجارة الخارجية للتجار ورجال الاعمال، الا ان هذه النافذة تحولت لاكبر بوابة للصوص الذين نهبوا لغاية الان وبحسب تقارير رسمية اكثر من ٢٠٠ مليار دولار امريكي من احتياطي البنك وعائدات النفط ولا تزال العملية مستمرة.
ولعل في واجهة هذه المصارف المتهمة يقف مصرف الهدى الذي كشفت اللجان التحقيقية المشكلة في مجلس النواب عن قيامه باكبر عمليات تهريب للعملات الصعبة خلال فترة تأسيسه ونشاطه، حيث قام هذا المصرف باكبر عمليات تزوير ممنهجة للفواتير التي تقدم للبنك المركزي لقاء الاشتراك في مزاد العملة اليومي، كما ان سجل البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية يؤكد وجود اكثر من ١٨٠٠ مؤسسة مصرفية اهلية ومالية تتعامل مع البنك وتستغل نافذة البنك المركزي للاشتراك في الاستيلاء على ملايين الدولارات يومياً عبر تزوير الفواتير والتلاعب باوراق الاستيراد، والنتيجة نزيف مستمر لموارد البلاد التي تقف الان على شفا الهاوية.
فيما يزداد اصحاب المصارف الاهلية نفوذاً ومالاً من السحت الحرام، حتى ان صاحب مصرف الهدى نجح في ايقاع قناة الشرقية في فخ ملايينه، ونجح في فرض برنامج سياسي كبرنامج احمد الملا طلال لغرض قيام الاخير بحملة علاقة عامة له مع نواب ووزراء ومسؤولين لضمان سكوتهم على جرائم النهب المفجعة .
بل تعدى الامر ذلك الى ان يؤسس بعض اصحاب المصارف فضائيات كاملة لغرض استخدامها في الترويج لهم ، وحمايتهم اعلامياً من اي هجوم مضاد، والأمثلة معروفة.
اننا امام كارتل مالي فاسد وخطير ممثل باصحاب هذه المصارف الاهلية، الذين تحولوا لاكبر ماڤيا في تاريخ العراق، قد يصعب مواجهتها بحيث باتت تمتلك اذرعاً اخطبوطية، حتى ان بعضهم صار يمتلك كتلاً سياسية، فما هو الحل لمواجهة هذا الخراب؟
سؤال يظل مطروحاً برسم الجهات ذات العلاقة للإجابة عليه!.
*
اضافة التعليق