بغداد- العراق اليوم:
كثير من الناس يعتقدون ان وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، هي عالم مثالي، وانها لن تعمل مع اولئك المتلطخة ايديهم في الدماء، لكن للوكالة الاستخباراتية طرقها في التوصل الى حل وسط للحصول على نظرة ثاقبة في صنع القرار والأنشطة التي تريدها.
من الأمثلة البارزة، مشاركة وكالة المخابرات المركزية الامريكية مع ارهابي قتل مواطنين امريكيين من اجل الحصول على معلومات ساعدت فرنسا في القبض على كارلوس جاكال، احد الارهابيين الاكثر شهرة في فترة ما قبل احداث 9/11.
الآن، يبدو ان مجتمع الاستخبارات الامريكية بدأ يندم لمنحه الحرية لشركائه الرئيسيين في اقليم كردستان العراق. فقد عملت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة مع زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي سيطر على كردستان العراق الى جانب منافسه الأوحد جلال طالباني.
عمل الرجلان في اقليم كردستان، وعيّنا أبناءهما في مناصب ادارية وامنية، فقد وضع البارزاني ابنه الأكبر مسرور المسؤول عن الاجهزة الامنية، وثبته لاحقاً مستشاراً في مجلس أمن الاقليم. فيما وضع جلال طالباني ابنه الأكبر بافل، المسؤول عن جهاز المخابرات لحزبه.
جلال الطالباني، انتبه لابنه في الفترة الأخيرة، وقام بتسفيره في نهاية المطاف الى لندن بسبب قلقه من زيادة سلوكه العدواني، لكن لايزال ابن شقيق طالباني لاهور يدير قوة محلية معنية بمكافحة الارهاب.
مسعود بارزاني، الرجل القبلي المتحفظ على محاسبة اطفاله، وصل به الحال الى الاعتقاد بأنهم متفوقون جداً. فقام بتدريسهم في مدارس خاصة، تعلموا تعليماً اجتماعياً، وتفاعلوا بشكل اساسي مع بعضهم البعض، لكن لا يخفى على أحد، ان سلوك مسرور بارزاني غير المنتظم لم يكن سراً.
يقول باحثون من منظمات حقوق الانسان زاروا سجون كردستان، إنهم التقوا بأشخاص مسجونين وتعرضوا للتعذيب على قوات الأمن، فقط لانهم لم يدفعوا النسب المئوية من شركاتهم الى السلطات في الاقليم.
في عام 2005، قامت قوات مسرور بارزاني بسجن كمال سعيد قادر، إثر انتقاده مسعود بارزاني في سلسلة من المقالات. حكم على قادر بالسجن لمدة 30 عاماً في محاكمة استمرت 15 دقيقةً فقط. اطلق سراح قادر فيما بعد، إثر شكوى تقدمت بها جماعات حقوق الانسان واثارت قضيته في الرأي العام ولدى المجتمع الدولي.
من وجهة نظر إستراتيجية، فان تصرفات مسرور كانت عكسية وسلبية للاقليم، لانها ادت الى تضخيم شخصيته غير المعروفة نسبياً، وأدت الى تقويض الديمقراطية في كردستان لزيادة شهرته. لم يتعلم مسرور الدرس، فقد افيد ان السلطات النمساوية ألقت القبض عليه مع مجموعة من حراسه إثر محاولتهم اغتيال مواطنين في فيينا.
مرةً أخرى وبدلاً من عزله صار حاكماً جائراً، لاسيما بعد مقتل الصحفي سردشت عثمان الذي اختطف وقتل على الطريق السريع.
وتورطت حكومة بارزاني ايضاً، بمقتل متمردين سنة، ففكرة ان تخطف شخصاً وسط العاصمة الكردية، بسيارات قوات الأمن ومرورها من خلال نقاط التفتيش بحرية، يحبط الاعتقاد القائل، إن كردستان آمنة وتنعم بالأمان.
يشير العديد من الصحفيين الى مسرور بارتكابه عمليات اعدام خارج نطاق القضاء، وهي بالتأكيد غير قانونية. ومسألة عدم مناقشة فساد بارزاني في وسائل الاعلام الدولية، مشروع غبي جداً.
لقد أصبح الفساد مشكلة داخل حكومة اقليم كردستان، حتى أن كبار المسؤولين الاكراد يعترفون بذلك، وفقاً لصفحات من كتاب روتليدج الذي يسلط الضوء حصراً على تفصيل واستكشاف الفساد في حكومة اقليم كردستان. ومن الغريب جداً، ان يشارك مسرور بشكل صارخ هذه الممارسات التي تسترعي الانتباه لها، فكان يستخدم شركة (شل) للخدمات النفطية، التي على إثرها اشترى عقاراً في عام 2010 وسط العاصمة الامريكية واشنطن. في حين ان مسرور نفى ان يكون وراء شراء هذا العقار.
وكل هذا بطبيعة الحال كان يقف خلفه مجتمع المخابرات الامريكية، فهو الذي عمل ونسّق مع مسرور، وكانت الوكالة الاستخباراتية على استعداد طويل للتغاضي عن مزاعم انتهاكات حقوق الانسان والفساد التي تدور داخل مملكة البارزاني.
ماذا تغيّر الآن؟، هناك عاملان. الأول، عامل الحرب ضد تنظيم داعش. فبينما كان مسرور بارزاني حليفاً اساسياً في المعركة ضد تنظيم داعش، إلا انه كان قبل استيلاء التنظيم الارهابي على الموصل، متورطا هو وحكومة الاقليم بتسريب معدات عسكرية حساسة الى مسلحي داعش.
وعلى الرغم من ذلك، كان ازدراء الصحفيين والاكاديميين العاملين في حكومة اقليم كردستان او بمكاتب اعلامية حزبية ومنها الديمقراطي الكردستاني، يعدّ اعترافاً بأن السياسيين الاكراد السابقين شكوا الى جانب مسؤولين حكوميين عراقيين، الى نظرائهم الامريكيين من تسريب اسلحة قبل استيلاء تنظيم داعش على الموصل.
ثانيا، استفتاء كردستان بشأن الاستقلال في 25 أيلول سبتمبر المقبل. المشكلة في هذا الاستفتاء، يبدو بدوافع حزبية واقل وطنية، لصرف الانتباه عن المشاكل الاقتصادية في كردستان بعد انهيار ديمقراطيتها.
كردستان تسعى الى تسليط الضوء على المناقشات التي لا تحل المسائل المحيطة بالاستقلال، فقط لان مسرور بارزاني بات مؤيداً رئيسياً للاستقلال. وكان بعض موظفي الكونغرس ممن التقوا مسرور بارزاني في اجتماعات، خرجوا مقتنعين بأن ابن البارزاني سعى للاستقلال ليكون وريثاً للحكم في كردستان.
*
اضافة التعليق