كرد وعرب، إيرانيون وأتراك.. يتداركون مواضع أقدامهم في الموصل

بغداد- العراق اليوم: على هامش معركة الموصل المرتقبة، تدور معركة "سياسية" ترسم ملامح المستقبل، أكثر من المعركة "العسكرية" المنتظرة في الموصل.

وهذه المعارك، يديرها قطبان، اقليميان هما تركيا وايران اللذان يسعيان الى توجيه معادلات التوازن لصالحهما، وبينهما عرب العراق من السنة والشيعة، ومن الكرد.

والمعادلة الأولى تتعلق بأرقام التوازن الكردي بين أربيل والسليمانية، فيما المعادلة الثانية تتضمن الحسابات السنية ـ الشيعية في لعبة حبال التوازن.

وعلى نار هذين المعادلتين، تُطبخ أجندة تحرير الموصل.

إيران

ويستنتج الكثير من المراقبين أن الأحزاب الشيعية العراقية ومن ضمنهم رئيس الحكومة حيدر العبادي، ينسقون مع ايران لتعزيز النفوذ الشيعي في المناطق السنية.

وفي الجانب الكردي، فان ايران ومعها هذه الأحزاب تميل الى التحالف مع السليمانية، اكثر من أربيل على رغم التفاهمات التي نتجت عنها زيارة رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود بارزاني الى بغداد، وعلى هذا الأساس تُصنف السليمانية على انها ضمن تحالف إيراني شيعي، وإنْ بدت ملامحة باهتة على وجه الاحداث الى الان، يسعى الى إضعاف كفة بارزاني في كردستان العراق.

ويبدو هذا التحالف وراء التصعيد بين رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس تركيا رجب طيب اردوغان، مثلما كان الدافع للبرلمان العراقي في أن يصف نوابه بأغلبية واضحة، وجود القوات التركية في شمال العراق بأنه "احتلال".

وتذهب تحليلات الى انه حتى الولايات المتحدة تتماهى مع النفوذ الشيعي الإيراني، بإعلان العقيد دوريان وهو ضابط أمريكي كبير في العراق، عن ان القوات التركية في العراق ليست ضمن قوات التحالف الدولية، وان هذه القوات يجب ان تأتي بموافقة الحكومة العراقية.

وعلى الساحة الكردية، فان ازدياد نفوذ التحالفات الشيعية التي تمتلك أذرعا عسكرية متمثلة بالحشد الشعبي، مع ايران يعزّز من قوة السلمانية مهما كان الامر غير ظاهر على وجه الأحداث، ذلك ان ايران تحرص على ادامة زخم العلاقة التاريخية مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وتجد في هذ التحالف منفذا لتوسيع نطاق سيطرتها على الشمال العراقي وربطه بالشمال السوري حيث تؤيد ايران نظام الرئيس بشار الأسد، وقد وصلت لعبة التوازنات الاقتصادية والسياسية لكسب الجولة الى الحد الذي طالبت فيه قوى كردية في السليمانية، شحن النفط إلى إيران بدلا من تركيا.



غير ان تواجد قوات الحشد الشعبي في مناطق قريبة من إقليم كردستان، سيزيد من الحساسية الكردية تجاه محاولات تغيير ديمغرافي في المناطق المتنازع عليها، وهو امر يترك ثقوبا في نسيج التحالف الشيعي الكردي (السليمانية) الذي تحوكه طهران وقوى شيعية رئيسية.



تركيا

وفي ظل هوس تركي بالتاريخ "العثماني" لتركيا، يؤجج الرئيس رجب طيب إردوغان الأحاسيس لتوسيع المجال الحيوي لبلاده في سوريا والعراق، عبر التحكم في المستقبل السياسي لحلب السورية والموصل العراقية، وهو سعي يصطدم بالتحالف "الشيعي المحلي" مع ايران الذي حال دون تحقيق اردوغان لرغباته حتى في حلب بسوريا على رغم قربها من الجغرافيا التركية.

ولكي تفكك تركيا التحالفات المضادة، تسعى الى الحيلولة دون امتداد الهيمنة الشيعية الى المناطق السنية بعد طرد داعش وفي مقدمتها الموصل.

لكن وسائلها في هذا الصدد تبدو ضعيفة، حيث تبدو السيطرة الشيعية واضحة في اغلب المناطق التي تحررت من داعش، هو ما يقلق اردوغان بشكل رئيسي الذي يخاف من ان يتكرر الأمر في الموصل أيضا.



بل إن هناك من يرى إن أردوغان وحليفه مسعود بارزاني يفضلان بقاء داعش على وجود مليشيات شيعية في المدن السنية ولا سيما الموصل.

وفي حين نجح تحالف القوة الشيعية وإيران في ترك بصمة واضحة في المناطق السنية المتحررة، تغيب تركيا عن المشهد تماما.

كما إن القوى الشيعية ترى إن ذلك يجب ان يكون في الموصل أيضا، فلا دور لتركيا في مستقبل المدينة.

فيما ترى تركيا ان عدم حصول تغيير ديمغرافي وتوازن سياسي في المناطق السنية مهم جدا، لجهة إبقاء مناطق كردستان والشمال العراقي خارج نطاق النفوذ الإيراني، وقد أشار الى ذلك إردوغان الأربعاء الماضي، بقوله إن بلاده لن تسمح بأن تتسبّب عملية طرد تنظيم داعش من مدينة الموصل في "دماء ونار" بالمنطقة لما سيترتب عليها من صراع طائفي.

ولهذا السبب، تقول أنقرة، انها سوف تتجاوز اعتراضات بغداد وسوف تبقي قواتها متمركزة في معسكر بعشيقة في شمال العراق إلى أن يتم إخراج تنظيم داعش من الموصل.

الا ان تركيا في هذه الأمر لا تبدو قادرة الى الحد الذي يكفيها، لفرض إرادتها حتى في المناطق السنية العراقية، وان الرئيس التركي البالغ من العمر 62 عاما والذي تتملكه رغبة في إحياء الإمبراطورية العثمانية لم يعد العدة لإضفاء الرهبة بين جيران بلاده ونظرائها.

ويتجسد ذلك في تراشقه الإعلامي مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، حيث عبّرت كلمات اردوغان عن نظر استعلائية للشعوب لكن العبادي رد عليه بالمثل، بقسوة أيضا.

وعلى هذا النحو تواجه تركيا مصاعب كارثية في محاولاتها استعادة تراث الإمبراطورية.



والمخاوف اليوم في يتحول كل هذا الصراع السياسي الى نزاع عسكري، فبينما يتمركز الجنود الأتراك في معسكر بعشيقة، تقترب فصائل الحشد الشعبي رويدا من الموصل، وقد هددت القوات التركية بالحرب ان لم تنسحب.



والسؤال فيما اذا الجيش التركي سوف يتلقى الأوامر للقيام بعملية عسكرية تبعد الحشد الشعبي عن الموصل، تماما مثلما فعل في الداخل السوري حيث بدأ الجيش التركي عملية داخل سوريا منذ أغسطس آب لدفع تنظيم داعش، ووحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من الاستيلاء على أراض.

كما إن وجود فصائل الحشد الشعبي في مناطق السنة المحاذية لكردستان يثير مخاوف الكرد والعرب السنة أيضا، ويمكن ملاحظة ذلك في حرص الكرد على كتابة عبارات من مثل "مخصص للأكراد" و"تحيا الدولة الكردية" في مناطق كانت في وقت من الأوقات تحت سيطرة مقاتلي داِعش.

علق هنا