بغداد- العراق اليوم: ثمة تشابه عجيب في التضاريس النفسية، والقيمية، والأخلاقية بين صدام حسين وأبي بكر البغدادي.. فكلاهما يحتقر الإنسان، ويحتقر الحياة التي وهبها الله للبشر.. ولو قمنا بمراجعة بسيطة الى عدد المجازر التي أرتكبها صدام بحق العراقيين، وغير العراقيين، وأعداد المراسيم الجمهورية التي وقّع فيها على أحكام الإعدام، بسبب وبدون سبب، بحق عشرات الآلاف من أبناء شعبه، ومطابقتها مع المجازر المجانية التي أرتكبها البغدادي، بحق آلاف الناس الأبرياء الذين قتلوا بأمر منه في الموصل والفلوجة وتكريت وبغداد وديالى وغيرها من المدن العراقية، لأتضحت لنا درجة التشابه في الصورة التي تجمع بين صدام والبغدادي..
وقطعاً، فإن القتل وحده لا يجمع بين الإثنين، إنما هناك مشتركات كثيرة، منها التحايل والغش في لعب ورقة الدين، واستخدامها لأغراض شخصية ومصلحية. فقد بات الجميع يعرف اليوم أن صدام والبغدادي شخصان لا يمتّان للإسلام بأي صلة، ولا يعترفان في دواخل نفسيهما بأي مقدس، بدليل أنهما دمرا، ويدمران الحياة التي صاغها الله في أرقى مخلوقاته، ووهبها الى البشرية.
وعدا القتل، واللعب بورقة الدين، ثمة مشتركات كثيرة تجمع بين الشخصين الغريبين، فكلاهما هشان، وضعيفان، وخائفان من أقرب الناس اليهما.. بدليل أن أعداد حماية صدام الشخصية كانت كافية لأن تحمي بلداً بحجم روسيا، وحماية البغدادي أكبر وأكثر عدداً من حماية حدود الصين.. فماذا يعني هذا؟
كما أن خطابات صدام فارغة، وركيكة، ومشوشة، ومشتتة، وخبيثة، حيث يعزف فيها مرات عديدة على الوتر الطائفي بشكل غير مباشر، رغم محاولاته المرور على آية قرآنية أو حديث نبوي شريف، في محاولة منه لجذب جمهور معين لهذه الخطابات، إلاَّ أن خطاباته كانت أقرب الى حديث شخص (أمي) في مقهى شعبية، وليس خطاباً لرئيس دولة وبلد كبير يسميه هو (العراق العظيم)! ففي أكثر خطاباته لا تجد رابطاً يربطها ببعض، ولا جامعاً يجمعها مع وحدة الموضوع، بل هي بلا موضوع أصلاً.. فمثلاً يقول صدام في أحد خطاباته (التاريخية) وهو يخاطب وفداً زاره في القصر الجمهوري من أبناء إحدى المحافظات، قائلاً:-
(سلمولي مرة وحدة على الدخل الإيمان لصدرو، وما طلع من صدرو، ولا تسلمون لي على الدخل الإيمان لصدرو وطلع من صدرو، وسلمولي مرتين على الدخل الإيمان لصدرو، وطلع من صدرو، ورد لصدرو)!! فأي لغو هذا؟!..
ونفس الشيء ستجده في خطابات البغدادي رغم قلتها، فهي مشتتة، وفارغة أيضاً، يكثر فيها من حشر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، دون أن يكون ثمة مسوغ لإقحام مثل هكذا آية، أو هكذا حديث نبوي.. ناهيك عن التنقل، بل والتقافز على حبل الكلمات من هنا لهناك، والتنقل من فقرة الى فقرة دون أن تفهم معنى الفقرة السابقة، أو حتى معنى ما يريد منها!.
أمس وضعت شريطاً صوتياً لخطاب صدام الأخير – أي قبل سقوطه – ثم استمعت لخطاب ( أبو بكر البغدادي) الذي بثته مؤسسة الفرقان التابعة لتنظيم داعش، وفيه كلمة صوتية لزعيم التنظيم بعنوان (هذا ما وعدنا الله ورسوله)!! يقول فيها أن"عالم الكفر" جميعه تجمّع بكل طاقاته لـ"إطفاء نور الله"، ممثلا بتنظيم الدولة، وفق قوله.
وقارنت بين الخطابين، وزمن الخطابين، ومضمون الخطابين، فأدركت مائة بالمائة أن (أبو بكر البغدادي صناعة بعثية، وشخصية من إنتاج صدام حسين)! ولا فرق بين الشخصين قط، سوى أن لغة البغدادي (الدارس اللغة والشريعة) أكثر سلامة من لغة صدام، الذي لم يدرس اللغة، ولا الشريعة، ولا غيرهما !!
كما أدركت ألف بالمائة أن البغدادي، بدولته وعصاباته لن يبقى في الموصل، بل ولا في العراق لأكثر من يومين أو ثلاثة، ومثلما سقط صدام بعد خطابه بساعات، فإن البغدادي (تلميذه) سيسقط أيضاً خلال ساعات.. فدولة البعث، ودولة داعش خارجتان عن التاريخ، وعن القيم والعقائد الشريفة، وخارجتان عن حدود الله ورسوله.. فمن يقتل الناس بلا ذنب، ومن يفرق بين الناس حسب طوائفهم وألوانهم لن يكون له وجود في دين الله، ولا في بستان البشرية المنوع الجميل. ومثلما سيخرج البغدادي من الموصل حتماً، فسيخرج من الرقة، ومن كل مكان فيه دين، وشرف، وحب، وحق، وحياة، وجمال، وأمنيات خضر. تعالوا معي لنطلع سوية على كلمة البغدادي الأخيرة.. والتي يحذّر فيها أهالي الموصل من التهاون في صد الحملة العسكرية، لأنها كما يقول "تنقض عرى الإسلام"، موصيا كتائب "الانغماسيين، الاستشهاديين"، وغيرهم، للبدء بهجمة مضادة، قائلا إن "لحرب حربكم، حولوا ليل الكافرين نهارا، واجعلوا دماءهم أنهارا".
ويسرد فيها البغدادي العديد من الآيات القرآنية التي تحث على الصبر والدعوة لتمكين الدين الإسلامي في الأرض.
ثم يقول إن "الحملة العسكرية على الموصل جاءت بعدما شاهدت "أمم الكفر" ولاية نينوى "قاعدة للإسلام، ومنارة من مناراته تحت ظل الخلافة".
كما وجّه البغدادي رسالة إلى سنّة العراق، داعيا إياهم إلى التخلي عن أحزابهم وقاداتهم، والالتحاق بالتنظيم.
وقال البغدادي إن سنّة العراق لا يزالون يتفرجون، وصامتين، رغم التنكيل والإهانة التي يتلقونها من الحكومة العراقية.
كما تطرّق إلى معركة حلب، قائلا إن روسيا ونظام الأسد يسعيان لإنشاء كيان "نصيري"، فيما هاجم فصائل المعارضة، واصفا إياها بـ"المرتدة" التي تقاتل تنظيم الدولة، وأنها تتلقى أوامرها من الخارج.
وأضاف: "ما بقي لكم بعد الله إلا دولة الخلافة، تصون دينكم، وتحفظ بيضتكم، وتقوي شوكتكم"..
وانتقل زعيم تنظيم الدولة إلى تهديد تركيا، داعيا جنوده لتنفيذ عمليات ضدها، قائلا إنها دخلت دائرة "جهادهم"، مضيفا: "استعينوا بالله واغزوها، ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة".
وهاجم البغدادي جماعة الإخوان المسلمين، قائلا إنها غدت "رأس حربة مسمومة يحملها الصليبيون لقتال الخلافة".
واتّهم البغدادي جماعة الإخوان بأنها تشارك ضمن التحالفات الدولية الغربية التي تقاتل "المسلمين"، مضيفا: "إخوان الشياطين، والعميل العامل للصليبيين، قاتلهم الله".
وعاد البغدادي لتحذير عناصره من الانسحاب من الأراضي التي يرابطون عليها، قائلا إن "الله أخلفكم في هذه الأرض، وحمّلكم أمانتها".
كما حذّرهم من الخلافات الداخلية، أو الاختلاف على اختيار الأمراء.
وفي نهاية كلمته، نعى البغدادي المتحدث السابق للتنظيم "أبو محمد العدناني"، ووزير الإعلام "أبو محمد الفاروق".
وقال البغدادي إن "تنظيم الدولة لن يتأثر بمقتل أي من قادته، وإنه لا يعتمد على اسم بعينه"، مشيرا إلى أن جنود التنظيم الحاليين سيكملون المسيرة.
ختاماً أتوقع أن تكتمل صورة التشابه بين صدام والبغدادي بلقطة الحفرة المذلة. ولا أعرف لماذا أتخيل هذه اللحظة قريبة جداً.. فهل سيُخرجِ مقاتلونا، أبا بكر البغدادي من الحفرة، مثلما أخرج الأمريكيون (عمّه) صدام من قبل؟!.