ماذا لو لم تكن في حياتنا كرة قدم ؟!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

لو تحدثت عن نفسي وذكرت بعضاً مما أعيشه في بلدي العراق، او ربما ( شخصنت ) الأمر قليلاً وتحدثت عن ألمي وحزني ومعاناتي التي تتوزع على خمسين منحى من مناحي الحياة المختلفة، أو حتى لو تحدثت عن أفراحي - على قلتها - لوجدت حتماً أن ملايين العراقيين يتشاركون معي في ذات الأوجاع، ويقاسمونني الأفراح أيضاً .. هكذا نحن العراقيين نتشابه حتى في حرارة الدمع الذي تطلقه قلوبنا وأرواحنا قبل العيون.. 

ويقيناً أن القارئ العراقي يعرف معاناة شعبنا التي تبدأ من رغيف الخبز ولا تنتهي بغرامات المرور الفاحشة ..  أو قد تبدأ من عبارة (جيب خمسين ورقة وأسويك شرطي) الاحتيالية إلى كارثة الإزدحام المستفز في شوارع بغداد.. ناهيك من مهازل الإشتباك الحاصلة في الميدان السياسي، ذلك الميدان المزدحم بالألغام والريبة والشك والصفقات التجارية الهائلة - رغم أنه ميدان سياسي وليس بازاراً- وإلا لماذا لا تحسم حتى الآن استحقاقات الرئاسات الثلاث رغم مرور 35 يوماً على إعلان نتائج الانتخابات التي أفرزت فوز الإعمار والتنمية بالمرتبة الاولى ..!

أما معاناتنا في الميادين الصحية والإقتصادية والأمنية، وما يحدث في دوائر الدولة من روتين يبدأ من ( تعال بعد أسبوع )، ولاينتهي إلا بعد أن تدفع المقسوم، فهذه لوحدها تستحق  (شگ زيج ولطم ع الرأس)، أقول هذا الكلام وأنا أعترف بالجهد الكبير الذي بذلته هذه الحكومة، وما تبذله هيئة النزاهة وجنودها المجهولون، لكن للأسف تل الفساد المتراكم منذ عشرين عاماً يزداد كل  عام، وجبل الأسى العالي يزداد علواً كل يوم، بحيث يستحيل علاجه دون اجتثاث الفساد من جذوره، وقبل استئصال ورم المحاصصة من رحم العملية السياسية بشكل تام، كي تأتي جينات الأجيال الجديدة سليمة وصحيحة ومؤمنة وراثياً.. 

لقد ذكرت لكم بعضاً عن معاناتي العامة التي نتشارك بها جميعاً، ولم أتحدث لكم عن معاناتي الخاصة، لأنها (خاصة جداً) وموجعة جداً ..!

ولو جمعنا معاناتنا العامة ومعاناتنا الشخصية معها، فسنجد أن أفئدتنا الطيبة، ومهجنا الرقيقة، لا تتحمل ثقل هذه الهموم والأوجاع لذلك يصبح من الضروري بل والحتمي أيضاً ان يتوافر معادل موضوعي يتناسب وحجم هذا الحزن والتوتر والاستفزاز  المتواصل، وأن تمنحنا الأقدار بعضاً من الفرح والطمأنينة، وبعض الرفاهية المؤقتة، عسى أن تهدأ خواطرنا المستفزة أبداً، وتسترخي مشاعرنا المتشنجة، ونتخلص من هذا الكم الهائل من القلق والاستفزاز والكآبة اليومية.

ولأول مرة تستجيب الأقدار  لرغبتنا، وتقبل صلواتنا، ودعواتنا الخالية من الرياء، حين أهدتنا لعبة كرة القدم، اللعبة التي ستصبح علاجنا الذي به نستريح ونسعد - حتى لو كانت سعادة مؤقتة - وكأنه أفيون سحري أو ما يشبهه.

فأنا أتوتر دائماً، خاصة حين تكثر زوجتي من طلباتها، وتلح على أمر لا أقوى على تنفيذه، فأظل مستفزاً غاضباً طوال اليوم، حتى يسعفني الحظ، ويأتي الإنقاذ من كاتلونيا، أي من ملعب ( الكامب نو )، حيث ينتشر العطر البرشلوني، ويتناثر عبقه على قارات الكون السبع.. وللأمانة، فإن مباراة واحدة من الكلاسيكو المزدحم بكل فنون الأرض تكفي لتفريغ مليون شحنة سلبية متلبسة أعصابي، فحين يتقابل فن وجمال إمبابي وفينيسيوس ورودريغو، أمام سحر وفن بيدري، ومتعة لامين يامال الباذخة، مع أهداف رافينيا البرازيلية، ستقف الكرة الأرضية على قدم واحدة لتتابع هذا السحر الكروي المجنون .. تخيلوا معي حجم الروعة والجمال والمتعة والسحر المدهش الذي يوفره هؤلاء السحرة المجانين ؟!

وإذا لم تتوافر لك مباراة الكلاسيكو في ذاك اليوم الذي عدت فيه من شوارع المنصور أو الكرادة او الأعظمية او غيرها، وقد عشت بنفسك مع الإزدحام الذي لم تنجح مجسرات الرئيس محمد شياع السوداني وجسوره وساحاته وشوارعه الجديدة من فك سوى قدر قليل منه، أقول سيكفيك أن تشاهد مباراة واحدة بين فريقي المانچستر سيتي والأرسنال حتى تشعر بعدها وكأنك خارج للتو من جلسة مساج عاطفي - نفسي، وليس مساجا جسديا وبدنيا فحسب .!.

أما حين يلعب منتخب العراق أمام منتخب الأردن أو السعودية او قطر، او أي منتخب من منتخبات ( الأخوة الأعداء)، فلن تجد نفسك إلا وأنت منغمر في بحر هذه الواقعة الشرسة من رأسك حتى أخمص قدميك، فتنسى التوتر الذي أحدثه في أعصابك أحد مصممي الجريدة عصر هذا اليوم حين وضع صورة الرئيس حيدر العبادي بدلاً من صورة النجم الكروي فلاح حسن .. وكتب تحت صورة العبادي: ثعلب الكرة العراقية فلاح حسن ..!

 هل تصدقون ان مصمماً صحفياً بارعاً له خدمة في جريدتنا تتجاوز الخمسة عشر عاماً يخطأ مثل هذا الخطأ الكارثي الشنيع؟! والأدهى من هذا أنه وضع في احد الأعداد، مقطعين من قصيدتين مختلفتين للشاعرين الكبيرين عريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الگاطع، وكتب فوقهما: قصيدة حصاد الديرة للشاعر كريم العراقي ، لكني تداركت الأمر قبل أن نرسل العدد إلى المطبعة وأزلت الكارثة.

أما استفزاز ( أبو المولدة )، وما يفعله بنا وبأعصابنا، فهذا لا يحتاج سوى لمباراة كروية سريالية مستحيلة، كي تنسيك عبث واستهتار (أبو المولدة)، مباراة يلعبها منتخب إيران مثلاً ضد خصمه اللدود منتخب أمريكا، أو منتخب كوريا الشمالية ضد عدوه منتخب كوريا الجنوبية، والحكم ياباني، أو منتخب روسيا ضد(حبيبه) منتخب أوكرانيا، على أن يكون حكم المباراة الرئيس ( المحايد جداً) ترامب، يساعده ( المحايد جداً ) الرئيس الفرنسي ماكرون، والرئيس الحبوب جداً، و ( الجنتلمان جداً ) احمد الشرع، أما حكم ( الڤار ) فسيكون الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ( حتى تصير العركة بالقنا… بل ) !!