الكلاسيكو لم ينتهِ حتى إشعار آخر ..!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

انتهى مساء أمس الأول كلاسيكو الأرض الممتع جداً، الذي دار بين فريقي برشلونة وريال مدريد على ملعب سانتياغو برنابيو .. ولا أظن أن اثنين يختلفان على متعة وحماسة هذا الكلاسيكو الإستثنائي الذي جاء بعد أريع هزائم متتالية لريال مدريد أمام برشلونة.

 ولعل الإحتفال المجنون الذي أقامه لاعبو الفريق الملكي ومعهم جمهورهم الكبير بعد صافرة نهاية المباراة، ما يؤكد أهمية واستثنائية هذا الكلاسيكو !

وإذا كانت دقائق الكلاسيكو التسعين وما أضيف اليها من دقائق قد انتهت، فإن حلاوة ومتعة الكلاسيكو لم تنته ولن تنتهي حتى حلول الكلاسيكو الثاني الذي سيقام قبل نهاية الدوري بقليل وعلى ملعب الكامب نو حتماً.. ولن تنتهي حلاوته رغم المرارة التي ملأت أفواه محبي البرشا، وطبعاً فإن لهذه المرارة أسباباً عديدة لم تأت كلها من التحكيم الذي لم يكن موفقاً تماماً، إنما هناك أسباب أخرى، بعضها يعود للظروف والأقدار التي منعت اشتراك ستة نجوم بداعي الإصابة، وبعضها يتعلق بالمدرب الذي لم يوفق بوضع التشكيلة المناسبة، فأشرك لاعبين غير مناسبين لهذه المباراة القوية، وأبعد آخرين هم أصلح منهم، ناهيك من غياب ( فليك) عن مصطبة البدلاء بسبب عقوبة الطرد التي نالها في مباراة البرشا مع إشبيلية .. ولكن ورغم هذه المواجع، ومرارة الخسارة فإن فريق برشلونة لعب مباراة جيدة قياساً إلى أوضاعه، لاسيما في الشوط الثاني حيث كانت نسبة استحواذه على الكرة 70 في المئة، كما أضاع لاعبوه ثلاثة أهداف أكيدة.

أما فريق ريال مدريد، فقد لعب مباراة كبيرة واستحق الفوز بجدارة، بعد أن تفوق مدربه ألونسو على غريمه هانز فليك بأشياء كثيرة، كما تمكن النجم امبابي من تسجيل هدف جميل للغاية، وهو الهدف رقم 12 له في الدوري الإسباني لحد الآن، متقدماً على جميع هدافي الليغا لهذه السنة.. ولم يكتف مبابي باحراز الهدف - رغم اضاعته ضربة جزاء- إنما كان مصدر خطورة دائمة على دفاع برشلونة، ومصدر قلق دائم لمدرب وجمهور الفريق الكاتلوني.. وللحق فإن هناك لاعبين آخرين في فريق ريال مدريد ظهروا بمستوى رائع مثل الظهير كاريراس والمدافع مليتاو، واللاعب التركي أردا غولر وبلينغهام وغيرهم ..

وبجودة هؤلاء اللاعبين ورفاقهم، وبفضل فنونهم، وحماستهم، وتشجيع الجمهور المدريدي الهادر، مع ( بهارات) الإعلام، والتصريحات النارية التي أشعل بها اللاعب يامال أجواء الكلاسيكو قبل إقامته، إضافة إلى تقارب الفريقين في نقاط الجدول منح هذا الكلاسيكو أهمية استثنائية، ظهرت نتائجها وملامحها وإفرازاتها عبر هذا الصخب المشتعل منذ يومين، وسيستمر ربما لشهرين آخرين، أو إلى يوم إقامة الكلاسيكو القادم الذي سيكون كلاسيكو فريدا، ليس لأنه كلاسيكو الثأر، ولا لأنه سيقام على ملعب جحيم الكامب نو  فحسب، ولا حتى لأن لاعبي برشلونة الستة سيستعيدون كامل شفائهم وجاهزيتهم، وبذلك تكتمل صفوف الفريق، انما لان فريق الريال سيسعى بكل قوته لتأكيد فوزه بفوز ثان يخفف من وطأة الحرج الذي يتعرض له الجمهور الملكي بسبب خساراته الأربع في الموسم الماضي.

وحتى ساعة الكلاسيكو القادم سيظل جمهور الفريقين الذي يتجاوز عدده ربما المليار، محافظاً على درجة حرارة التنافس، ومواظباً على وضع الحطب تحت النار في موقد المنافسة دون توقف كي يظل الجمر متقداً إلى يوم الكلاسيكو القادم ..!

ونحن في العراق نعيش أيضاً ذات الأجواء الصاخبة وذات المتعة التنافسية حتى بعد نهاية كلاسيكو أمس الأول، بل وسيواصل جمهورنا ذات اللعبة مثل ملايين العاشقين في العالم  ولا أظنه سيعدل عنها أبداً..

بخاصة وأن عموم جمهورنا العراقي-وأنا منهم- محروم من المتع الجمالية الأخرى.

فلا الدوري العراقي، أو حتى المنتخب الوطني يوفر  لنا المتعة البديلة، ولا ثمة بديل ترفيهي آخر  ينسينا رفاهية الكلاسيكو، لاسيما وأن أحمال السياسة والسياسيين في العراق قد أثقلت كواهلنا، وهموم مفاسدهم تتراكم على صدورنا كل يوم، وأظن أن العراقيين جميعاً يعرفون بها دون شك، ولا ضرورة لذكر تفاصيلها هنا.

زد على ذلك تراكمات الحياة، وضغوط المعيشة، والسكن، والصحة، والقلق، وسوء المزاج، ومتطلبات الأبناء، ودمار  الازدحامات الخانقة في الشوارع، رغم الجهود الفذة والكبيرة التي تبذلها حكومة السوداني لفكها ومعالجتها بشكل واضح وملفت للنظر، لكن ( الشگ ) كبير، و ( الرگعة ) صغيرة، يقابل هذه الأوجاع والهموم، وهذا ( الشگ )، انعدام فرص المتعة الحقيقية، و ( الونسة ) البريئة، وافتقاد لذة الاستمتاع بفرص الحياة، وتذوق الجمال، وضيق بل وانعدام مساحات الترفيه والتنفس الحر، فضلاً عن تضييق هوامش السهر بدءاً من محاصرة وغلق محلات ( البلنگو ) على حد تعبير الصديق الراحل صباح الهلالي، وانتهاءً بالغاء دور السينما والمسرح النظيف، لذلك يهرب المتمكنون في العراق إلى البلدان التي تتوافر فيها (مساحة) هانئة وواسعة وخضراء للترفيه و( التقاط النفس )، بينما يسافر ذوو الدخل القليل والمحدود إلى محافظة أربيل لشم بعض الهواء (الصحي) واللطيف جداً !

فشكراً للكلاسيكو وما يوفره لنا فريقا برشلونة وريال مدريد من متعة مجانية، رغم تفاهة التحكيم أحياناً، و (سفالة) محللي بين سبورت دائماً، وبنجاح قطري ساحق ..!