بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
على مدى أكثر من سبعة وعشرين عاما، جمعتني علاقة رفاقية وإنسانية وثيقة بالصديق رائد فهمي. بدأت هذه العلاقة في دمشق، حيث كان لقائي الأول به خلال زيارتي التي كنت فيها ضيفا لدى رفيق الدرب الأستاذ فخري كريم. ومنذ اللحظة الأولى، بدا لي رائد شخصية طيبة، تجالسها فتحس أنك في حضرة فكر يقظ، وعقل متقد، وحديث يفيض بالمعرفة والاتزان.
لم تكن جلساتنا مجرد تبادل للكلام، بل مساحات حيّة تتقاطع فيها السياسة بالفكر، والتجربة بالموقف. ذلك أن رائد، وهو الذي يتقن ثلاث لغات ويطالع بأفق عالمي، يمتلك قدرة كبيرة على قراءة الواقع من عمق الفكر المعاصر، لا من سطح اللحظة أو تقلباتها.
تزاملنا في العمل الحزبي منذ المؤتمر السادس، ومنذ ذلك الحين جمعنا الهم المشترك والالتزام المبدئي، في درب ليس مفروشا بالراحة، بل بالتحديات اليومية، والنقاشات الصعبة، والمواقف التي تتطلب وضوحا وجرأة.
رائد نموذج في دماثة الخلق، والبساطة التي لا تخفي عمقا. لم يكن صوته الأعلى، لكنه كان دائما واضحا، هادئا. يتقدمه قلب لا يعرف غير المحبة، وعقل لا يركن إلى الكسل أو التبسيط، وحضور يبعث على الثقة والطمأنينة.
في وزارة العلوم والتكنولوجيا، حيث تولى المسؤولية، مثّل واحدة من التجارب النزيهة النادرة بعد التغيير، وأضاف لرصيد الحزب مصداقية في زمن ساد فيه الفساد والرثاثة والتشوه.
وفي زيارته الأخيرة إلى منزلي، استعدت فيه كل تلك الملامح التي لم تتغير. المستمع البصير، والمحاور العميق، والرفيق الذي لا يزال يحتفظ بنقاء البدايات رغم ثقل المسيرة.
رائد فهمي رفيق درب حقيقي. تشاركنا الفكر والموقف، القلق والحلم، وواصلنا الانحياز ذاته للناس، للعدالة، للوطن الذي نحلم به، ولا نكفّ عن النضال من أجله.
*
اضافة التعليق