فالح حسون الدراجي وتطبيق ما قاله "جان جاك روسو"

بغداد- العراق اليوم:

عدنان الفضلي

يقول الفيلسوف الكبير (جان جاك روسو) في واحدة من عباراته التي خلدها التاريخ وبقيت راسخة في الذاكرة الجمعية للمجتمعات: "إذا أردت أن تحيا بعد موتك فافعل واحداً من اثنين: أكتب شيئاً يستحق أن يُقرأ، أو افعل شيئاً يستحق الكتابة"، وهذه العبارة أراها تنطبق تماماً على إنسان قدم لنفسه وللآخرين مالم يقدمه كثير من العراقيين المحبين لوطنهم وشعبهم، فهذا الرجل تميّز عن الآخرين بكثير من المميزات التي صاحبت تاريخه الطويل، فهو ممن كتب ما يستحق القراءة، وفعل ما يستحق أن يكتب عنه بدلالة شهادتي المجروحة.

أتحدث هنا عن صديق وزميل وأخٍ ومعلّم هو (فالح حسون الدراجي) ومناسبة حديثي، هو صدور كتابه التوثيقي السّيَري المهم (ماركس في مدينة الثورة) الذي أعدّه وثيقة حيّة سيرجع لها مئات إن لم أقل آلاف الباحثين في التاريخ الحديث للمدن والشخصيات، كون الكتاب مليئاً بسير وشهود جلّهم أحياء.

سأنحني وأغادر الكتاب وشخوصه وحكاياته وأعرّج على قضية مهمة يجب التوقف عندها، ولكوني أديباً وعضواً في المجلس المركزي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق منذ أكثر من عقد ونصف سأتحدث عن طقوس الاحتفاء بالكتب والكتّاب التي اعتدت حضورها أو عرافة حفل توقيعها.

سأتحدث بشهادة (مجروحة) كون الذي أتحدث عنه تربطني به مشتركات عذبة، لا ضير لو قلت إنها عظيمة، فما بين اليسارية التي تجمعنا على حب (ماركس) والشيوعية التي تربينا على نهجها، حتى وإن تجادلنا بشأن شخوص يقودون سفينتها العراقية، والوطنية التي بالكاد نقبض ثمار صمودنا معها بوجه من يروننا نبالغ في طرحها، وبين غربتين جمعتنا داخلياً وخارجياً لكنها لم تسقط قطرات الحياء من وجهنا العراقي الأشمّ، وما بين كل هذا أننا زملاء منذ عقد ونصف نعمل معاً في كيان نعشقه.

أعود لنقطة مهمة في حديثي هذا من منطلق ثقافي وأدبيّ وهو حفل توقيع كتاب صديقي الدراجي، فبعد تجربتي الطويلة في عالم الأدب لم يصادفني حفل توقيع لكتاب بمثل ما شاهدته في حفل توقيع كتاب (ماركس في مدينة الثورة) ومصدر انبهاري يعود لعدد ونوع الحاضرين في حفل التوقيع الذي أقيم في المدينة المجنونة (الثورة)، فقد صادفت والتقيت سياسيين ورياضيين وأدباء وصحفيين وفنانين وشغيلة وطلبة وشبيبة ونسوة جاؤوا من جنوب وشمال وشرق وغرب العاصمة بغداد، وبعضهم من محافظات أخر، لينالوا شرف حضور هذا الحفل والحصول على نسخة من الكتاب الذي من أجله أقيم هذا الحفل.

حفل رتّب ليكون بسيطاً، وفي قاعة ربما ظنّ من أقام الحفل أنها كافية لاستقبال مريدي الضيف وعشاق العنوان، لكنه أخطأ تماماً حين تزاحم مئات الأصلاء للحضور والاستماع لرجل حاول جاهداً أن يوثق لمدينة وأحبة عبر كتاب يصلح لأن يكون موسوعة متسلسلة تحكي عن تأريخ مشرف يجب أن يتعرف عليه الجميع، بل يجب أن يكون مصدراً للباحثين عن تاريخ العراق ونبل أهله من كل الأعراق والمناطق والايدولوجيات، حتى لا نعيش تغييباً مارسته أنظمة وحكومات غبية لا تسمح للقول الفصل أن يكون حاضراً.

ختاماً أقول: إن فالح حسون الدراجي حقق اثنين من شروط ( جان جاك روسو) فقد فعل ما يستحق أن يكتب عنه، وكتب ما يستحق القراءة حين وضعنا قبالة العظيم ماركس، حتى وإن لم يحضر فعلياً، لنحصل ولمدة تجاوزت الساعتين على متعة وعذوبة وصدق كانت (قاب صدقين أو أكثر).

علق هنا