بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيقة
فالح حسون الدراجي
كلما اقترب قطار ثورة ( 14 تموز ) من موعده الجميل، وهو يحمل ألق الذكريات العطرة، وبهاء تلك الشموس التي أضاءت بنضالها ودمائها وتضحياتها وأنوارها، ظلمات السنين.. وكلما اقتربت صافرة هذا القطار من نوافذ بيوتنا الفقيرة، اهتزت له قلوبنا العاشقة، حنيناً لثورة تموز، بكل منجزاتها، ونجومها، وعطورها، وحقولها، وحمامات (سلامها) البيض، واشتقنا لصباحاتها المزدحمة بوهج الحياة، والعمل، والمكتنزة برائحة الخبز الحار المنبعثة من تنانير امهاتنا الطيبات.. وما أن يصل قطار ثورة تموز الى محطة ( الرابع عشر )، حتى تصطخب ذاكرات قلوبنا بأنغام أغنيات الثورة التي كانت ولم تزل تطرب أفئدتنا ومهجنا، فنزداد شوقاً لتلك الأيام الفائتة من حياتنا ( الحلوة ) رغم (مرارة) الفقر، ونزداد تعلقاً ببقايا طفولتنا البريئة، و صدى ضحكاتنا البعيدة، ودروسنا الأولى، ونشيد الاصطفاف الصباحي المتمثل بتلك السمفونية التي نكررها يومياً، ونحفظها عن ظهر قلب حتى هذه الساعة، دون ملل ولا كلل : ( عبد الكريم كل القلوب تهواك .. عبدالكريم رب العباد يرعاك .. ابني علاك واحمي حماك.. كلنا فداك .. عبد الكريم) ! وسيزداد الحنين والشوق هذه السنة، حين نمضي جميعاً للاحتفال بالذكرى السابعة والستين لثورة 14 تموز .. نعم، سنحتفل اليوم بالثورة ومعنا كل احرار العراق، رغماً عن أنوف أعداء الثورة الحاقدين من عملاء الإستعمار والرجعية والإمبريالية والصهيونية.. وسنخرج رجالاً ونساءً بمسيرة شعبية كبيرة في شوارع العاصمة بغداد، بل وبمسيرات عديدة في مدن العراق المختلفة.. سنرتدي أحلى ثيابنا، ونتعطر بأزكى عطورنا، رغم أوجاع جرح عاشوراء الغائر في أعماقنا. ولأن ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ثورة الفقراء، وانتفاضة الجيش والشعب التي سحقت النظام الملكي وأسقطت سياسة الانحياز للغرب الإمبريالي والأحلاف العسكرية لاسيما حلف بغداد المشبوه، و أسست ( الجمهورية العراقية) على أنقاض حكم العميل نوري السعيد وشريكه الفاسد المقامر عبد الإله، دعونا نحتفل اليوم بذكراها الغالية، ونقرأ وننشد في احتفالها أحلى القصائد، وأروع الأناشيد، كما سنقف عند كل شارع من الشوارع التي عبّدتها الثورة، وكل موقع ومدرسة وبناية وجسر ومستشفى فيه عطر من الثورة، ووهج من (قمر) الزعيم قاسم.. وسنستذكر بكل عبارات الحب والفخر والاعتزاز، أسماء الكوكبة الباهرة من الرجال البواسل الذين قاموا بالثورة و ظلوا أوفياء مخلصين لمبادئها وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم، حتى اللحظة الأخيرة من حياتهم الشريفة، وفي المقدمة تأتي أسماء الشهداء الأبطال: فاضل عباس المهداوي وجلال الأوقاتي ووصفي طاهر، وعبد الكريم الجدة، وطه الشيخ أحمد وكنعان حداد وماجد محمد أمين وداود سلمان الجنابي وعبد الجبار عباس المهداوي، والزعيم الركن الراحل هاشم عبد الجبار وبقية قوافل المجد الشجعان.. كما سنتذكر بكل ما في القلب من حب وحنين واحترام، أسماء الذين شيدوا بصحبة الزعيم، ذلك البناء العمراني والصناعي، والصحي، والتعليمي، والاجتماعي، والمدني، والإنساني، والثقافي الشاهق إلى الآن، بدءاً من وزير المالية الفذ محمد حديد - والد المعمارية البارزة زها حديد - مروراً بعبقري الإقتصاد إبراهيم كبة.. والدكتورة نزيهة الدليمي رائدة الحركة النسوية وأول وزيرة في تاريخ العراق، والعالم الفيزيائي الكبير عبد الجبار عبد الله، وليس انتهاءً بشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري أول رئيس لاتحاد الأدباء في العراق، وأول نقيب للصحفيين العراقيين، وكلاهما تأسسا بعد أيام من نجاح ثورة الرابع عشر من تموز وترأسهما معاً الكبير أبو فرات، كما نذكر بالتقدير الفنان والنحات الكبير جواد سليم وانجازه الخالد ( نصب الحرية )، وروائع الرسام الفذ فائق حسن وجداريته الباهرة.. و (ريل وحمد) الشاعر الفذ والاستثنائي مظفر النواب، وقصائد وأغنيات الشاعر التقدمي زاهد محمد، والحان الفنان الخالد أحمد الخليل، وروائع يوسف العاني وخليل شوقي الفنية والقيمية الوطنية، وغيرهم من نجوم بيئة الثورة، وصناع جمالها الذين ساهموا في بناء هذا الإرث العظيم.. وما دمنا نتحدث عن الثورة وإرثها ومنجزاتها، دعونا نستذكر ( نواطير ) هذا الإرث، وحماة تاريخه الذين قاتلوا بأقلامهم وحناجرهم دفاعاً عن ثورة تموز ووطنية الزعيم، فكانوا بحق حراساً أمناء على كنز الثورة وقيم زعيمها الخالد، وأذكر منهم الدكتور عبد الخالق حسين والأستاذ حامد الحمداني والأستاذ وداد فاخر والقاضي زهير كاظم عبود، والدكتور عقيل الناصري، وغيرهم الكثير من الذين كتبوا سيرة الثورة وزعيمها، وحموا إرث الرابع عشر من تموز ومنجزاتها، من تشويه وعاظ البعث العفلقي، وأتباع الرجعية وذيول الاستعمار، والصهيونية .. نعم، سنستذكر الليلة بكل الحب أسماء هؤلاء الكتاب والمؤرخين الأوفياء، لكني واسمحوا لي أن أستذكر اليوم بشكل استثنائي اسم حارس بستان ثورة تموز، وأمين إرث الزعيم قاسم، الدكتور والمؤرخ الوطني، عقيل الناصري، ليس لأنه الأغزر والأوفر انتاجاً وعطاء بما كتب، وبما قدم للتاريخ ولمكتبات الأجيال العراقية من عشرات الكتب والبحوث والمؤلفات والدراسات والمحاضرات والأشرطة، عن ثورة تموز وزعيمها فحسب، ولا لأنه صديقي، وبيننا مودة عالية واحترام فحسب ايضاً، إنما لأن الرجل طريح الفراش، ويمر اليوم بأزمة صحية قاسية.. بحيث لم أستطع التحدث معه أمس تلفونياً للأسف.. لذلك لن يكفي أن أستذكره في هذه الليلة التموزية، إنما سأستذكره، وأهديه أيضاً الأغنية التي كتبتها في ذكرى الثورة ولحنها الفنان الكبير علي سرحان، وأداها الفنان المقتدر محمد عبد الجبار، والتي تحمل عنوان : ( سلاماً ع الزعيم ) .. وقبل الأستذكار والهدية، سأرفع الليلة نخب ثورة 14 تموز بصحّة حارس بستان الثورة وأمين تاريخ الزعيم : الدكتور عقيل الناصري..
الدكتور عقيل الناصري
رابط أغنية سلاماً ع الزعيم
*
اضافة التعليق