بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
اختتم مؤتمر الحوار الوطني السوري أعماله في 25 شباط 2025، وسط آمال وتطلعات الى أن يكون خطوة حقيقية نحو إنهاء الأزمة السورية. لكن سرعان ما طغت الانتقادات على التفاؤل الأولي، حيث ظهر العديد من الثغرات والإشكاليات التي تهدد جدوى المؤتمر ومخرجاته. فبين إقصاء قوى سياسية واجتماعية رئيسة، وضبابية في التوصيات، سبقها تسرع في التحضير، بدا المؤتمر وكأنه محاولة شكلية لتلميع صورة السلطات الجديدة، بدلاً من كونه منصة حقيقية لحوار شامل، يضع أسس مرحلة انتقالية عادلة ومستقرة.
من أبرز المآخذ على المؤتمر غياب أطراف رئيسة في المشهد السوري، خصوصاً المعارضة الفعلية وقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الكردية، التي لم تُدعَ رغم سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد. واعتبر ممثلو الأكراد أن المؤتمر كان مجرد "تمثيل شكلي" لبعض الأفراد، دون إشراك حقيقي لمختلف القوى السياسية السورية، وهو ما قد يعزز المخاوف من إنتاج حكم شمولي جديد، لا يعكس التعددية السياسية والاجتماعية في البلاد.
رغم أن البيان الختامي تضمّن عبارات براقة، مثل "العدالة الانتقالية" و"التكافؤ" و"الحرية أساس الحياة"، إلا أن المؤتمر أغفل مواضيع جوهرية تتعلق بمستقبل الحياة السياسية. حيث لم يرد أي ذكر واضح لكلمة "ديمقراطية" أو "تعددية حزبية" أو "مشاركة شعبية في صنع القرار"، مما يثير القلق بشأن نوايا السلطات الانتقالية بشأن بناء نظام ديمقراطي حقيقي، بدلاً من إعادة إنتاج الحكم المركزي تحت غطاء جديد.
ومن الانتقادات البارزة للمؤتمر أنه جاء بدعوات متأخرة، حيث لم يُعلن عنه إلا قبل يومين من انعقاده، مما حال دون مشاركة العديد من الشخصيات السياسية والمدنية المقيمة خارج سوريا. كما أن غياب الإشراف الدولي، ورفض السلطات الجديدة الاستفادة من عروض الأمم المتحدة للمساعدة في تنظيمه، أثار تساؤلات حول نزاهته ومدى استقلاليته. كذلك لم تتم دعوة أي دبلوماسيين أجانب لحضور الجلسات، ما عكس ضعف الاعتراف الدولي بشرعية المؤتمر ونتائجه.
ورغم صدور مجموعة من التوصيات، مثل "حصر السلاح بيد الدولة"، و"تشكيل مجلس تشريعي مؤقت"، و"إصلاح المؤسسات"، إلا أن هذه البنود ظلت غامضة ولم تُحدد آليات واضحة لتنفيذها. كذلك، لم يوضح المؤتمر كيف سيتم التعامل مع المجموعات المسلحة المختلفة، خاصة في ظل استمرار النزاع بين الفصائل المسلحة التي لم تشارك في المؤتمر، مما يهدد باندلاع موجات جديدة من العنف.
في نهاية المطاف، ورغم محاولة تقديمه كإنجاز سياسي، يبقى مؤتمر الحوار الوطني السوري خطوة غير مكتملة، بسبب ما أشّرناه من استبعاد قوى سياسية رئيسة، وغياب الضمانات الدولية، والتسرع في التحضير، إلى جانب ضعف الالتزامات العملية.
ان الكلمات وحدها لا تغيّر الواقع، وما لم تُترجم التوصيات إلى إجراءات فعلية تحظى بتوافق وطني حقيقي، فإن المؤتمر قد يغدو مجرد محطة أخرى في سلسلة مبادرات فاشلة، لم تساهم في تحقيق الاستقرار أو في بناء سوريا جديدة ديمقراطية وشاملة.
*
اضافة التعليق