بغداد- العراق اليوم:
كتب عبد الباري عطوان: في الايام القليلة الماضية نشرت وسائل الاعلام الحكومية التركية “خريطة جديدة” لتركيا تتضمن توسيع الخريطة الحالية، وتعديل الحدود، بحيث تتضمن شريط حدودي على طول الشمال السوري، يمتد من حلب وحتى مدينة كركوك، بما في ذلك مدينة الموصل بطبيعة الحال، علاوة على بعض الجزر اليونانية في بحر ايجة.
نشر هذه الخريطة الجديدة يتزامن مع حديث الرئيس رجب طيب اردوغان عن ضرورة تعديل اتفاقية لوزان، التي جرى التوصل اليها بين مصطفى كمال اتاتورك والدول الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بهزيمة دول المحور، وتضمنت الامبراطورية العثمانية ووضع حدود تركيا الحالية.
الرئيس اردوغان بدأ يتحدث عن “العقد الوطني” الذي يكرس القومية التركية، ويصف تخلي اتاتورك عن الموصل وحلب ليس بالأمر الواقعي، وانما خيانة وطنية لهذا العقد، وللشعب التركي.
*** اصرار الرئيس التركي على بقاء حوالي الفي جندي تركي في قاعدة بعشيقه قرب الموصل، وتدريب اكثر من 5000 مقاتل سني من اهل الموصل، تحت اسم قوات حماية نينوي بزعامة السيد اثيل النجيفي، محافظها السابق، واصراره على المشاركة في الحرب لإخراج قوات “الدولة الاسلامية” من الموصل كلها، مؤشرات على رغبته في ضم المدينة، ان لم يكن الآن، ففي المستقبل القريب، استغلالا لحالة الفوضى والحروب التي تسود المنطقة، وتصاعد الفتنة والتقسيمات الطائفية، وضعف العرب على وجه الخصوص. في عام 1939 استغلت تركيا ظروف مماثلة، أي قبل بدء الحرب العالمية الثانية، واقدمت على ضم اقليم “هاتاي” او آنطاكيه السوري، الذي كان خاضعا للاستعمار الفرنسي اسوة بالأراضي السورية واللبنانية، وهناك مؤشرات على ان السيناريو نفسه يمكن ان يتكرر تحت عنوان حماية الاقليات التركية خارج حدود تركيا الحديثة، على غرار ما حدث عندما ارسلت تركيا قواتها لاحتلال شمال قبرص عام 1974 حيث الاغلبية التركية. استخدام وجود اقليات تركمانية في الموصل، وبعض المدن والبلدات في ريف حلب وشمال غرب سورية، وضرورة تدخل تركيا عسكريا لحمايتها، على غرار ما يحدث حاليا في مدن الباب وجرابلس ومنبج، حيث لا يوجد خليط اثنى من العرب والاكراد والتركمان، ربما يكون الخطوات الابرز لإعادة رسم الحدود التركية وفق الخريطة الجديدة، والرئيس اردوغان اعاد التأكيد اكثر من مرة بأن تركيا لن تخذل ابناءها التركمان واشقاءها العرب السنة.
بوادر مواجهات بين طائرات تركية واخرى يونانية فوق بحر ايجه في الايام القليلة الماضية مؤشر على قلق اليونان، وقصف طائرات سورية لفصائل تابعة للجيش السوري الحر تقاتل تحت مظلة قوات وطائرات “درع الفرات” التركية، التي تتوغل في الاراضي السورية في محيط حلب الشمالي، يعكس القلق السوري، حيث وصف بيان للجيش السوري هذا التوغل بانه احتلال وانتهاك للسيادة السورية وسيتم التصدي لهما. القاعدة المتبعة في محكمة العدل الدولية والاتحاد الافريقي، ومنظمات اقليمية اخرى هو مقاومة أي محاولة لتعديل الحدود القائمة منذ عهد الاستعمار، ولكن الرئيس اردوغان الذي يؤمن بالعثمانية الجديدة يرى عكس ذلك تماما، ويعتقد ان قوة تركيا وضعف الآخرين يمكن ان يحقق طموحاته في تعديل معاهدة لوزان، وضم ما تخلى عنه اتاتورك من اراضي، خاصة الموصل وحلب وكركوك اذا استطاع الى ذلك سبيلا.
*** القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” يجري توظيفه كذريعة لإعادة رسم حدود المنطقة العربية على اسس طائفية وعرقية جديدة، والرئيس اردوغان يلعب دورا كبيرا في هذا الاطار فهل ينجح في احلامه الامبراطورية هذه؟
هيتلر اراد تعديل حدود المانيا واعادة امبراطوريتها الى الوجود مجددا، وانتهى الامر بخسارته وتقسيم المانيا، والشيء نفسه حصل تقريباً في مناطق اخرى في اوروبا، مما يعني ان الرئيس اردوغان يقدم على مخاطرة كبيرة، وان الحروب في المنطقة تطول لعقود قادمة، هذا اذا لم تتطور الى حرب عالمية ثالثة او رابعة. مرة اخرى نقول ان العرب باتو هم الرجل المريض جدا، بل الموضوع في غرفة الانعاش، ويعيش على الآلات الصناعية، وفي انتظار من يضغط بإصبعه على زر وقف هذه الآلات. لا نعتقد ان الرئيس اردوغان سيكون افضل حظا من الذين ساروا على الطريق نفسه.. ولكن مع تسليمنا انه تظل لكل قاعدة استثناءات.. والله اعلم. مصدر: رأي اليوم