ظهور كاشف لفساد الطغمة

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي

كشف المتهم نور زهير بظهوره على شاشة الشرقية يوم 18 آب الجاري، حلقات من المشهد العراقي المأزوم، ليس دفاعًا عن نفسه كما كان هدف اللقاء، بل كواجهة أخرى من واجهات فساد الطغمة الحاكمة. لقد حاول زهير، المتورط فيما يُعرف بـ "سرقة القرن"، أن يستعرض نفسه كضحية مؤامرات أو سوء تفاهمات، متملصًا من المسؤولية التي لا يمكن أن ينجو منها هو ولا المتعاونون معه من كبار الفاسدين، مهما حاول التلاعب بالرواية.

الحديث الإعلامي الذي قدّمه زهير لم يكن إلا محاولة لتلميع صورة مهترئة، لا سيما بعد أن كُشفت خيوط القضية التي تُدين أطرافا عدة من الطغمة الحاكمة. في حقيقة الأمر، لم يكن ظهوره إلا مرآة عاكسة لحقيقة الفساد الممنهج الذي أصبح السمة الغالبة لمنظومة الحكم في العراق، حيث تتشابك فيها المصالح بين السلطة والمال، ويتحول الفساد من ظاهرة هامشية إلى قاعدة أساسية تحكم حركة الدولة.

إن محاولات نور زهير لإبعاد التهم عنه، وتصوير نفسه كجزء من دائرة أكبر لا يتحكم في قراراتها، هي دليل واضح على تواطؤ أطراف عدة نافذة في السلطة. هؤلاء الفاسدون، الذين استأثروا بالمال العام لسنوات، عملوا على بناء شبكات متينة من العلاقات تحميهم من المساءلة القانونية وتمنحهم غطاءً قانونيًا وإعلاميًا، بل وتسمح لهم بإعادة تدوير الفساد في أشكال جديدة.

الظهور الإعلامي لنور زهير لم يفاجئ من يدرك طبيعة النظام السياسي القائم. فقد جاءت كلماته مجرّد تكرار لنفس الأعذار الواهية التي سمعناها مرارًا وتكرارًا من المتورطين في قضايا فساد كبرى. هو يعكس، بوضوح، كيف أن "حيتان" الفساد في العراق يمتلكون الجرأة للظهور علنًا، وهم يعلمون أن النظام الذي أتاح لهم نهب الأموال سيظل يحميهم. فالفاسدون الكبار هم، في النهاية، جزء من منظومة أكبر تحكمها المصالح الشخصيةوالحزبوية الضيقة، وتقودها رغبة جامحة في الاستحواذ على السلطة والثروة.

في النهاية، يعيد هذا الظهور إلى الواجهة السؤال الأهم: إلى متى سيبقى الفساد سيد الموقف في العراق؟ إذا كان نور زهير قد حاول أن يقدم نفسه كمتحدث باسم "المظلومين"، فإن الحقيقة تقول إنه جزء لا يتجزأ من طغمة فاسدة اختطفت البلاد ووضعت مستقبل الشعب رهينة لرغباتها وأطماعها.

ربما يكون هذا الظهور محاولة لتبييض صفحته، لكنه في الواقع كشف المستور، وأكد من جديد أن الفساد في العراق ليس حالة فردية، بل هو نظام متكامل يسير وفق منهجية محكمة، تجعل من أمثال زهير مجرد أدوات في لعبة أكبر.

علق هنا