بغداد- العراق اليوم:
لا يختلف اثنان على أن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي قد أثبت بالتضحيات العظيمة، وبالدماء الطاهرة التي نزفها أبناؤه ضباطاً ومراتب وقادة، وبالإنتصارات الباهرة التي أجبرت الأعداء قبل الأصدقاء على الإعتراف بها، والإشادة بنتائجها الكبيرة، بحيث بات هذا الجهاز محط فخر، ومباهاة العراقيين، وقد زادهم فرحاً أن تقارير عسكرية وامنية صادرة من مراكز، وجهات عالمية متخصصة كانت قد وضعت هذا الجهاز الكفوء في المرتبة الأولى بين جميع الأجهزة العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط، حتى باتت بعض الأسماء القيادية في جهاز مكافحة الإرهاب مثل رئيس الجهاز طالب شغاتي، والفريق الركن عبد الوهاب الساعدي وغيرهما تحظى بحب عارم من قبل الجماهير الشعبية العراقية.
ولا نظن قطعاً أن هناك من يختلف معنا على أن هذا الجهاز الذي يخوض اليوم معارك الشرف والتحرير في الموصل، بحاجة ماسة الى الدعم والتأييد والإسناد من جماهير الشعب بشكل اعم، والطبقة السياسية والإعلامية بشكل خاص، لأن لهذا الدعم، والإسناد فائدةً معنوية كبيرة، في حين أن العكس يأتي بمردودات سلبية باهظة.. لا تضر هذا الجهاز الباسل فحسب، إنما تضر الوطن، وأمنه، وسلامته.
والحديث عن جهاز مكافحة الإرهاب، وما يتعرض له قادته الميامين من حملات تسقيط وتشهير مغرضة، يسحبنا للحديث أيضاً عن جهاز وطني آخر، جهاز شجاع، نجح قادته في تحويله من جهاز بارع في استخدام (المثارم) وأحماض النتريك (التيزاب) وسموم الثاليوم، وكواتم الصوت، وإنتاج المقابر الجماعية لصفوة أبناء الشعب العراقي، بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، الى جهاز وطني شفاف، يحمي ويحرس ويصون الوطن بلا منة أو ضجيج، ويدفع أبناؤه حياتهم من أجل الحفاظ على أمن وسلامة العراقيين دون تمييز بين طيف وآخر، أو فئة وأخرى. وبدلاً من أن يقف السياسيون العراقيون مع هذا الجهاز الوطني، الذي بات اليوم في أعلى مواقع التقدير والاحترام العالمي، لما قام به من جهد خلاق، وملموس في مكافحة الإرهاب، ومقارعة الإرهابيين، والوصول الى أوكارهم السرية، وتدمير مقراتهم القيادية المشيدة تحت الأرض، وقتل عتاة الزعماء المجرمين، تلك الأوكار، والمقرات، والرؤوس الإرهابية الكبيرة، التي عجزت كبرى أجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية من الوصول اليها، نقول بدلاً من أن يقف سياسيونا مع هذا الجهاز الوطني الفتي، نرى بعضهم، وقد وقف في الجهة الأخرى بقصد، أو بدون قصد..
وكي نصل الى عمق الفكرة، علينا أن نعرف الفرق بين جهاز المخابرات العراقي في زمنين مختلفين، زمن كان فيه جهاز المخابرات العراقي، يستقطع ربع الميزانية العراقية، من أجل إبادة الخصوم، وتلميع وجه النظام الدكتاتوري الكالح فيصرف هذه الميزانية العظيمة على رواتب منتسبي الجهاز الداخلية، والخارجية، وعبر شراء الذمم، والضمائر لكبار الشخصيات السياسية والإعلامية والأمنية العربية والأجنبية، وإنشاء البؤر، والمراكز، والمراصد التي تكاد تكون مبثوثة في جميع بلدان العالم، وما سجل (كوبونات) النفط الزاخر بملايين براميل النفط، وبمئات الملايين من الدولارات إلاَّ الدليل القاطع على صحة ما نقول. وزمن آخر مختلف تماماً، لجهاز مخابرات جديد مختلف تماماً أيضاً. جهاز (وطني، ديمقراطي، إنساني، شفاف، شجاع، ذو قيم حرة)، لا يقتل المخالفين للنظام السياسي بسلاح كاتم الصوت، ولا بغيره من الأسلحة، ولا يبيد المعارضين له بأحواض التيزاب، أو بغيرها، ولا يبيد الخصوم بسموم الثاليوم، كما أن هذا الجهاز لا يعتقل أحداً بغير حق، أو بغير إذن قضائي، وإذا ما اعتقل أحداً، فإن اعتقاله لن يطول أكثر من ساعات، وليس أبدياً كما كان يفعل جهاز مخابرات برزان، أو حبوش. وجهاز مخابراتنا (ويشرفنا أن نقول جهاز مخابراتنا) لا يدفع الأموال لتلميع وجه النظام السياسي، ولا يؤمن (بالقائد الملهم)، فيدافع عن هذا القائد أكثر مما يدافع عن غيره من المواطنين العاديين. ولجهاز المخابرات الحالي ميزة لم يكن غيره يتميز بها من قبل، ألا وهي المشاركة القتالية الفاعلة والمؤثرة مع أبناء القوات المسلحة في المعارك الطاحنة، وحمل البندقية الوطنية الشريفة مع رفاقه الضباط والجنود في جبهات الحرب المتقدمة، فيستشهد ضابط المخابرات اليوم تماماً كما يستشهد أخوه الضابط أو الجندي أو المقاتل في الجيش، أو الشرطة الاتحادية، أو الحشد الشعبي، فهو لم يعد مثلما كان ضابط المخابرات الصدامي من قبل (قاط ورباط ومسدس آثم) إنما بات اليوم شخصاً آخر، شخصاً ينتمي لأعماق الأرض العراقية، لأنه جاء من الطينة العراقية الحرة. وبهذه المواصفات الوطنية والإنسانية النبيلة، والجسورة أصبح جهاز المخابرات العراقي اليوم محطة وطنية أمينة.
فمن كان يصدق مثلاً، أن طيران التحالف الدولي -بكل امكاناته، وقدراته الأمنية والاستخباراتية والتقنية المتقدمة، يعتمد على تقارير، وتحليلات، ومعلومات، واحداثيات المخابرات العراقية المرسلة، في أغلب طلعاته، وضرباته الجوية.. أليس هذا الأمر يدعوك للفخر، وللإعجاب، وأنت ترى جهازاً وطنياً فتياً، يعمل بموارد، وامكانات ضئيلة جداً، وبتجربة زمنية بسيطة، يصبح معيناً تنهل منه أكبر القوى العسكرية العالمية المتصدية للإرهاب، ويصبح محل اعجاب وتقدير كبار المتخصصين في العالم؟!
وبعد كل هذا الجهد الكبير، وهذه التضحيات المعطرة بالدم الطهور، وهذه الإنجازات الأمنية الباهرة لهذا الجهاز الحضاري، الذي يديره – لأول مرة في تاريخ المخابرات، شاب مثقف، متنور، كاتب تخصصي له تجربة وطنية طويلة في مقارعة الدكتاتورية، لا يحمل مسدساً في حزامه، وربما لا يجيد استخدام المسدس، لكنه يجيد التحدث بأكثر من لغة أجنبية، ويجيد التفكير بعقل منير، ومفتوح، للوصول الى الحلول- ومعه يقف في ادارة هذا الجهاز نخبة وطنية طيبة من الشباب العراقي الحر، الذي نجح في تغيير صورة المخابرات العراقية المرعبة، وجعلها متطابقة مع صورة الوطن المرسوم في قلوب وأفئدة العراقيين الطيبين المحبين لبلادهم .
نقول، بعد كل هذا الإنجاز، والكفاح، والتضحيات في مواجهة داعش، تأتي النائبة (الوطنية) حنان الفتلاوي لتقذف هذه الجهاز بتغريدة هي أشبه بنعيق الغربان من تغريدة البلابل.. والمشكلة أن السيدة الفتلاوي التي لها خصومات وتحالفات سياسية متعددة ومختلفة حسب الظروف والمناخات السياسية تثير العجب بهذه (التغريدة) المدهشة، فالجميع يعلم أن موسم الانتخابات لم يزل بعيداً، وأن جهاز المخابرات العراقي لا يشارك قطعاً في هذه الانتخابات، بمعنى أنه لن ولا ينافس النائبة المحترمة على المقعد النيابي، فلماذا استعجلت بحملتها الانتخابية، وأحرقت أوراقها مبكراً.. لاسيما وهي تعلم أن جهاز المخابرات مثله مثل جهاز مكافحة الإرهاب، هما جهازان جهاديان، ينتميان للعراقيين جميعاً، وليس لهما غير هوية الدفاع حتى الموت من أجل العراق؟!.
لذا أرجو من جميع السياسيين العراقيين البحث عن حبال بعيدة عن سياجَي الأمن الوطني العراقي اللذين يحرسهما جهازا مكافحة الارهاب والمخابرات العراقي، لنشر غسيل خلافاتهم السياسية، وتصفيات حساباتهم الانتخابية .