بغداد- العراق اليوم: جبر شلال الجبوري ألذي دعاني للكتابة عن موضوع تسمية (الكريعات) بهذا الأسم حيث قبل فترة قصيرة تم أفتتاح جسر الكريعات الذي أطلق عليه السيد رئيس مجلس الوزراء اسم جسر الحرية، التسمية التي لم تكن ملائمة لأهالي المنطقة رغم المكانة المقدّسة للحرية في نفوسهم، وكان الأجدر أن يسمّى جسر الكريعات،لأسباب تتعلّق بالناحية السايكولوجية الاجتماعية عبر تأريخ من الظلم والقهر الذي تعرّض لهما أبناء المنطقة، حيث حاولت الأنظمة الطائفية على مَر السنين من حكمها الظالم أن تغير اسم الكريعات ولكنها لم تفلح في ذلك، فمرّةً يسمّونها الشماسية، ومرّة حي الربيع، ومرّة شارع عثمان، ولكنّها بقيت الكريعات مُتداولةً على ألسن ساكنيها وستبقى كذلك، وقد بقيت تسميتها على لسان الأهالي الساكنين على طول الشارع العام الرابط بين منطقة الصليخ إلى زوية الكريعات، إذ تتقاطر مناطق مشهورة عبر الطريق ، الممتدّة على أكثر من ثلاثة كيلو مترات وكلّهم يطلقون على أحيائهم اسم (طريق الكريعات) السيد الرئيس: (الكريعات) اسم كبير لدى أهاليها، إذ له معانٍ كثيرة وبسببه قدمنا العديد من الشهداء والمغيبين حتى هذه اللحظة، وقد كتبتُ عدّة مقالات عن الكريعات في عدة صحف عراقية أيام النظام البعثي المنقرض، وبسبب إحدى تلك المقالات تعرّضتُ للمسائلة والتعنيف من قبل عصابات البعث المجرمين، والآن سيادة الرئيس اسمح لي ان أوضّحَ لك لماذا سُمّيت الكريعات بهذا الاسم؟ ولماذا أهالي المنطقة يعتزون به؟ فهناك عدّة روايات عن تلك التسمية الغريبة بعض الشيء: الرواية الاولى : أهالي منطقة الكريعات نزلوا في هذه المنطقة بعد ان جاؤوا أليها من الموصل ، ويعتبر أبناء قبيلة الجبور أول من سكنها وذلك منذ ما يقارب الأربعة قرون، ويقال إن أهلها أخذوا بممارسة مهنة الزراعة وخاصة زراعة الخضروات ( والقرع ) على وجه الخصوص (يعني الشِجرْ)، وبذلك حسب الروايه أطلق عليها اسم (الكريعات) وهي رواية ضعيفة وغير موثوقة. الرواية الثانية : يقال إن في حكم الدولة العثمانية ونتيجة للظلم والقهر والحرمان وأنتشار الاوبئة والامراض، أصاب بغداد مرض في فروة الرأس حيث أن جميع أبناء منطقة الكريعات أصيبوا به وسقط شعرهم جراء ذلك المرض ولقبوا بالكرعان وبمرور الوقت سميت الكريعات، وأيضاً هذه الروايه غير صحيحة. الرواية الثالثة : وهي الرواية التي أجمع عليها العديد من أبناء المنطقة القدامى والمعمرين الاصلاء والذين أدركناهم في ستينيات القرن الماضي والتي تقول : بأن الاهالي وبعد أن أستتبت بهم الأمور وأخذوا يعملون في زراعة النخيل والحمضيات وتم بناء منازلهم ومضايفهم وأخذت الناس تتعود على سكنها الجديد وبرز منهم عدد من الوجهاء والشيوخ الذين أخذوا على عاتقهم مساعدة الناس على قضاء أحتياجاتهم والقضاء فيما بينهم، وقد برز منهم رجل يسمى (الشيخ حسين) الذي اشتهر بالفروسية والشجاعة والكرم وهو (الجدّ الأعلى لعشيرة الجبور في منطقة الكريعات) جميعاً بلا منازع وهذا الرجل حسب حديث أجدادنا وآبائنا الذين أدركناهم كان بيته عبارة عن ملتقى جميع الوافدين الى المنطقة نظراً لكرمه وسعة صدره وأمكانياته المادية في ذلك الوقت لآنه حسب الروايه كان المتولي الخاص للحكومة العثمانية على المنطقة، يكرم الضيوف ويسهر على راحتهم طوال العام، فالكريعات وكما تعلمون هي المنطقة المجاورة والمقابلة لضريح الامامين المعصومين موسى بن جعفر، ومحمد الجواد عليهما السلام رغم ما يفصل بينهما نهر دجلة، وهذه واحدة من الكرامات التي حباها الله بها ، ونتيجة لتلك الجيرة الخيرة للامامين أصبح لزاماً على أهالي المنطقة أن يذهبوا لزيارتهما، وتم فتح أول معبر نهري بين الكريعات والكاظمية من قبل المرحوم (رجب حسافه) لنقل الناس بغرض الزيارة، ونقل الماشية والأنعام الأخرى والخضروات والفواكه الى جهة الكاظمية للتجارة، وأخذت الناس تتقاطر الى منطقتنا بسبب ذلك، وبما أنه لم تكن هناك فنادق في تلك الفترة وبالرغم من أن المعبر النهري ينتهي عمله بحلول صلاة المغرب فكان لزاماً على الناس أن تجد مكانًا مناسبا لها للمبيت حتى اليوم الثاني،لكي ينطلقوا في رحلتهم الى الكاظمية، وبذلك فتح أهالي منطقة الكريعات بيوتهم للناس حيث يستقبلونهم في كل الأوقات. وأشتهر من ابناء منطقتنا (الشيخ حسين) الذي كان يستقبل الضيوف ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءاً حيث خصص لهم بيتاً كبيراً لمبيتهم، وحضيرة مجاورة للماشية والخيول والبغال، ويقال أنه في أحد الأيام وبعد منتصف الليل حلّ عنده عدد من الضيوف مع ماشيتهم وخيولهم وهم يهمون العبور صباحاً الى مدينة الكاظمية من خلال (العبرة) أمر هو بذبح الذبائح لهم في ذلك الوقت المتأخر من الليل والضيوف يترجونه بعدم فعل ذلك لانهم سيغادرون فجراً إلى الكاظمية، ولكنه أبى ذلك، وبعد ساعات قليلة أطلّ ضياء الفجر عليهم وهم يهمون المغادرة قبل ان ينضج الطعام فحمل (الشيخ حسين) قدور الطبخ الكبيرة المليئةباللحوم والرز على رأسه وهو يوزع الطعام عليهم وهم مترجلون عن خيولهم وأحترقت فروة رأسه من شدة حرارة (قدور الطبخ)،وأخذ الناس يرددون ويطلقون على بيته بـ (بيت الاكرع)، وهكذا لاحقاً عندما كان يأتي الضيوف الغرباء إلى المنطقة يسألون عن بيت (الاكرع) بعد أن أخبرهم أقرانهم بالحادثة، وعلى مَر الوقت أخذت الناس تطلق ذلك الاسم حتى سميت المنطقة ( الكريعات)وهو اسم يليق بنا لاننا نعلم ان أجدادنا فعلاً كانوا كذلك (وأهل مكة أدرى بشعابها) كما يقول المثل الشائع. فتسمية الكريعات إذن جاءت من جدّنا (حسين الاكرع) ثمّ أصبحت منطقة وليست عشيرة فهي منطقة أول من سكنها الجبور ثم توالت العشائر الأخرى على سكنها والتي اصبحت بمرور الزمن عشائر متجانسة فيما بينها يجمعهم حُب منطقتهم ويعتزون كثيراً باسم منطقتهم لانه يدل على الكرم العربي الأصيل الذي هو سمة أبناء الكريعات، ومازلنا إلى اليوم نشاهد ونلمس هذه الصفات الحاتمية بأهل الكريعات، فها هم تراهم في كل زيارة ومناسبة دينية يفتحون بيوتهم وحسينياتهم لمبيت الزوار وهم يقدمون لهم كل أنواع الاطعمة والأشربة حباً وكرامة لآهل البيت الاطهار. ستبقى الكريعات ممتنة لرجلها الاول الذي بسبب كرمه سميت بهذا الاسم، وسيبقى كل شخص من أهالي المنطقة يعتز ويفتخر أن لديه تأريخاً مشرفاً في خدمة الناس، وسنبقى (كرعان) إلى الأبد مادام الكرع ) كان صفة جدنا (حسين الاكرع) . أنتهت الحكاية سيدي الرئيس ولكنني أختصرتها جداً لأنها طويلة ولو أردت أن أكتبها كلها لاحتجت إلى مجلدات عديدة، وستبقى الكريعات وأسمها عالياً خفاقاً الى الأبد.
*
اضافة التعليق