بغداد- العراق اليوم:
التخفيض الذي أعلنت عنه شركة جينيل إنرجي المستقلة يوم 29 آذار/مارس في احتياطيات حقل طاقطاق النفطي الواقع في إقليم كردستان العراقي من172 مليون برميل في أواخر عام 2015 إلى 59،1 مليون برميل، يشكل ضربة كبرى لحكومة الإقليم التي كانت تطمح قبل عدة سنوات لمستقبل واعد لقطاعها النفطي ولرفع مستوى الإنتاج داخل الإقليم إلى حوالي المليون برميل في اليوم. ويسلط هذا التطور الضوء على تزايد اعتماد حكومة الإقليم على إنتاج حقل كركوك النفطي الواقع خارجه وبمحاذاته والذي هو محل نزاع بين الحكومة الفدرالية العراقية وحكومة الإقليم. حقل طاقطاق كان يعتبر ثاني أهم حقل منتج للنفط الخام في الإقليم حتى أواخر عام 2015، حيث أنتج ما معدله 116،000 برميل في اليوم، بينما أنتج حقل طوقي، وهو أكبر الحقول المنتجة داخل الإقليم، ما معدله 135،000 برميل في اليوم في ذلك العام، ما جعل الإنتاج المشترك للحقلين في ذلك العـام يســـاوي حـــوالي 86 في المئة من الإنتاج داخل الإقليم، وحـــوالي 44 في المـــئـــة من كامل الإنتاج الذي يسيطر عليه الإقليم إذا أخذنا في الاعتبار الأجزاء التي استولى عليها الإقليم من حقل كركوك وحقل باي حسن المجاور. وانخفض إنتاج حقل طاقطاق، الذي طورته وتُشّغِلَه شركة جينيل إنرجي، إلى 36،000 برميل يومياً في نهاية عام 2016 وإنتاجه الحالي لا يتجاوز 19،000 برميل في اليوم. وعزت جينيل إنرجي انخفاض الإنتاج وخفض تقديرها لمستوى الاحتياطيات إلى مشاكل جيولوجية أدت إلى تسرب المياه بنسب عالية إلى آبار الحقل، كما سحبت توقعاتها السابقة بأن الحقل سينتج من 24،000 إلى 31،00 برميل يومياً في2017 دون أن تفصح عن أي توقعات جديدة. كل ذلك ينبئ بأن حقل طاقطاق قد أصبح حقلاً صغيراً جداً وقليل الأهمية. وبالرغم من هبوط الإنتاج في حقل طاقطاق، فإن كميات النفط المنتجة لصالح إقليم كردستان من المتوقع أن ترتفع من 544،000 برميل في اليوم في العام الماضي ـ إذا أخذنا في الحسبان حقول خورمالة وأفانا وباي حسن التي تعتبر جميعاً ضمن منظومة حقل كركوك المتنازع عليه ـ إلى 582،000 برميل في اليوم في العام الحالي. مجموعة حقول كركوك هذه تديرها شركة كار الكردية، ومن المتوقع أن يزداد إنتاجها الذي بلغ 324،000 برميل يومياً العام المنصرم إلى 390،000 برميل في العام الحالي. لكن أزمة انخفاض الإنتاج في حقل طاقطاق وخفض احتياطياته المقدرة قد تؤدي لمخاوف بشأن احتمال أن تكون كل التقديرات لاحتياطيات النفط في إقليم كردستان غير دقيقة، وقد تدعو البعض إلى الحذر أيضاً بشأن التقديرات الخاصة باحتياطيات الغاز المنوي تطويرها للاستعمال المحلي والتصدير إلى تركيا من أجل زيادة دخل الإقليم. وتنوي شركة جينيل إنرجي تطوير حقلي ميران وبينا باوي الغازيين، واللذين تقدر كميات الغاز الموجودة فيهما بـ 11،4 ترليون قدم مكعب، لكن الشركة تعترف بأنها تواجه تحديات في تطـــوير الحــقـلين، أهمها التوصل إلى اتفاقيات مع شــركاء محتملين، من الأرجح أن يكونوا شركات تركية. وكانت شركات أخرى عاملة في الإقليم قد خفضت تقديراتها لاحتياطيات الحقول التي تديرها في السنوات الأخيرة. شركة DNO النرويجية والتي تشَغِّل حقل طوقي خفضت تقديراتها لاحتياطيات الحقل في آذار/مارس من العام الماضي إلى 242 مليون برميل من 264 مليون برميل سابقاً. أما شركة مول المجرية وشركة غلف كيستون بتروليم المستقلة والمدرجة في بورصة لندن، فقد تخلتا عن حصتهما في عقد مشاركة الإنتاج في رقعة أكري بجيل في كانون الثاني/يناير من عام 2016 بعد إعادة تقييم الاحتياطيات القابلة للاستخراج. وبالإضافة لذلك، فقد خفضت غلف كيستون بتروليم وشركة أفرن المستقلة من تقديراتهما لاحتياطياتهما في كردستان، ما لعب دوراً في انهيار شركة أفرن لاحقاً. كما أن شركة إكسون موبيل الأمريكية انسحبت من ثلاثة عقود استكشافية من أصل ستة عقود في كردستان العراق، لكن حكومة الإقليم ما زالت حريصة على استقطاب المزيد من الاستثمارات المحتملة في 20 رقعة أعادت رسمها وستعرضها للاستثمار في العام الحالي.
مشاكل مالية
وفي محاولة منها لتحسين مناخها الاستثماري، فقد كلفت حكومة الإقليم في أواخر العام الماضي شركتي ديلويت وايرنست أند يونغ بإجراء فحص دقيق لكل بياناتها المتعلقة بالنفط والغاز. ومن الممكن أن يتوصل الفحص إلى أن تقديرات الاحتياطيات القابلة للاستخراج وكذلك الإنتاج قد يرتفعان إذا ازداد الاستثمار في القطاع النفطي. لكن المشكلة تكمن في المشاكل المالية التي يعاني منها الإقليم وحكومته في ظل انخفاض أسعار النفط عن مستوياتها المرتفعة قبل سنتين وارتفاع تكاليف مقاتلة «داعش» والعبء الاقتصادي الكبير الذي يشكله وجود اللاجئين الذين فروا إلى كردستان هرباً من «داعش» والمعارك الدائرة في شمال العراق. وحدّت تلك الضائقة المالية من قدرات حكومة كردستان على دفع المبالغ المترتبة عليها للشركات المنتجة في الإقليم لقاء إنتاجهم النفطي، مما يحد بالتالي من قدرات ورغبات تلك الشركات للاستثمار في حقولهم، خاصة أن تلك الحقول بحاجة لاستثمارات كبيرة للتعامل مع الصعوبات الجيولوجية الموجودة فيها. وبلغت مديونية حكومة الإقليم لشركة DNO 1،14 مليار دولار في نهاية 2016 مقارنةً بـ 1،06 مليار دولار في نهاية عام 2015، بالرغم من تعهدات حكومة الإقليم للشركات ومحاولاتها الجادة لتزويد الشركات بدفعات منتظمة لقاء إنتاجها من النفط. وبالاضافة لمبيعات النفط، فإن حكومة الإقليم تعتمد لتأمين دخلها على علاقاتها التجارية مع تركيا وعلى حصتها من المساعدات التي يستلمها العراق من مؤسسة النقد الدولية من أجل إعادة تشكيل بنيته الاقتصادية، لكن استلام تلك المساعدات مرهون بالعلاقات مع بغداد. الصراع بين بغداد والإقليم الكردي حول السيادة على مدينة كركوك وحقلها النفطي يشهد بعض الانفراج لأن الطرفين منشغلان بمحاربة «داعش» في شمال العراق. فقد أبدى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أثناء زيارته لواشنطن الشهر الماضي استعداده لمنح المزيد من السلطات للحكومات الإقليمية، كما أنه لم يرفض صراحة احتمالية استقلال إقليم كردستان. وتبع ذلك توصل وفد من الإقليم في 6 نيسان/ابريل لاتفاق مع القوى السياسية والمسؤولين في بغداد يقضي باتباع أسلوب التهدئة والحوار لحل المشاكل بين بغداد وأربيل، وخاصة ما يتعلق بتطبيق المادة 140 من الدستور وإجراء الاستفتاء حول تقرير مصير كردستان، ورفع العلم الكردي في كركوك. وكانت الحكومة العراقية قد أبرمت اتفاقاً مع حكومة الإقليم في أيلول/سبتمبر الماضي لتصدير 150،000 برميل يومياً من إنتاج شركة نفط الشمال بواسطة أنبوب التصدير الذي يربط منظومة كركوك بميناء تشيهان التركي، على أن يتقاسم الطرفان الدخل من تلك الصادرات. وما زالت أربيل وبغداد ملتزمتان بذلك الاتفاق، ما يجعل العلاقات بينهما مستقرة ويدعم المجهود الحربي للطرفين وكذلك جهود حكومة الإقليم لزيادة الاستثمار في قطاعها النفطي. لكن تلك العلاقات مرشحة للتوتر ثانية إذا تم دحر «داعش» من شمال العراق إذ قد يؤدي غياب العدو المشترك إلى عودة الخلاف بين الطرفين على من له الحق في بيع نفط كركوك ومن يسيطر على الحقول المتنازع عليها. فجوهر الخلاف لا يتركز فقط على كيفية تقاسم الريع النفطي، بل يتعلق أساساً بالسيادة على منطقة كركوك وعلى أراضي إقليم كردستان نفسه.