بغداد- العراق اليوم:
قبل عامين كان الفساد متفشيا في برنامج شراء القمح في العراق، حتى أن متشددي تنظيم «داعش» جنوا أموالا من تهريب السلعة الإستراتيجية عبر الحدود من سوريا مع شبهات بتورط مسؤولين في وزارة التجارة. يقول الرجل الذي أشرف على الحملة التي استهدف شبكة التهريب ان الوزارة، التي أعلنت مؤخرا عن إجراءات جديدة لمحاربة الفساد وتتولى مسؤولية الأمن الغذائي بالعراق، لا يزال أمامها طريق طويل إلى أن تتمكن من التغلب على المشكلة المترسخة الجذور. وقال محمد السوداني، وزير العمل العراقي، في مقابلة في وقت متأخر أمس الأول «نحتاج إلى توعية الناس بدءا من الأطفال في المدارس للتوعية حول مخاطر الفساد ولكي نخلق مجتمعا يرفض هذه الظاهرة.» وعمل السوداني، الذي أطلق عليه اسم «السيد نظيف» لجهوده في محاربة الفساد، قائما بأعمال وزير التجارة في عام 2015. وكان سلفه وزير التجارة ملاس محمد عبد الكريم قد هرب من اللاد بعدما أصدرت بحقه وحق شقيقه مذكرتا اعتقال أثناء تحقيق في رشا ومكاسب غير قانونية وإساءة استخدام المنصب. ويومها قال عبد الكريم ان المزاعم لا تستند إلى أدلة قوية. غير ان حراسه ينتظرون محاكمتهم بتهم قتل مستشار في وزارة التجارة قال زملاؤه انه كان على وشك تسليم ملفات تتهم الوزير بالفساد. ووعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالتصدي للفساد، في منظومة سياسية توزع المواقع على أسس عرقية وطائفية، مما يخلق شبكات قوية للمحسوبية. وعلاج المشكلة في وزارة التجارة مهمة شاقة، بالرغم من أن الوزارة فرضت مؤخرا قواعد تنظيمية منها تقديم الأموال للموردين على دفعات، لمنع أي صفقات سرية. وقال السوداني، الذي يتولى حاليا وزارة العمل، ان التغيير الحقيقي سيأتي فقط إذا حدثت عملية تغيير كاملة لمنظومة المناقصات، تلغي الشركات الوهمية التي تبرم صفقات غير مشروعة مع كل مستويات موظفي الوزارة. وأضاف قائلا «الخلل في نظام المناقصات يتمثل بالاعتماد على شركات غير رصينة وغير متخصصة. شركات غير ملائمة.. هناك شركات كبيرة معروفة. هناك اعتماد على الشركات الوسيطة.» وقال أيضا «كان هناك مدراء عامون متورطين. حتى الموظف الذي يأخذ العينة من السفينة يأخذ الرشوة.» وتصدى السوداني لقضايا الفساد الرئيسية عندما أدار الوزارة. لكن الظروف التي أذكت كل هذه الفضائح ما زالت باقية، ومنها دفع الحكومة علاوات كبيرة للمزارعين المحللين. واكتشفت وزارة التجارة عملية مُحكَمة لتهريب القمح، أدخل فيها مهربون نحو 600 ألف طن من القمح الروماني والأوكراني إلى العراق من السعودية وتركيا، على أنها محصول محلي وبيعت إلى الدولة بعلاوة. وقال السوداني ان تنظيم «الدولة الإسلامية» شارك أيضا في هذا الفساد مؤكدا شبهات تتردد منذ فترة طويلة بقيام الجماعة المتشددة بتهريب القمح من سوريا إلى مشترين عراقيين. وقام التنظيم بتهريب حوالي 180 ألف طن بالعمل مع تجار عراقيين وجرى تخزين ذلك القمح في صوامع في محافظة الأنبار وفي بابل وأبو غريب. وقال السوداني ان مسؤولين في وزارة التجارة كانوا متهمين بمساعدة تنظيم «الدولة الإسلامية» على بيع القمح، وتزويد المتشددين بمعلومات هاجموا على إثرها صومعة كانت قيد التحقيق من قبل السلطات بشأن توريدات غير قانونية. وقال السوداني «أحلنا مدراء عامين للتحقيق وكذلك أحلنا موظفين. بعضهم طرد والآخرين غُرِّموا.» والعراق واحد من أكبر مستوردي القمح والأرز في العالم. وحتى الزعيم العراقي السابق صدام حسين فطن إلى أن أي تعطيل كبير في المعروض من هذه السلعة الأساسية قد يتسبب في رد فعل عنيف. وبدأ صدام نظاما لتوزيع حصص غذائية كرد على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق بعد أن غزا الكويت في 1990. وقال السوداني ان المنظومة لم تكن تخضع لتفتيش ملائم منذ الإطاحة بصدام في 2003،مما جعلها عرضة لفساد واسع. واكتشفت السلطات العديد من المخالفات. وقال السوداني «اكتشفنا أن هناك 49 ألف شخص هم بالحقيقة متوفون لكنهم لازالوا مسجلين. كذلك اكتشفنا أن هناك أناسا ولدوا في عام 1887 وهم لازالوا مسجلين».