بغداد- العراق اليوم:
لا تكفي عبارة الوداع التي صرفتها السفيرة الأمريكية في الأردن نانسي ويلز في رسالة مؤثرة في يومها الأخير في عمان للتخفيف من حجم الاحتفال خصوصاً في بعض أوساط القرار بانتهاء ولاية السفيرة المصنفة باعتبارها الأكثر إزعاجاً في الربع الأخير من القرن للسلطات المحلية.
السفيرة اثارت عواصف وزوابع سياسية قبل رحيلها لأنها كانت محسوبة على تيار وزير الخارجية الأسبق جون كيري. وأزعجت نخبة من كبار المسؤولين وطرحت أسئلة حساسة على أبناء العشائر وتفاعلت مع المعارضة وإرتدت الثوب الفلسطيني وكانت في موقع الخصومة لوزير الخارجية الأسبق ناصر جوده.
شكرت الأردنيين في يومها الأخير على كرمهم مقرةً بأنها تعاملت مع كميات كبيرة من «المنسف والشاي والكنافة» قبل ان تختم بعبارة ملتبسة وفي قمة الغموض قالت فيها «أنا واثقة بأن الأردن سيقود المنطقة ويمثل منارة للاعتدال والحداثة».
لم توضح ويلز كيف للأردن ان يقود المنطقة لكن عبارتها الغامضة المفتوحة على مشاريع سياسية محتملة تناسب الجدل النخبوي الذي ثار في أوساط صالونات عمان بعدما وصف الرئيس دونالد ترامب الأردنيين بانهم «شعب حيوي ومقاتل».
يشعر المراقب بان ترامب يقول ذلك لأنه سيطلب من الأردنيين القتال قريباً دون معرفة الجبهة او الجهة بعد وهو الموضوع الذي يثير حساسية من طراز ملتهب في اوصال جميع الأردنيين القلقين مرة من مشاريع لها علاقة بالقضية الفلسطينية وأخرى من الزج بهم في معادلات داخل سوريا والعراق مثلاً تحت يافطة محاربة الإرهاب.
التزامن في التعبير الرئاسي الأمريكي عن «القتال» كان غريباً جداً مع الإصدار الأخير لتنظيم داعش الإرهابي الذي ظهر فيه خمسة من قادته الأردنيين بأسماء قبائلهم وعشائرهم بخطاب واضح يدعو العشائر الأردنية لـ»محاربة النظام» ويؤسس لتكفير كل موظفي السلطات الأردنية في خطوة تصعيدية تظهر حجم القطيعة بين خطاب تنظيم «الدولة ـ داعش» والشارع الأردني.
بمعنى أو آخر كلاهما وبتزامن غريب ولافت جداً ـ نقصد ترامب و «داعش» ـ يريد من الأردنيين القتال، الأول ضد «داعش» والثاني ضد دولة الأردنيين العريقة التي لا يملكون عملياً سواها. قبل ذلك تمهد سفيرة واشنطن وهي تغادر للتخلص من لغتها النقدية الشرسة بالعادة وتتحدث عن «قيادة الأردن للمنطقة» رغم ان الأردني بمؤسساته وطبقاته لا يريد القتال إلا ضد الفساد والترهل والوضع المالي والإقتصادي الحرج وفقاً لما يمكن متابعته من وسائط التواصل الاجتماعي.
ثمة تلامس متزامن وحرج آخر خلف الستارة والأضواء يساهم في التشويش على أي تحليل فقد رصدت وسائل الاعلام » مباشرة تقييمات دبلوماسية أمريكية حساسة عمل عليها طاقم السفيرة وفي أيامها الأخيرة للوضع العام في الأردن قبل أيام فقط من إعلان ترامب بانه شخصياً سيعمل على «دعم الإقتصاد الأردني وزيادة المساعدات».
التسريبات الأمريكية حذرت في تقرير خاص وصل إدارة ترامب من «احتمالات متزايدة بان يتأثر سعر الدينار الأردني» وفي فترة قصيرة جداً إذا لم يحصل تدارك كبير وتصرف على مستوى الأزمة المالية.
التقرير نفسه يتوقع موجة ارتفاع جنونية في الأسعار بالأردن قد تؤدي إلى مسيرات وإحتجاجات وفي بعض المناطق إلى إضطرابات.
الأهم ان خبراء التقييم الأمريكيون يتحدثون مباشرة عن «إخفاق ملموس في أداء الطاقم الوزاري الإقتصادي» في حكومة الرئيس هاني الملقي وبصورة قادت لأزمة مفتوحة تماماً وعلى احتمالات تضر بالدور الأردني في تعزيز الاستقرار وتخدم بالنتيجة القوى المتشددة.
لم تعرف بعد الأسباب الموجبة لتقرير من هذا النوع لكن السفيرة ويلز كانت طرفاً فيه رغم انها تحدثت علناً بعكسه.
على نحو أو آخر يستفيد او ينبغي ان يستفيد بلد كالأردن من تقييمات من هذا النوع والمفاجأة ان الرئيس ترامب بدا مطلعاً على الحيثيات وتحدث على هامش اجتماعاته مع الملك عبد الله الثاني بروح مساندة للأردن وبرغبة في مساعدته على تجاوز تلك الأزمة.
لكن ترامب لا يهتم «مجاناً» ـ وهنا مربط الفرس الجديد ـ لأنه يتحدث أولاً عن «قتال» بمعنى «أدوار» ولأن الأردنيين يعرفون أنه سيقايضهم بشيء ما لم تتحدد ملامحه بعد.
إلى ان تتضح هذه الملامح يمكن تلمسها من اي خطوات «تغيير» في المناصب العليا بعد عودة الملك من واشنطن حيث الخيط الأول لدخان «إجراء ما بعد الأزمة».
في السياق لم يعد سراً أن «تشكيك» جهات أمريكية عميقة في مهنية وأداء الطاقم الاقتصادي في الحكومة الأردنية يفسر تلك التهامسات التي يوصي بها امريكيون ونشطاء في الشارع الأردني معا بعنوان «تشكيل حكومة إنقاذ وطني».
وليس سرًا ان ثلاثة من طبقة رجال الدولة في الأردن فقط يمكن ان تنطبق عليهم المواصفات وبرافعة أمريكية داعمة م إلى ان تبدأ مؤشرات الخيط الثاني بعد رصد حصيلة الوقفة الأخيرة المطولة على محطتي واشنطن وترامب حيث مؤسسة أمريكية عابرة للاستقطاب الحزبي تؤمن مثلاً بان «سعر الدينار» الأردني لا زال أولوية.