طريق الشعب لا تهادن ولا تسكت

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي

شغفٌ ما يدفعني لقراءة شيء من تاريخ الصحافة ودورها في الحياة السياسية، كلما اقترب موعد مهرجان "طريق الشعب". فقد سجلت "الطريق .."مع مثيلاتها التي صدرت باسم الحزب الشيوعي العراقي، صفحات من الاحداث الوطنية والمواجهات الطبقية، كما ساهمت في صناعة وعي تنويري وتحريري، ورسخت مفاهيم العدالة والمواطنة والتعايش. وهي من جانب آخر ترتبط من حيث المهام والمنهج، مع الصحف اليسارية والشيوعية التي كافحت ضد الحروب والاستعمار والاستبداد والاستغلال على مستوى العالم.

وحينما يتمعن المرء في سر بقاء الجريدة وتميّزها عن بقية الجرائد التي تزامن صدورها معها، يمتليء فضولا وتعجبا في آن. فربما يكمن سر استمراها في قدرتها على ان تكون مرآة لحياتنا اليومية، ما يدفع المتابع لها الى التعلق بها حتى الالتحام. وهي استرعت بالفعل جزءا أساسيا من اهتمامنا، لأنها الأكثر وضوحا، والاعمق تحليلا، كونها تستند على فكر عملي ومنهج جدلي في التحليل وبعد طبقي في فهم الصراع.

تميزت "طريق الشعب" بانتشارها، رغم طابعها المعارض للسلطات الغاشمة التي تربعت على حكم العراق، ولم تكن شحة الامكانات المالية عائقا امام سعة انتشارها، بل وفاقت بحضورها وتأثيرها جرائد تغدق السلطات أموالا طائلة على تحريرها واصدارها، وحتى تبالغ في الانفاق عليها

فمن اجل ان تتفوق جريدة "الثورة" التي كانت تنطق باسم النظام السابق على "طريق الشعب"، خصصت السلطة لها ميزانية مفتوحة. لكن رغم ذلك بقيت الايادي تتلاقف "الطريق.."، التي تميزت بصدقية وشجاعة كلمتها، وقوة واستمرارية مفعولها، بصورة يعجز عن ان يستوعبها رجل السلطة، الذي يصعب عليه إدراك فعل الكلمة التي تحث على مقاومة المحتلين، ومجابهة المستغِلين، وشد ازر المظلومين، والدفاع عن المهضومين.

كافحت "طريق الشعب" تعسف وضغط السلطات الدكتاتورية وقهرها، ولطالما تمت مضايقة صحفييها والعاملين فيها، ومراقبة قرائها وتعريض الكثير منهم للتحقيق والاعتقال. لكن ذلك زادها تصديا وجرأة. وفي ظل نظام المحاصصة والفساد حرمت من الإعلانات، التي بقيت الحصة الأكبر منها لجرائد السلطة والمطبلين لها والمسبحين بحمدها.

وبطبيعة الحال كانت لـ "طريق الشعب" بعد الاحتلال الأمريكي حصتها من المداهمات، ونتذكر جيدا مداهمتها من قبل قوة تابعة لاستخبارات السلطة، بعد تظاهرات شباط 2011، بحجة مضحكة هي خزن مدفعية وقنابل!! والحقيقة هي ان المداهمة كانت عقابا لها على موقفها الداعم للاحتجاجات الشعبية ضد المحاصصة والفساد وتردي الخدمات. كذلك لم يسلم المتطوعون لتوزيعها من المضايقات، بل وطال الاعتقال التعسفي بعضا منهم.

"طريق الشعب" هي عنوان كفاح دؤوب، ومواقف لا مساومة فيها، وانتصار رغم كل الصعوبات والمخاطر التي واجهتها وتتعرض لها في مسيرتها الشامخة. وهي سواءً قلّ عدد صفحاتها او صغر جحمها، تبقى شعلة حق لا تنطفيء، ومصدر قلق دائم لجميع السلطات في كل حين!

انها الصوت الذي لا يهادن وغير القابل للإسكات في كل حين.

 

علق هنا