وسقطت تجارة القِيم

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي

فتح العدوان على غزة، النقاش واسعا في اوساط المثقفين العراقيين وبينهم المعجبين بالقيم الاوربية التي طالما نادت بها المؤسسات الاوربية، وبالأخص متبنياتها كالديمقراطية وحقوق الانسان، فبيّنوا استغرابهم من ازدواجية المعايير لدى الحكومات الغربية ازاء طرفي الصراع: إسرائيل والفلسطينيين. كذلك استهجانهم موقف الغرب المتهاون مع العدوان الإسرائيلي وهو يقصف الاحياء المدنية، ويوغل في القتل، حتى وصلت فاشيته وهمجيته قمتها بقصف مستشفى المعمدانية في ممارسة وحشية سافرة، كشفت زيف الادعاءات الغربية بحماية الانسان وحقوقه والشرائع الدولية.

ليس هناك من حيث الجوهر تغيير في موقف الغرب الداعم للسياسات الإسرائيلية العدوانية الاستيطانية، منذ وعد بلفور ثم اعلان دولة إسرائيل وقبولها عضوا في الأمم المتحدة، فاسنادها في حروبها وفي قضمها الأراضي الفلسطينية وممارسة إرهاب الدولة بأساليب فاشية وحشية قذرة.

ربما جاء قصفها الدموي قطاع غزة هذه الأيام أشد توحشا وترويعا. وهذا هو الجديد الذي لا بد ان يؤشر ليعزز موقفنا الفكري والسياسي والتعبوي، في ظل التخاذل العام والاستسلام من طرف الأنظمة العربية و"مثقفيها" والمطبلين للتطبيع مع اسرائيل والمزيّنين لوضاعتها وفظاعاتها.

ولم يتخذ الغرب مواقفه المتهاونة مع إسرائيل اعتباطا، فهو لا يجد فيها كيانا استيطانيا وحسب، بل يجد ايضا ما يؤمّن حماية الأنظمة التابعة له في المنطقة والتي تؤدي دور الموقع المتقدّم لحفظ مصالح الإمبريالية وضمانها.

ان دعم الغرب لإسرائيل هو من صميم مصالحه، القائمة على الهيمنة سواء الاستعمارية المباشرة، التي شهدتها العقود الأولى من القرن الماضي، او الهيمنة الاقتصادية الثقافية في ما بعد وحتى الان. وهذا يبيّن البعد الطبقي للصراع على مستوى العالم، حيث تحكم الرأسماليين ونهم شركاتهم المتعددة الجنسية والمتعدية للحدود الوطنية، الى الربح والمزيد من الربح دون اكتراث لحقوق الانسان، خاصة الحق في الحياة والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.

كان الحضور السابق لبلدان المحور السوفييتي المساند للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، والتفهم للحقوق السياسية والإنسانية من قبل الحكومات الاشتراكية الديمقراطية في أوربا الغربية، كان يغطي الاستهتار بسلامة وامن الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.

لكن أوربا الشرقية الاشتراكية لم تعد موجودة وتبدد محورها، كما انهزمت الحكومات الاشتراكية الديمقراطية التي حكمت بعض بلدان اروبا الغربية لفترات طويلة، وذلك لصالح اليمين واليمين المتطرف، الذي كشف بشكل كامل عن بشاعة مواقفه المنطلقة من دوافع أيديولوجية وسياسية واقتصادية وحتى نفسية. لذا وقف اليسار كما هو حاله دائما ضد الحروب التوسعية والاستيطانية، وضد كل أنواع الهيمنة ومد النفوذ على حساب مصالح الشعوب وكرامتها. وليست السياسة الإسرائيلية الاستيطانية، وإرهابها السافر وعنفها الوحشي، وأساليبها الفاشية البشعة وهي تقترف العدوان تلو العدوان، الا واحدا من نماذج الهيمنة الاستيطانية الاقتصادية والثقافية.

ويبقى على المثقف المتردد ان يتخذ موقفه واضحا بين الحرية والعبودية.

 

علق هنا