بغداد- العراق اليوم: مع غياب أي آمال بالتفاوض أو الحلول السلمية، تزداد الحرب السودانية اشتعالاً، وتنتقل إلى مناطق كانت حتى أمد قريب تصنف آمنة تستضيف النازحين، بينما يحبس سكان إقليم دارفور أنفاسهم وسط تصاعد العمليات العسكرية في مناطقهم، واحتدام الاقتتال القبلي الذي تجدد أخيراً. فبعد انتشار قوات الدعم السريع في مدينة ود عشانا في ولاية شمال كردفان قبل أيام، تمددت الاشتباكات بين الدعم والجيش السوداني إلى مدينة الأبيض، عاصمة الولاية. وأفادت مصادر ميدانية "النهار العربي" بأن المواجهات استمرت لأيام، بالتزامن مع قصف مكثف من القوات المسلحة في الأحياء الغربية، حيث دارت المواجهات الأعنف في المدينة التي لجأت إليها مجموعات من النازحين. وشهدت الأبيض في بداية الحرب مواجهات انتهت بتعزيز قبضة الجيش على الولاية، التي تعد الحد الفاصل بين إقليم دارفور والخرطوم، وتم إغلاق طريق تجاري يمر عبرها من أم درمان واعتباره هدفاً عسكرياً لتأمين المنطقة قبل أربعة أشهر. تمدّد المواجهات على أن شمال كردفان لم تكن الوحيدة التي شهدت خطر انتقال المعارك باتجاهها، فقد أصبحت ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم معرضة لنيران الدعم السريع بعد سيطرتها على مدينة العيلفون، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من العاصمة. وتحتوي المدينة على معسكرات للمتطوعين وحامية عسكرية للجيش. وذكرت مصادر ميدانية أنه تم سحب نقاط التمركز العسكرية في المدينة بسبب تصاعد المواجهات، كما شهدت المدينة تحليقاً كثيفاً للطيران الحربي وانتشار عناصر الدعم السريع على طريق الخرطوم - مدني حتى شرق ولاية الجزيرة، بالتزامن مع حركة نزوح لسكان العيلفون والقرى المحيطة بها نحو مدينة مدني وسط استنفار كثيف للشرطة والقوات المسلحة في المدينة التي تعد عاصمة الولاية الأقرب للخرطوم والتي استقبلت نسبة عالية من النازحين منذ بداية الحرب في منتصف نيسان (أبريل) الماضي. استياء من "بطء الجيش" ويشير خطر المواجهات في شمال كردفان والجزيرة إلى اتساع رقعة الحرب وتوغلها في مناطق جديدة، وهو ما هددت به قوات الدعم السريع أخيراً، وفقاً لما يقوله الناشط الميداني الطيب بلال. ويعبر مواطنون عن استيائهم من رد فعل الجيش "الذي يتحرك ببطء" بحسب بلال الذي يتابع في حديث إلى "النهار العربي": "منذ ثلاثة أيام تشن قوات الدعم السريع حملة قصف وضربات مدفعية على منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم وعلى منطقة كرري شمال غرب أم درمان، وصلت الأمور إلى حد تعطيل المستشفى الوحيد في الخرطوم من دون أن يتحرك الجيش، إذ يقتصر دوره على الدفاع عن مقاره فقط، ما يثير التساؤل بشأن ما يحدث على أرض الواقع. فقاعدة وادي سيدنا في أم درمان قادرة على صد هجوم الدعم السريع على آخر منطقة آمنة في ولاية الخرطوم، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن". ويتوقع بلال أن يكون هدف الدعم السريع إثارة ضغط شعبي على الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، بهدف دفعه للتوجه نحو جدة للتفاوض من خلال التقدم والاستيلاء على مواقع جديدة. تركيز على جبهة دارفور الخبير الميداني بابكر زاهر يتفق مع رؤية الطيب بلال بشأن محاولات الدعم السريع الاستفادة من أوراق جديدة للتفاوض من موقع القوة. ومع ذلك، يركز زاهر بشكل أكبر على إقليم دارفور. ويقول: "انسحب العديد من نقاط تمركز الدعم من الخرطوم، وكذلك في دارفور، باتجاه نيالا للسيطرة على مقر الفرقة 16 التابعة للجيش. وحدث ذلك بتدخل مباشر من عبد الرحيم دقلو، الرجل الثاني في الدعم السريع، والذي وصل إلى المنطقة للإشراف شخصياً على المعركة. ولكن الهجوم المتكرر فشل في اقتحام الفرقة المحصنة بقوة، ما دفع دقلو للاستعانة بقوات النخبة وتعزيزات عسكرية وصلت من تشاد والصحراء الليبية". ويعتقد زاهر أن قوات الدعم السريع في دارفور أكثر ثقلاً من باقي المناطق، وأن الاستيلاء الكامل على نيالا سيمنحها فرصة لإيجاد كيان قوي وتشكيل حكومة تدير مناطق سيطرتها، وهذا يفسر جزئياً السعي الحثيث للجيش لمنع سقوط المدينة، كما يقول زاهر. حرب من نوع آخر في المقابل، ثمة نار أخرى تشتعل في دارفور كما يشير الناشط الميداني سامر مكي، وهي خطر الحرب القبلية في الإقليم حيث تدور اشتباكات بين القبائل العربية، وخاصة بين قبيلتي السلامات وبني هلبة، وتقاتل كلتا القبيلتين في صفوف الدعم السريع. ووفقاً لمكي "كان ثمة توتر مستمر بين القبيلتين لفترة طويلة، ولكن الصراع اشتعل في الفترة الأخيرة لدرجة أن مقاتلي القبيلتين انسحبوا من الخرطوم لمساندة عائلاتهم في دارفور". ويرى الناشط المقيم في دارفور أن "الحرب القبلية ستكون عاملاً مؤثراً في تماسك الدعم السريع أولاً وفي المشهد العام في الإقليم، بخاصة أن لكل قبيلة امتدادتها في العمق الأفريقي باتجاه تشاد وليبيا، حيث شنت هذه المجموعات هجمات على القبائل الأفريقية، ولا سيما المساليت قبل عشرين عاماً ولكن لم يوحدها إلا هذه الحرب لتعيش مرحلة توتر انفجرت أخيراً بالصراع الحالي في ما بينهما". ويوضح مكي أن وساطة زعيم قبيلة الزريقات موسى هلال فشلت في تهدئة الوضع، بينما نجح عبد الرحيم دقلو في إعادة جمعهما مرة أخرى، لكن الاقتتال تجدد بينهما في نيالا فيما كان الدعم السريع يواجه الجيش السوداني.
*
اضافة التعليق