مثقفون عراقيون يتحدثون لـ "العراق اليوم" عن دور الحزب الشيوعي في رفع سقف الثقافة العراقية

بغداد- العراق اليوم:

بعد عقود طويلة على بناء الدولة العراقية الحديثة، وما يمكن ان ينسب لـ " الاباء المؤسسيين " لهذه الدولة، سواء اكانت قوى داخلية او خارجية، في ترسيخ مبادئ وأسس الدولة  "البيروقراطية الادارية، او الاعراف والتقاليد السياسية، فأن ثمة تأسيس موازي  كان ولايمكن ان ينسب الا للحراك الشيوعي المبكر الذي شهده العراق بعد تحرره الظاهري، وهو تأسيس وطني صرف، لا تأثير عليه، ولا يتأثر الا بالبيئة العراقية الحاضنة له، نعني بذلك بناء ثقافة عراقية وطنية تقدمية جامعة، نجحت قوى اليسار بترسيخها ومد جذورها عميقاً في التربة العراقية، ولذا فأن كل اصحاب  المقولات او من بحثوا بتاريخ الثقافة العراقية، لا يمكنهم أن ينكروا دور هذا الفصيل الوطني في التأسيس الاول، والاستمرار برفد المشهد الثقافي العراقي بل والعربي وحتى الانساني، بأسماء ومفاهيم ثقافية حية نابضة بروح الابداع، وتتلمس معاناة الانسان، كما يقول كتاب واكاديميون التقاهم " العراق اليوم" للحديث  عن دور الحزب الشيوعي في رفع سقف الثقافة العراقية:

اليسار العراقي: قرين الإبداع

يرى الناقد والاكاديمي العراقي الدكتور سعيد الجعفر، ان الابداع صنو الحركة التقدمية العراقية، ووليدها الشرعي، يقول الجعفر لـ العراق اليوم:  "اقترن الابداع في العراق والثقافة باليسار العراقي ولو اخذنا مبدعينا الكبار أنموذجا لوجدنا أنهم جميعا ينتمون بشكل ما الى الخندق اليساري فالسياب والجواهري والبياتي وحسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف ويوسف الصائغ ومظفر النواب ،  كانوا يساريين في جزء كبير من  سيرتهم الذاتية ومضمون ابداعهم "

ويضيف " حين ننتقل الى الابداع في المجالات الاخرى لوجدنا ان كبار مبدعينا وعلمائنا كانوا يساريين، او في خندق قريب من المنهج الماركسي  كعبد الجبار عبد الله وعلي جواد الطاهر وفيصل السامر وسليم طه التكريتي وغائب طعمة فرمان ويوسف العاني وابراهيم جلال وسامي عبد الحميد "

اشكالية الفكر

لكن الجعفر يرى ان ثمة اشكالية في عموم نتاج الثقافة العراقية، وهي ابتعادها عن حقول الفكر الى حقول بديلة، يقول "  بيد ان اليسار العراقي المؤدلج والعقائدي الصرف لم ينتج مفكرين على العكس مما حدث لليسار العربي الذي ظهر في خندقه مفكرين كبار كحسين مروة ومهدي عامل ومحمود أمين العالم وإلياس مرقص وغيرهم الكثير ".

لكنه يعود ليؤكد " ’باختصار كان للحزب الشيوعي دور مركزي ، لا ينافسه فيه اي حزب آخر ، في بناء ثقافة عراقية اصيلة رصينة وحداثوية تنشغل بمعاناة الانسان البسيط من عامل وفلاح ، وتنشغل وبشمل متميز بمعاناة المراة العراقية وتدافع عنها بلا كلل..يقول الجواهري :لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ -     تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا، وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا - فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا".

الكاتب والسيناريست العراقي، شوقي كريم حسن رأىـ ان الحزب الشيوعي العراقي يمثل عصارة الفكر الوطني، وجزئه  الأهم في الذاكرة الجمعية العراقية، يقول حسن لـ " العراق اليوم " ، "  يشكل الحزب الشيوعي العراقي الجزء الأهم والأكثر وضوحا داخل الذاكرة الجمعية السياسية منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة. وكانت لمواقفه الوطنية ونضاله الأهمية التي لايمكن نسيانها او تجاوزها".

فشل الجبهة: دوام المشروع 

 ويضيف " ظل هذا المنهج قائما حتى بعد ان فشلت تجربة الجبهة الوطنية وعاش الحزب ما يمكن ان نسميه التيه الوطني.. اخذته المهاجر الى جهات شتى لكن القراءات تشير الى ان الفكر الماركسي "اللينيني" وتجربة الحزب الشيوعي بدأت تنال المتابعة وخاصة مع الاجيال الشابة التي كانت تبحث عن البديل الأيدلوجي".

بعد التغيير: استقطاب شبابي

ويرى حسن ان ثمة استقطاباً واضحاً اخذته الثقافة الشيوعية من جديد وهي تبني نظرية وطنية جامعة بعد ان تفرقت السبل بالعراقيين بسبب المشاريع المتناقضة، يقول " كان ثمة دكتاتور وصراخ ات من الخارج.. ومعاني فكرية رصينة تتحرك بقوة ولكن بحذر وبطء بعد التغيير شكلت النظرية الشيوعية العراقية الظاهرة الأهم في الحراك السياسي.. تمددت بسرعة واستطاعت ان تحرك الشارع ضد كل انواع الانحرافات.. كان الحزب الصوت الاوضح والادق في المطالبات الجماهيرية.  وكان الاوضح فكرا في تقديم مناهج ادارة الدولة ولهذا بدأت الهجمات تلاحقه في السر والعلن وعلى ذات المنهج القديم.. لكن الامر تغير اليوم وتجد جماهير الحزب وانصاره في ازدياد.. لقد اثبت الحال ان الشيوعية العراقية.. قيم ومباديء واخلاق.. فتحية لشهداء النضال الوطني الشيوعي العراقي.. تحية لكل من امن بانسانية الانسان ووطن حر وشعب سعيد".

الوطنية: قبل كل شيء

الكاتب صباح الزبيدي، يتحدث عن  المسيرة السياسية لهذا الفصيل الوطني العراقي، ويرى انه كان الاكثر مساهمة في النضال السياسي، يقول " كان الحزب الشيوعي طيلة العقود السبعة الماضية مساهماً مع بقية احزاب شعبنا الوطنية والديمقراطية، في نضالات الشعب، في هباته وانتفاضاته وثرواته وسائر معاركه المجيدة، ومنها دوره في انتصار ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958.

ويتابع " كان الحزب في مقدمة المضحين من اجل انتصار قضية الشعب وتحقيق اهدافه، وعلى هذا الطريق قدم الالاف من مناضليه وبضمنهم الكثير من قادته وكوادره، يتقدمهم يوسف سلمان يوسف (فهد) وزكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي (صارم) وحسين احمد الرضي (سلام عادل) وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي، الذين قدموا حياتهم فداء لقضية الشعب والوطن. وعانى الالاف غيرهم صنوف الحرمان والالام في سراديب التعذيب وفي السجون والمعتقلات، وفي ظل ظروف الاختفاء والحرمان من العمل، كما في المنافي، وغير ذلك من مظاهر التعسف والاضطهاد ،  فالشهيد الخالد يوسف سلمان فهد واثناء محاكمته قال قولته الشهيرة : "لقد كنت وطنياً قبل أن أكون شيوعياً، واصبحت اكثر وطنيةً بعد ان صرت شيوعياً". و لقد حاول نوري السعيد ثني الشهيد فهد  عن أفكاره ونشاطه السياسي مقابل إصدار العفو عنه  وعن رفاقه فكان رده المعروف "لو قدر لي أن أخلق من جديد لما اخترت غير هذا الطريق" وصعد الشهيد فهد مشنقته وهو يهتف "الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من أعواد المشانق" .

متلازمة المثقف والشيوعية  

الشاعر والصحفي جمعة الحلفي، قال لـ " العراق اليوم "  ، " منذ الخمسينات كان الوسط الثقافي هو البيئة الأولى التي استقبلت واحتضنت الأفكار الماركسية والتقدمية وبعدها جاء الحزب الشيوعي ليعزز هذه المكانة".

واضاف " لقد لعب الحزب دورا مشهودا في رعاية أجيال من المثقفين الذين تشربوا هذه الأفكار بوصفها أفكارا جديدة تنطلق من مبادئ العدالة والمساواة ونصرة الفقراء ومقارعة الظلم والاستبداد".

وأشار " لذلك لا يمكن الحديث عن الثقافة الوطنية العراقية من دون الحديث عن جذر العلاقة بين الحزب الشيوعي وهذه الثقافة. وللمثال كان الوسط الشعبي وحتى وقت قريب، يعد المثقف، أي مثقف، شيوعياً بصرف النظر عن انتماء هذا المثقف" .

رحلة التأسيس الأولى

الكاتب فريد شاكر، رأى ان  " الحزب الشيوعي العراقي هو احد ابرز واهم الاحزاب السياسية اليسارية العريقة على الساحة السياسية والحزبية والتنظيمية العراقية ، وقد سبقه تشكل الحلقات الماركسية من قبل عدد من المثقفين العضويين النخبويين،الذين تأثروا بالأفكار التقدمية لآباء الماركسية اللينينية ،والتي تسلحوا بها واعتنقوها اعتناقاً فلسفياً وجدلياً بفضل المؤلفات والكتب والمطبوعات الماركسية ، التي احضروها من سوريا ، وأقبلوا على دراستها وقراءتها والتعمق فيها .

ويضيف " راح هؤلاء المثقفون الواعون من حملة الفكر التقدمي الانساني والعمالي الطبقي الايديولوجي الماركسي يؤسسون العديد من الحلقات الماركسية على امتداد العراق ، وذلك بهدف شحن الجماهير وتجذير وتعميق افكار الحرية والتقدم والديمقراطية والثورة الطبقية على الظلم والاستغلال والاستلاب . ووقف على رأس هذه الحلقات الرفاق حسين الرمال وعوني بكر صدقي ومصطفى علي وعبداللـه الجدوع ومحمد الحمد وسواهم .

وعن سبل نشر هذه الثقافة الانسانية، يقول شاكر " لتحقيق اهدافهم بادروا الى اصدار مجلة "الصحيفة" كنشرة تعبوية ، صدر العدد الاول منها في 28ايلول عام 1924، وطرحت على صفحاتها قضايا العراق المفصلية ،وعالجت الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية فيه، وركزت هجومها على الاستعمار والاقطاع والراسمال والبرجوازيات ومظاهر الطائفية والعنصرية البغيضة . لكن هذه المجلة لم تستمر طويلاً نتيجة القمع الذي تعرضت له من قبل السلطات العراقية الحاكمة آنذاك ، التي قامت باغلاقها على خلفية توجهاتها الماركسية ومواقفها النقدية الجذرية المناهضة .

ويضيف " اسهم الحزب الشيوعي العراقي في نشر وتكريس الوعي الوطني والطبقي والتثقيف بأهم القضايا والمسائل والمهام،التي تواجهها الحركة الوطنية العراقية والنضال في سبيلها ، وتعزيز كيان العراق السياسي ، ومحاربة الفقر والبطالة والتخلف الاجتماعي والتعسف الاقتصادي . وركز على اهداف المرحلة الوطنية التحررية في الاستقلال والسيادة الوطنية وقيام نظام حكم وطني ديمقراطي ، والنضال من اجل الوحدة الوطنية بين القوميات المتآخية ، والعمل من اجل علاقات متبادلة مع الشعوب العربية ، والنضال الحازم ضد الصهيونية كحركة عنصرية، وايجاد سبل التعاون مع الانظمة الديمقراطية ".

الصحافة الشيوعية الرائدة

ويتابع: "كذلك اولى الحزب الشيوعي العراقي وسائل الاعلام والنشر اهمية كبيرة فأسس دار "الحكمة للطباعة والنشر" ، التي طبعت ونشرت الكراسات التثقيفية والتعبوية والايديولوجية ، التي شارك فيها الرفيق فهد والرفيق حسين الشبيبي، عضو المكتب السياسي للحزب في حينه، ومن ابرز عناوينها :" الاستقلال والسيادة الوطنية " و"الجبهة الوطنية الموحدة طريقنا وواجبنا التاريخي " و"مستلزمات كفاحنا الوطني " و"البطالة اسبابها وعلاجها" و"الوحدة والاتحاد العربي" وغير ذلك .ولعبت صحيفة الحزب المركزية "طريق الشعب" دوراً ثقافياً وتعبوياً وتحريضاً هاماً في معارك الكفاح الوطني والطبقي ، ومعارك الخبز ، ونشر الثقافة الجديدة ، ثقافة الشعب والطبقة العاملة الكادحة ، الثقافة الطبقية . وعلى امتداد مسيرته الطويلة الغنية بالعطاءات والنضالات والتضحيات الجسام ، واجه الحزب الشيوعي العراقي الكثير من المصاعب والمعوقات ، وتعرض اعضاؤه للملاحقات والمضايقات السلطوية والبوليسية والاعتقالات التعسفية القمعية والمواجهات التصفوية ، وذاقوا جميع الوان القهر والكبت والتعذيب والترهيب والتصفية الجسدية وحبال المشانق .لكنه اجتاز كل العراقيل، وصمد امام الطاغوت والقمع الارهابي ، وتمكن من استعادة وتعزيز نشاطه وقيادته للحركة الوطنية في العراق ، مواصلاً النضال البطولي والكفاح الوطني المثابر والدؤوب دون كلل ، وليس نضال مواسم ، وعمل على زج كل الطاقات الشعبية في زخم العملية الثورية ، ونجح في خلق اسس وتقاليد لها ، وفي تطوير مسيرتها الكفاحية المظفرة ".

علق هنا