بغداد- العراق اليوم:
جبر شلال الجبوري
كنت قد أشرتُ في كتاباتٍ سابقة إلى أنّ الكتابةَ مرضٌ عضال يُصاب به كلُّ إنسان غيور على مصلحة وطنه وشعبه وأرضه وحضارته ودينه، والكاتب المُلتزم عندما يكتب يعبّر عن رأي الناس بكلّ الأطياف والتلاوين القُزَحيّة المؤالفة بينهم، لأنه يرى المشاهدَ العامّةَ بمنظور المسؤول عن كل ما يسمعه ويشاهده وعليه أن ينقله بأمانة وأخلاص ولا يلتفت وراءَه أو يفكّر بالنتائج السلبية التي ستلاحقه بسبب هذا المنظور الإيجابيّ المُشرِّف، وكم تعرضنا خلال عملنا الطويل في هذا الجانب لمشاكل كثيرة وصلت إلى حدّ التهديد بالقتل والذبح والقذف والهجاء ومن قِبل أقرب الناس الينا، لكنّ قناعتَنا راسخة بأنّ المريض لابدّ له من أن يتناولَ الدواء للتخلّص أو للتخفيف من معاناته وأوجاعه، حتى أصبحت الكتابة دواءَنا الذي نموت من دونه. إنّ بلدَنا الحبيبَ العراق الذي أحببته من خلال طيبة شعبه الكريم الذي يَمرّ بأزمة خطيرة ومستقبلٍ مجهول نتيجة لفقدانه لهويته الحقيقية التي أشدّها خطراً يتمثّل بالجهل الذي يخيّم على الناس العراقيّين، بحيث لم تعد العائلة مهتمة بتعليم أبنائها لأسبابٍ اقتصادية ومعاشية بحته، فالأطفال يملأون الشوارع وبعمر الزهور، فذاك يمسح سيارتَك وتلك تعرضُ علبةَ علكةٍ على الزبائن وعجوز تحمل قنينةَ ماءٍ وشيخ مُسِن يُدلي بمسابحَ للبيع، وهكذا تجد كلّ معاناة الناس في الشارع رغمَ أنّ الحالةَ ليست وليدة اليوم ولكنها كثرت خلال السنوات العديدة الماضيات بعد السقوط المدوي للبعثيين نتيجةً لما ترشّحَ من فساد الطبقة السياسية المتعاقبة، حتى أصبح الفساد متفشياً بين الصبية والعجائز والشيوخ الذين يفترشون الشوارعَ وأرصفتَها حيث كلُّ واحدٍ منهم ينتمي لجهة سياسية تحميه من ملاحقة الأجهزة الأمنية التي تمنعهم من مزاولة عملهم المخالف للقانون. كل ذلك يحدث الآن وفي كافة المحافظات الشمالية والجنوبية دون أن يرفَّ جفنٌ للحكومات العراقيّة المتعاقبة من أجل العمل والتشمير عن السواعد لإنهاء هذه المهزلة الغريبة على حياة العراقيّين ! لذلك، أيّها السادة والذوات المسؤولين يا أصحاب المعالي والفخامة والسموّ الرابضين في معاقلكم على رأس السلطة والقرار، اقرأوا مانكتب فنحن عراقيّون ويهمّنا جداً مستقبلَ الوطن الذي يجب أن نتشاركَ في أفراحه وأتراحه ، فوالله نحن عراقيون، أكرّر القسَم ..والله نحن عراقيون، وأنتم تعرفون ذلك جيداً ولكنكم تتجاهلوننا وتطلقون ضدّنا أنواعَ التُهم أقلّها الخيانة والعمالة واللعب بالدولار وما إلى ذلك من كلام غريب وعجيب، واستتباعاً لتوكيد الارتباط الأبدي بالأرض الأم وبالمبادئ السامية التي تربّينا عليها ستبقى جنسية بلدي الحبيب التي أحملها وأحتفظ بها وسط قلبي المثقل بالهمّ والألم الذي تُثيرُهُ مشاعرُ الفراق، ذلك القلب الذي على مايبدو أخذَ يعمل بنصف طاقته بعد أن أعلمني الطبيب بأنّ تلك الأعراض المرضيّة نتجت بفعل الفراق (الهومسك) ونتيجةً لمؤثّرات الظروف المُحزنة التي يعيشها أبناء بلدي من فقر ومرض دون أن نرى ضوءأ في نهايةِ مثلِ هذا النفق المظلم الذي وضعنا أنفسَنا فيه، أتحدّث بصيغة الجمع هنا وليس بصيغة المفرد باعتبارنا شركاء في الوطن تجاه قضيّة الشعب في نبل الحقوق بالرفاه المشترَك وتكافؤ الفُرَص وفي عدالة توزيع الثروة لبلاد الرافدين على جميع أبناء البلد من الشمال الحبيب إلى أقصى الجنوب المُرادِف لهذا الحبّ العراقيّ المُقدّس. ماذا يحدث لو كلّ إنسان فينا يعرف حجمه الطبيعي ويتصرّف على أساسه، ماذا يحدث لو يجتمع الجميع تحت راية واحدة وهدف واحد من أجل خدمة العراق والعراقيّين جميعاً، ماذا يحدث لو أستمعنا لآراء الناس وقرأنا مايكتب الصحفيون والمفكّرون والكتّاب والأدباء؟ ولأنّ في التذكير عِبرةً فإنّ العراقَ بحاجةٍ إلى تكاتف الجميع حكومةً وشعباً، سيّما وإنّ البلدَ حباه الله بكلّ الخيرات، وثرواته كثيرة لاتُحصى من نفطيّة ومعدنية وسياحيةعامّة وسياحيّة دينيّة، بحيث تكفي احتياجات الجميع مثلما أرضه الواسعة التي تسع الجميع، فكونوا على قدر المسؤولية الأخلاقية التاريخية تجاه العراق ياساسة العراق، ذلك لأنّ (الأيّامَ دولٌ فيوم لكَ ويومٌ عليك) كما قال أميرُ المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (فإن كان لك فلا تبطر) وها أنّي أذكّر بالآية الكريمة ..(والعاقبةُ للمُتّقين).
*
اضافة التعليق