بغداد- العراق اليوم: الأدغال الضارة ومن وراءها
الدكتور جاسم الحلفي تتكاثر الأحزاب بإفراط لا معنى له، مثل الأدغال الضارة. ففي كل يوم نسمع بتشكيل حزب او أكثر، حتى كأن تكوينها اصبح مهنة من لا مهنة له. أحزاب لا علاقة لها بالعمل الحزبي الصحيح، ولا ينطبق عليها التعريف العلمي للحزب، ولا تملك فكرة او رؤية سياسية. شعاراتها فضفاضة بلا ملموسية، وكلامها مكرر لا تفاصيل فيه لبرامج، ولا آليات تطبيق، ولا ضمانات التزام بالوعود. مؤسسوها لا يفقهون واجبات الحزب او مستلزماته التنظيمية، ولا دوره في الحياة السياسية، ولا حتى كيفية صنع القرار فيه واتخاذه. أحزاب - دكاكين معروضة للبيع، لا تتجاوز مساحة أيِّ منها المدى الذي تبلغه يد مموّلها، ولا يشكل الوطن ميدانا لنشاطها. ولا يبدو ان اغراق الساحة السياسية بهذه الأعداد الكبيرة من الأحزاب، جاء مصادفةََ او من دون محرك. بل ويتبين ان القوى المتنفذة تقف وراء هذه الظاهرة السلبية، التي تبتغي من خلالها بلوغ اهداف عدة، يتصدرها هدف تشويه الحياة الحزبية. فما دام المواطنون قد سئموا أحزاب السلطة، فعليّ وعلى اعدائي يارب! وليشمل سأمهم وازدراؤهم كل الأحزاب، وبضمنها تلك المناهضة لهم. ذلك ان تشويه الحياة الحزبية ومسخها، بأي شكل وأية وسيلة، يصب هنا في مصلحتهم وهومن أهم غاياتهم. وقد اتخذت الأحزاب التي يتواصل تشكيلها والإعلان عنها كل يوم، من الديمقراطية والمدنية والتشرينية والتغييرية أسماء لها، لتوحي بانها تعارض أحزاب السلطة. لكن هذا لا يخفي عن اللبيب الغاية الحقيقية الواضحة من ذلك، وهي التمدد في ساحة المعارضة لأحزاب السلطة، كي تقضم من جرفها. ان القوى المتنفذة لا تتوانى عن اللجوء الى أي فعل، مهما بلغت خسته، ما دام يصب في مصلحتها ويسهم بصورة مباشرة او غير مباشرة في إدامة وجودها. وها هي تعمل على الوصول بوسائلها الشائنة الى ساحات المعارضين لها، بعد ان كشفت لها الانتخابات الماضية مدى تراجع نفوذها بين الناخبين، وحجم عزوف هؤلاء ومقاطعتهم للانتخابات، التي بلغت نسبتها 80 بالمئة، ولم تتجاوز نسبة المشاركة 20 بالمئة. والمعروف ان نسبة كبيرة من تلك الأصوات حصدها التيار الصدري، الذي لم يشترك في الحكومة وانسحب من مجلس النواب، فيما حازت القوى والشخصيات المدنية او التي خاضت الانتخابات باسمها واسم الانتفاضة على نسبة عالية اخرى من تلك الأصوات. واذا طرحنا أصوات القوى الكردستانية التي لها ساحتها الخاصة، ولها ما لها وعليها ما عليها، فان النسبة المحدودة الباقية يتقاسمها طرفا الطائفية السياسية، وهي لا تتجاوز 5 بالمئة في احسن الأحوال. لهذا فان الطغمة الحاكمة، بسعيها الحالي لتشكيل "أحزاب" مدنية بالجملة، تحاول الاستحواذ على الساحة البعيدة عنها والمعارضة لها، يدفعها الى ذلك الرعب من توجه العازفين والمقاطعين نحو قوى التغيير المنشود.
*
اضافة التعليق