(قيادات الخراب)

بغداد- العراق اليوم:

الدكتور  شاكر كتاب

في كل الانتكاسات التاريخية الكبرى التي تعرضت لها الدول والشعوب والأحزاب نجد ان السبب الأكبر في وقوعها هم ما نسميهم بــ "القادة". هؤلاء نفر من رجال يوهمون شعوبهم وأتباعهم بجذورهم الإلهية السماوية وبقدراتهم الخارقة ويوهمون الناس بعدوٍ متخفٍ يقبع في الظلام أو وراء الحدود وينبغي التصدي له وبهذا تتم تصفية الجبهة الداخلية (داخل الدولة او المجتمع او الحزب) لصالحهم وصالح بقائهم جاثمين على صدور شعوبهم وأتباعهم. وبما ان الناس قد آمنت بهم وبما يقولون فخذوها إذن: تعالوا اصطفوا وراءنا. تهيأوا للتضحية بالغالي والرخيص. وكونوا على استعداد للقتال "وقاتل حتى قتل". والقائد الفذ يقبع في جحره محاطا بشتى انواع الحمايات والدفاع وشروط السلامة. انظروا تاريخ الحروب كلها. تجدون قائدا كسيفاً وضيعاً يقف وراءها. واحسبوا اعداد الضحايا والقتلى الذين ذهبوا فداءً للقائد الفلتة المنزّل سليل النبوة والتاريخ التليد. تابعوا تاريخ الصراعات السياسية والحروب الأهلية الداخلية تجدون ان زعماء تافهين لا يعادلون في حقيقتهم أبسط الأثمان لأحزاب أكثر تفاهة منهم هم الذين دفعتهم نزواتهم القذرة ورغباتهم في القتل والانتقام وتفجّرت من دواخلهم ثقافاتهم الهمجية الملطخة بكل عبارات اللاإنسانية واللا وطنية وغير الحضارية ، ودفعوا بدورهم اتباعهم مستثمرين كونهم بسطاءَ فيحسبونهم أغبياء لتنفيذ مآربهم المريضة فتروح الدماء تسيل والأرواح تزهق والبيوت تخرّب والمدن تدمّر وتنقضي أجيال وعائلات لتتحول الى فناءٍ تامٍ والله شنو حتى القائد يرتاح وينام قرير العين والخاطر. لتحلّ اللعنةُ بكل معانيها على هكذا قادة وهكذا قيادات بما فيهم الفقاعات الجديدة التي أفرزتها ظروفنا الغبراء الحالية وأنجبتهم ظلامات الحظ الأسود الذي يضع يده الكريهة الثقيلة على وريد بلادنا منذ عام 2003.                            الردّ الأنسب والحاسم على كل هذا الكابوس المهيمن على عقولنا وأرواحنا هو الديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس الاختيار الواعي والمسؤول للقيادات المحكومة بقوانين وشروط لا يسمح لهم بتجاوزها أبداً وأن يعودوا الى الشعب وقواعد وكوادر أحزابهم في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.                   على شعبنا العراقي ان يتحرر اولاً من أوهام القادة المنزّلين باعتبارهم أولياء الله على الأرض ويتذكر أنهم بشر مثلنا وانهم يجب ان يخضعوا للمحاسبة والمراجعة بين حين واخر وأنهم لا يتمكنون من البقاء في مواقعهم أكثر من دورتين قصيرتين أو دورة واحدة أطول بقليل من الدورة القصيرة. على شعبنا الصابر المحتسب ان يقطع نهائياً جذور الوهم بقدسية هؤلاء أو بمعصوميتهم أو بكونهم معجزات ربانية. هم ليسوا الا بشر مثلنا لا يعلون علينا بشيء. لكنهم مهرة في اصطياد الفرصة وفي توظيفها وفي استغلال ثقة الآخرين بهم. اخرجوهم من صياصيِّهم "أوقفوهم إنهم مسؤولون ". ثم ها هم قد خانوا الأمانة ويخونونها دائما وسيخونونها قريباً ، "وسيرى الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون".

علق هنا