بغداد- العراق اليوم:
حيدر قاسم
واصل الشاعر فالح حسون الدراجي، وجرياً على التقليد السنوي الذي يدخل عقده الرابع، احتفائه الخاص بذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي، فقد اضاء هذه المرة، في اغنية جديدة كتبها لهذه المناسبة على سؤال جوهري و محوري، و حقيقي ايضاً، وهو السؤال عن سبب هذا الحب، وهذه الهيبة والمهابة التي يتمتع بهذا الحزب، و هذا الرأسمال الرمزي (رغم ان الحزب ضد الرأسمالية بشقها المادي) في صفوف فئات الشعب العراقي عامةً، وحتى الشارع العربي و الحركات النضالية و التقدمية في مختلف بقاع الأرض. سؤال أغنية الدراجي الجديدة، قائم على محاولة استنطاق واستقراء هذه المقبولية، و هذا الإنعكاس الإيجابي الراسخ في وجدان الشعب العراقي، حتى وأن لم يتحول هذا القبول الى فعل سياسي على أرض الواقع خلال السنوات الماضية، والأسباب عديدة، ليس أقلها الإنقسام العميق الذي ضرب المجتمع العراقي، و قواه الفاعلة، وأيضاً سنوات الدكتاتورية القمعية التي غيبت صوت التقدمية العراقية، وأطلقت العنان للأصوليات المتشددة لتمد رأسها ( الرجعي) عميقاً في ساحة يائسة ومحاصرة، و مستلبة كالساحة العراقية التي حطمت الدكتاتورية البعثية الصدامية أي معالم لفعل سياسي يحاكي المشكل الطبقي الذي هو جوهر الصراع، وأساس الحراك.
أن ميل الشارع العراقي الى هذا الحزب المناضل، على الأقل عاطفياً، كما يراه الشاعر في نصه الغنائي الجديد، ينبع من عوامل عديدة، ليس اقلها ابتعاده عن التورط بأي اعمال عنف، أو فساد بكل أنواعه، بل بقاء صفحة الحزب بيضاء رغم السواد العميم الذي طغى على المشهد، و دنس الجميع تقريباً، لكن الشيوعيين بقوا ايادٍ نظيفة نزيهة، وظلوا مثالاً للوطنية والصدق و الإمانة في أي مسؤولية تحملوها، و في أي مفصل حلوا به. لذا يرى الدراجي أن " مهابة" و "عظمة" و " تقدير" الناس للحزب الشيوعي، رغم أنه لا يملك جيشاً ولا شرطة، لا مليشيا، ولا جماعة مسلحة، لا ارتباط خارجي، ولا دهم دولي، هي حالة صدق ناصعة، و علامة دالة على مشاعر خالية من النفاق او التزلف الذي قد يمارسه البعض لمن يمتلكون السلطة أو اداة من ادواتها: يقول الشاعر :
ليش الناس تهابك ليش وبيك تثق وتأمن ليش لا عندك سلطة وتغريهم لا عندك ثروة وتشريهم ولا عندك شرطة ولاجيش هاي الناس تهابك ليش؟ و في المقطع الأول من الأغنية، يعرفنا الدراجي بالطبقة التي تحب هذا الحزب، و تعشق أفكاره، وتحتفي نهاية كل أذار ( 31 آذار) بذكرى تأسيسه، أنها الطبقة الأوسع، الاشمل، الاعم من الشعب، انهم الفقراء، يقول : ليش الفقره تحب افكارك وتعيٌد بآخر آذارك ليش الناس تدوٌر اخبارك وغيرك ما يعنيهم ليش ؟ و يمضي ليخصص من تلك الشريحة الواسعة، ايضاً نماذج الشرف والكفاح و العمل، وهما رمزا هذه الطبقة المهمة، (العامل، و الفلاح) ابناء الحزب، واصدقاؤه، وعموده الفقري، و لذا ترى (الفاسد) ايضاً يرتعش و " يرجف" خوفاً من سلطة هولاء و قوتهم بالحق، حيث يقول : ليش العامل بسمك يهتف والفلاح براسك يحلف وليش الفاسد منك يرجف وإنت أبلا سلطة ولا جيش في مقطع اخر من الأغنية، يعلنها الشاعر بصراحة، أن " مواله" لن يصدح الإ لهذا الصرح العالي الذي يعشقه الفقراء و عامة الشعب: ياهيبة وياصيت العالي ياغالي واغله من الغالي لعيونك يصدح موالي ولغيرك ما يصدح ليش و لأن الحزب الشيوعي العراقي، كان المدرسة النضالية الأكثر اتساعاً، و الاكثر حضوراً في ساحات الحب و الثورة، فأن رايته " الحمراء" ستظل علامة فارقة في التاريخ السياسي للأحزاب العراقية، التي بدأت و أنتهت، لكن هذه الراية ستبقى مرفوعة في الأعالي، ما دامت تمت لمبادئ العدالة الاجتماعية بصلة والى الأبد، إذ يقول : يارايات الحب والثورة بجالك مهيوبة ومعتبره اشگد حلوة الرايات الحمره وماكو اجمل من عدهن ليش ؟ —————— ليش الناس تهابك ليش وبيك تثق وتأمن ليش لا عندك سلطة وتغريهم لا عندك ثروة وتشريهم ولا عندك شرطة ولاجيش هاي الناس تهابك ليش
هذا النص المتنوع و الفكري ايضاً، حوله ببراعة المطرب و الملحن الصاعد عمر هادي، الى أغنية جميلة، يضيفها الى مكتبة الأغاني الرائعة التي تحتفي بذكرى تأسيس هذا الحزب الوطني، وستظل جزءاً من تأريخ ماثل لكل جيل يريد أن يعرف حكاية " حزب وشعب" لم ينفصلا عن بعض رغم سنوات القسوة و المحنة و الألم. شكراً للدراجي .. شكراً لعمر هادي، وهنا يتحفان مسيرة الغناء الوطنية بأغنية شعبية عاطفية مؤثرة.. وكل عام والعراق وقواه الوطنية التقدمية بخير ..
*
اضافة التعليق