آباء في الذاكرة

بغداد- العراق اليوم:

محمد مؤنس

 في مدينة الثورة التي بناها الشهيد الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، وفي قطاع (43) وبالتحديد في شارع ستين الذي يربط شارع الفلاح بمستشفى الجوادر، هناك كان لقاؤنا نحن عصبة المخالفين لكل ما يمت لحزب البعث الفاشي وأفكاره المقيتة  ..نحن مجموعة ( الافرارية) كان لقاؤنا عند بيت الحاج حسون نوري ، والد الشهيد خيون الذي تصدى لجلاوزة الأمن الصدامي ليلقي عليه القبض ويعدم فيما بعد .( والحاج حسون هو  ايضاً والد الاخ والصديق فالح حسون الدراجي.. الصحفي والشاعر .. لمن لايعرف) . نعم ذلك هو البيت الذي تحمل كل اسقاطاتنا في عز شبابنا وفورة تمردنا وعبثنا وصخبنا ..هناك حيث كان يمر الحاج حسون ونحن جالسين في بيته بسحنته البيضاء المشرئبة باحمرار يخالط وجنتيه، والشيب يكلله.. هادئا ،وقورا ،صامتا ، كأنه راهب او قديس، ماسكاً سبحته ويتمتم بكلمات لا نكاد نسمعها أشبه بابتهال او دعاء ..هناك عندما  كان يمر  قربنا ينتابنا ما يشبه تأنيب الضمير والخجل منه لما نحدثه من شغب وصياح . اما عنه فهو لم يكن يبالي بما نحن فيه من ضجيج وفوضى وكلام مشتت غير متطابق، كان يلقي التحية ، السلام عليكم ، ثم يدلف الى رواق البيت محدثا ام خيون ( ها سويتي غده للخطار) فتيجبه : أي نعم فعلت قبل مجيئك...لا أذكر أن الحاج أبا خيون سأل عنا ..من نحن ؟ او من أي عشيرة..أو من أي فخذ ..أو من أي مذهب..أو لماذا كل هؤلاء الأغراب في بيتي؟ لم تخطر هذه الأسئلة على لسانه او في باله ..بل نحن من كانت تلح هذه الأسئلة في نفوسنا غير المستقرة..هو كان على يقين بأننا أصدقاء وأصحاب فالح وهذه كانت كافية عنده. نعم حين أتذكره ذلك  عهدي به... اليوم وانا أجتر  كل ذلك، يخطر ببالي أن أقول وصفا لتلك  الدار التي عشنا فيها سنينا طوالاً وذكراه تتجدد في الضمير  :

ها هنا كان محفلاً وذكرى ووفاء

لدار مليء بالمحبة والأصدقاء

ذهب الموت بأغلى أب

وثوى في الترب ذلك النقاء

آه من جرح عادت به ذكرى

رغم انطواء الجرح على مر الآباء

رحم الله الحاج حسون نوري وجميع من فارقنا الى عالم الغيب والشهادة.

بيت الحاج عبد الحسين صجم

غير بعيد عن مكان بيت الحاج حسون نوري (أبو خيون) .. في القطاع الذي يسبقه اقصد قطاع 40 كان بيت الحاج عبد الحسين صجم هو مأوانا الثاني، ذلك البيت الذي يشع هلا ومرحبا لكل قادم، غريبا كان أو صديقا .فالبيت تديره الحاجة عوجيه وما أدراك ما عوجيه تلك المرأة البطلة التي حمت وانقذت 35  شخصا بعد الانتفاضة الشعبانية منهم من يتصدر في المشهد السياسي الان، وقد أنكروا فضلها اليوم! ..عوجيه التي لم يذكر البخل في قاموسها..ورب الدار  صانع الخير والساعي اليه المرحوم عبد الحسين صجم ابو ( سعد) ..ذلك الرجل الذي لم تفارقنا ملامحه ابدا ..بقامته المديدة ووجهه الطلق وابتسامته التي تطمئن القادم وعقاله الذي لم يفارق رأسه وتحته الكوفية بالأسود والأبيض، وتلك الهيئة التي تبعث المهابة وتزيده وقارا.. كان يطل علينا رافعاً يده محييا ايانا ( شلونكم عمي ) نحن نفس العصبة عصبة ( النواسيين) نتنقل مابين اسمي هذين البيتين الكريمين باصحابهما الذين حموا ظهورنا وقدموا لنا كل شيء ولم نقدم لهم أي شيء يذكر .. ولسان الحال يقول :

اني التفت إلى مكانك بعدما خليته فبكيت سوء مكاني وكأنما هذه الحياة بناسها وضجيجها ضرب من الهذيان ،كم لحظة قصرت ومدت  ظلها بعد ذهاب العمر في الخسران ..رحم الله الحاج عبد الحسين صجم ، اللهم تغمده بواسع برحمتك ولطفك وأدخله فسيح جناتك يا ارحم الراحمين.

 حسون الدراجي ( أبو خيون)

عبد الحسين أبو سعد

علق هنا