بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي احصت جريدة طريق الشعب (في عدديها 59 و60 بتاريخ 22/12/2022 و3/1/2023) الفعاليات الاحتجاجية لعام 2022، ووجدت ان عددها بلغ 996 فعالية سلمية، منها 525 في النصف الأول من العام، وفي النصف الثاني بلغ 471 فعالية. يستدعي هذه الكم الكبير من الاحتجاجات، التي خرجت بمطالب محقة، الى تحليل مستفيض ومعمق، سيما وان اعدادها لم تتراجع عن الأعوام السابقة، بل وزادت وتيرتها. وهذا يتطلب من القوى المعارضة لنهج المحاصصة والفساد دراسة هذه الظاهرة من كافة ابعادها، ووضع تصورات واستنتاجات، تعينها في التصدي لنهج وسياسات النظام، ولسيطرة الاولغارشية ومحازبيها وازلامها وأبواقها، وفضح تحالفها غير المعلن مع النهابين من حيتان الفساد، وتخادمها معهم في نهب المال العام، واعتمادهم الاقتصاد الأحادي، الريعي، الذي رهن اقتصادها عند بورصة النفط. وكان من النتائج الكارثية لذلك وغيره، تمدد اقطاب الطبقة الاجتماعية فاحشة الثراء، وإحكامها القبضة على السلطة وتحكمها فيها واستحواذها على المال العام، وترسيخها نزعة استهلاكية شرهة تشيع الرثاثة والقيم المشوهة والتردي المخزي والانانية المفرطة، مخلفة حيفا طبقيا مريرا يئن تحت ثقل جراحاته المعيشية والنفسية ملايين القابعين تحت مستوى الفقر، والمهمشين والعاطلين عن العمل. الفجوة الطبقية الهائلة التي تشكل عنوانا بارز للاعدالة وللظلم والحرمان، هذه الفجوة التي تتسع باتساع ظاهرة الفساد المستفحلة، وتنتج فوارق طبقية فلكية لا يتحملها عقل، تحدد نوعية المعيشة وجودتها، بين من يتلاعب بتريليونات الدنانير من جهة، ومن يعيش على مكب النفايات من جهة اخرى. انها فجوة تتسع من تعاظم ارصدة النهابين، الذين لا يردعهم قانون ولا يؤنبهم ضمير، ولا يؤرقهم وجدان، متخذين من الدين وظيفة ومن الطائفية وسيلة للتغطية على خستهم وخزيهم لما تقترف اياديهم من جرائم وآثام، فلا ينظفها الوضوء ولا تطهرها البسملة، ولا تزكيها لافتة (هذا من رزق ربي) التي يعلقونها على واجهات قصورهم الفارهة. لقد فشلت طغمة الحكم المأزومة في إدارة الحكم وفي تقديم الخدمات، وانتجت الفقر والتهميش والبطالة التي استفحلت، والتي لم تحد منها تعيينات أصحاب العقود. ربما تخفف شيئا من حدتها مؤقتا، لكنها لن تحلها من حيث الجوهر قطعا. بل ان هذا الاجراء ذاته ليس سوى تأجيل لأزمة قادمة لا محال، سيما وان الرواتب تعتمد على موارد النفط، والعراق غير متحكم لا بسعره ولا بكمية صادراته. فان تراجع سعر النفط، وهذا متوقع كما حصل في سنوات سابقة، فستعجز الدولة عن تسديد الرواتب، وحينها ستحل الكارثة لا محال. بالعودة الى الدلالة الرقمية للاحتجاجات، وحينما نجد ان معدلها الشهري بلغ 83 نشاطا احتجاجيا، والاسبوعي 21 نشاطا ، أي بمعدل ثلاثة احتجاجات في اليوم الواحد، ندرك مدى كثافتها وسعتها، وتواترها وتواصلها. وعند التمعن في طبيعتها التنظيمية، حيث ان كل احتجاج يخرج وفق موعد، وعبر إعلان واضح يحدد المكان والزمان والمطلب المحدد الواضح، ما يبرهن على الجهد التنظيمي الكبير المبذول، وهو جهد منظم هادف وغير عفوي. وعند استعراض أسباب وفواعل وعوامل واشكال وانماط وطبيعة ومطالب هذه الاحتجاجات وأهدافها، والكيفية التي تعاملت السلطة معها ومدى استجابتها لها، يتجمع امامنا فيض من المعطيات والاستنتاجات والخلاصات المدهشة. لذا لم تعد موضوعة اهمال التغطية الإعلامية لهذا الكم الكبير والمهم من الاحتجاجات، مجهولة الدوافع، بل هي رهبة وخوف وسائل الاعلام التي يمتلكها المتنفذون من التأثير الاجتماعي لهذه الاحتجاجات، ومن آثارها التعبوية وابعادها السياسية، التي سعى اعلام المتنفذين الى جعلها منسية. ولا تجهل طغمة الحكم ان الطابع المطلبي العام للاحتجاجات لا يعني بقاءها قطاعية ونقابية محدودة التأثير، بل هي آيلة الى التحول في لحظة قادمة الى احتجاجات شعبية عامة، يكون عنوانها الآبرز تغيير نهج النظام وازاحة المتحكمين به. فمن اجل ذلك ستندلع الثورة السلمية العارمة، التي لا تحتاج الى تغطية من اعلام المتنفذين، بل سيكون فعلها الجبار المؤمل قويا جبارا قبل صوتها الصادح، والهادف الى إزاحة الاولغارشية وحلفائها حيتان الفساد، والاطاحة بهم وارسالهم الى القضاء لاجراء المحاكمات العلنية، فيوم القصاص العادل قادم لا ريب فيه، وستغدو السجون بدلا من القصور الفارهة مكانا لهم، وفقا لاحكام القانون ومقتضيات العدالة.
*
اضافة التعليق