كيف نجوتُ ‏من الموت في الساحة الحمراء بموسكو؟

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

ماذا تريد من مقالاتك هذه يافالح، وماذا سيستفيد القارئ منها  ؟!

- أسعى من خلالها الى إطلاع الناس على تجارب الآخرين، تلك التجارب الغنية التي أتيحت لي الفرصة بالتعرف عليها، خصوصاً التجارب التي أرى أنها مفيدة لشعبنا العزيز. وأعتقد أن احتفاظ المرء بهذه التجارب دون اظهارها للناس للاستفادة أمر يمثل منتهى الأنانية والاستئثار.. فأنت حين تكتشف دروساً وتجارب في بلاد تملك تاريخاً عظيماً، وحاضراً فخماً، ومستقبلاً زاهراً، مثل روسيا، عليك ان تنقل ما رأيته من خصائص مميزة لدى هذا الشعب الحر، الذي قدم مع اشقائه من شعوب (الاتحاد السوفيتي) السابق، حوالي 250 مليون شهيد ثمناً للحرية والسلام في معركته ضد النازية والفاشية، ويصبح من الواجب عليك ان تبث للناس ما رأيت وما لمست ..

إن اعتقادي هذا متأتٍ من ثقتي وايماني بأن الانسانية تتكامل في مجمل تجاربها، وتستفيد من بعضها البعض، مثلما تستفيد شموع القداس من بعضها، فتضيء كل شمعة على الأخرى، حتى تضاء الايقونة وما حولها تماماً.

إن روسيا -كتاريخ وتجربة- مثل ضوء باهر، تحتاج اليها البلدان، لا سيما تلك التي لم تزل تعيش في ظلام تخبطها الدامس، وسياستها الارتجالية، كبلادنا للأسف..

لهذا أكتب مثل هذه المقالات، آملاً ومتمنياً ان نستفيد من التجارب الناجحة للبلدان المتقدمة، ونتعظ من الوقوع في الأخطاء المماثلة!

هذا ما اراه بخصوص المناخ العام، أما بخصوصي شخصياً، فقد كانت روسياً حلماً مستحيلاً في خيالي منذ مطلع شبابي، حتى نلت حلمي أخيراً، مرتقياً سلّم الأماني نحو هذه الدولة الشاهقة، رغم صعوبة الصعود، فمشيت منتشياً في شوارعها، واكلت من ثمارها، وشربت من خمرها حتى الثمالة، ونمت في أسرة فنادقها العتيقة، التي تشم من بعض غرفها رائحة أحبار واوراق (غوركي)، وهو يكتب على ارضيتها رائعة (الام)، او تتخيل أمامك الموسيقار العظيم (چايكوفسكي) وهو يتلوى موجوعاً حد الجنون ليكتب لنا (نوتة) بحيرة البجع المرعبة.. ولا أكشف سراً لو قلت بأني ثملت في حانات موسكو، وسرحت بخيال تلك الثمالات، متعجباً من سحر وتأثير (الفودگا) على توازني، لأصحو مع صباحاتها التي تذكرني بصباحات أعراسنا الجنوبية أو الجنونية (لا فرق)! فأنا في موسكو، أغني كل ليلة  - هذه ليلتي وحلم حياتي- ثم أملأ رئتيّ من هواء الساحة الحمراء، وأقسم لكم، أن عبير ذلك الهواء لم يزل معطراً في أنفاسي حتى هذه اللحظة.

هل تغيرت روسيا لينين؟

نعم، تغيرت كثيراً عن روسيا احلامي، لكنها لم تتغير عن موقعها في رأس سطر العالم، ولم تتزحزح قيد أنملة عن مركز التوازن في حفظ معادلة التاريخ، فروسيا هي روسيا لن تخمد شعلة مجدها، سواء في عهد لينين، أو بوتين، او  (راسبوتين)، اوعهد أي زعيم يرتقي صهوة جوادها بعد الف عام..

كيف جاءت فكرة السفر الى موسكو؟

الفكرة قديمة جداً، ربما منذ خمسين عاماً، لكن تنفيذها تقرر عام 2014، وتحديداً في آخر يوم من أيام كأس العالم في البرازيل حيث اتفقنا وقتها - أنا وشقيقي شامل (أبو سجاد)، على أن يصطحب ولده، وأنا اصطحب ولديّ احسان وعلي، ونحضر الى بطولة كأس العالم في روسيا عام 2018 ..

وهكذا التقينا في موسكو كأس العالم، حيث قدمت مع ولدي من كاليفورنيا، بينما قدم هو مع ولده سجاد من بغداد الى اسطنبول الى موسكو..

لم تكن معاملة ضباط ( الأمگريشن ) في مطار موسكو جيدة مع حاملي الجواز الامريكي، أو مع القادمين من الولايات المتحدة، لذلك اوقفوا ولدي احسان اكثر من ساعتين في المطار وهم يطرحون عليه اسئلة أقل ما يقال عنها اسئلة بايخة) كما قضيت أنا معهم وطراً من (السين والجيم) دام حوالي ساعة ونصف، والشيء نفسه حصل مع ولدي علي ايضا، دون ان نعرف سبب هذا التحقيق غير المبرر، مما أثار استغرابنا، خاصة وأننا كنا قد حصلنا على (الفيزا)، مع باج الدخول وتذاكر التشجيع ودخول الملاعب قبل شهرين من البطولة، لكن استغرابنا زال، حين علمنا أن هذا الأمر قد حصل مع جميع حاملي الجواز الامريكي او القادمين من الولايات المتحدة، بل ان بعضهم قد حجز سبع ساعات في المطار، في حين أن ضباط الجوازات في مطارات روسيا قد تعاملوا مع شقيقي وولده وكل حاملي الجواز العراقي بترحيب حار، وحفاوة وود كبير.

وللحق، فقد علمنا بعد فترة ان تعامل الروس الفظ مع الامريكيين كان رداً على ما يتعرض له المسافرون الروس في المطارات الامريكية، بمعنى : أن الروس طبقوا معنا مبدأ (المعاملة بالمثل) !!

وأخيراً أنا في موسكو !

كان الجو في موسكو خلال زيارتنا التي صادفت في شهري حزيران وتموز رائعاً، وموسكو المشعة بالانوار والمصابيح الملونة، أراها في الليل كأنها واحدة من مدن الاحلام، تشبه الى حد كبير مدينة لاس فيجاس الامريكية الساحرة، فتختلط بذلك في مخيلتي المشاعر، بين فرحي لرؤية موسكو لينين وثورة اكتوبر الاشتراكية، وبين رؤية اعظم الاعراس الكروية، المعطرة بحضور عمالقة اللعبة امثال ميسي ونيمار وسواريز، وليفاندوفسكي، ورونالدو وغيرهم..

لقد أعجبني احد الصحفيين حين كتب هذا التوصيف " إنه شهر عسل نقضيه في موسكو وليس بطولة كروية فحسب " .

ولأن الحضور قد تجاوز الثلاثة ملايين زائر، فقد كانت الفنادق مكتظة، واسعارها باهظة جداً، لذلك، استأجرنا شقة قبل مجيئنا بشهر، وقد قام أغلب المواطنين 

 (الموسكوفيين)، بتأجير شققهم للزوار خلال شهر البطولة، فاستفادوا مبالغ جيدة من ذلك، وأفادوا الضيوف الزوار.. علماً باننا لم ننم في شقتنا كثيراً بسبب انشغالنا المستمر، فقد قضينا شهراً نركض من ملعب الى ملعب، ومن متحف الى معرض، ومن مدينة الى مدينة، حيث احتضنت 11 مدينة روسية مباريات البطولة، لتمتزج ثقافة هذه المدن بثقافة الكرة في مزيج باهر، ستظل ذكراه خالدة في قلوبنا .. لذلك، ربحنا جولات سياحية مهمة ومثيرة في ربوع روسيا الشاسعة، فالمباريات تبدأ من موسكو الى كاليننغراد الى قاران الى روستوف - على نهر الدون- الى فولغوغراد الى سان بطرسبورغ، حتى إننا اضطررنا الى أن نغادر  روسيا بالطائرة الى جمهورية بيلا روسيا، ثم نذهب بالقطار الى مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا، بعد ذلك استأجرنا سيارة الى ملعب كريستوفسكي لمشاهدة

مباراة الأرجنتين ونيجيريا، حيث فازت الارجنتين بهدفين مقابل هدف واحد، احرز ميسي هدفاً اختير أفضل هدف في كأس العالم .. 

الفنان ماجد المهندس يشجع الارجنتين !

قبل دقيقتين من مباراة الارجنتين ونيجيريا، وقبل ان نصعد مدرجات البوابة المؤدية الى داخل الملعب، سمعت من ينطق باسمي بصوت خفيض، التفتّ واذا بي ارى الفنان (العراقي) الكبير ماجد المهندس، فهرع كل واحد منا نحو الآخر، وتعانقنا بكل ما في ( المحنّة ) العراقية من صدق وحب ومودة، ثم جاء اولادي وشقيقي وسلموا عليه ايضاً، والتقطنا الصور التذكارية، خاصة بعد ان علمنا انه يشجع الارجنتين مثلنا، ويحب ميسي جداً .. وبعد السلام والكلام والملام، طلب مني ماجد رقم هاتفي، حيث قال لي: لديّ موضوع أو مشروع غنائي لا أتذكره بالضبط الان، واريد أن نتفاهم حوله.. ورغم أن الفريقين كانا واقفين على صافرة الحكم لانطلاق المباراة، فقد اخرجنا تلفونَينا، وسجلنا رقمينا، وقد أكد الفنان المهندس على ضرورة التواصل بيننا، لكنه لم يتصل رغم مرور اربع سنوات على ذلك، إذ ربما ينتظر اربع سنوات اخرى !

 اتفاق 

لعل ما يستحق الذكر هنا، أننا عقدنا - أنا وشقيقي واولادنا- اتفاقاً قبل البطولة، مفاده أن يشجع شقيقي أبو سجاد منتخب الارجنتين، مقابل ان نشجع معه منتخب ايران، وهكذا حضرنا وشجعنا جميع مباريات منتخب ايران ومباريات منتخب الارجنتين.. لكن مشكلة واحدة كادت ان تخرب الاتفاق، وهي أن ولدي احسان مغرم بمنتخب اسبانيا، ومن سوء الصدف ان تقع ايران واسبانيا معاً في  المجموعة ( B )..

في البدء رفض ابني احسان التنازل عن دعم فريقه المفضل اسبانيا، لكن العامل (المذهبي) لعب دوراً في تحييده، وبالتالي ظل صامتاً لا يشجع أياً من الفريقين طيلة 90 دقيقة احتراماً لاتفاقنا !

مشكلة اللغة في روسيا

كانت اللغة مشكلة حقيقية واجهتنا في كأس العالم 2018، فالروس لايتحدثون الانكليزية، ونحن لا نتحدث الروسية، لكن المشكلة حلت بواسطة خدمة الترجمة التي يوفرها الآيفون، وهكذا كنا نتحدث مع عموم المواطنين الروس دون مشكلة، وقد اكتشفت من خلال احاديثي معهم، أن أبناء الشعب الروسي، لا سيما الفئات العمرية التي تجاوزت الاربعين، يتمنون عودة النظام الاشتراكي، فهم يتحدثون بصوت عال عن الامتيازات السكنية والصحية والغذائية والتعليمية المجانية المتكاملة التي كانت توفرها الدولة الاشتراكية للمواطنين، لكن ما أن ترجل الحزب الشيوعي عن صهوة جواده، بعد كبوة النظام  السوفيتي، عام 1989وما حدث بعدها من تغيير في بنية الدولة ونظامها السياسي، في ظل رئاسة غورباتشوف المتيم بالدولار الامريكي، وحكم (السكير) يلتسين، وما ان هدأت العواصف، واستقرت الاحوال، وبعد أن زالت الخمرة وذهبت السكرة كما يقولون، حتى راح الكثير من الروس يعضون الأصابع ندماً على ما آلت اليه أمور البلد وضياع الحلم الاشتراكي.. ومع أن روسيا بقيت واقفة على اقدامها بثبات ولم تسقط، إلا أن الشعب ذاق الأمرين من الناحية الاقتصادية - بعد رحيل النظام الاشتراكي، حتى مجيء الرئيس بوتين الذي أعاد الكثير من الأمور الى نصابها.. ولعل الشيء الذي لا حظته في روسيا، أن كل الرؤساء الذين جاؤوا الى سدة الحكم، لم ينتقموا من الرؤساء الذين سبقوهم، ولا من العاملين معهم، ولم تتم تصفية أي فريق من الفرق الوزارية والادارية والفتية والاستشارية التي كانت تحيط بالرئيس السابق، متمنياً ان يقتفي رؤساء حكومات العراق آثار زعماء الكرملين في هذه النقطة المهمة والخطيرة!

الروس يحبون لينين ولايحبون ستالين !

لعل من النقاط التي لفتت انتباهنا في احاديثنا مع الروس، انهم جميعاً يحبون الزعيم لينين، ولا يكن اغلبهم الحب للزعيم ستالين!

وحين سالنا أحد العمال الروس عن السبب، قال: ربما لأن لينين روسي الاصل والمولد والاقامة والممات، في حين ان ستالين من جمهورية جورجيا، كما أنهم يستشكلون عليه أداءه السياسي العنيف مع خصومه.. في حين ان غالبية الشعب الروسي ينظر بعين الاحترام الى الرئيس بوتين، عكس نظرتهم الى غورباتشوف ويلتسين اللذين لا يحظيان بالتقدير من لدن عموم الشعب الروسي بما في ذلك خصوم الشيوعية.

ومن الحب ما قتل  !

 كلنا سمع بالمثل الذي يقول: (ومن الحب ما قتل)، لكن أغلبنا لا يعرف الحادثة التي حصلت بين الشاعر العربي عبد الملك الأصمعي، وذلك الشاب العاشق الذي انهى حياته وفاءً وحباً لحبيبته، بعد مساجلة شعرية جرت بينه وبين الاصمعي، مما دفع الأصمعي الى أن يطلق على الشاب العاشق مقولته الشهيرة “ومن الحب ما قتل"!

وها أنا أتعرض الى المصير القاتل ذاته، لولا بعض اللطف القدري الذي أدركني في اللحظة الاخيرة..  والحكاية حصلت في اليوم الأخير من زيارتنا الى روسيا، حيث قررنا أن نضع في برنامجنا زيارة الساحة الحمراء وخصوصاً ضريح لينين بعد انتهاء جميع المباريات، وتحديداً في اليوم الاخير من الزيارة، كي نكون متفرغين تماما للمناسبة، ونصبح ايضاً في وضع نفسي ملائم، ومزاج هادئ ورائق، فزيارة ضريح لينين لها أجواء وطقوس خاصة عندي.. 

وهكذا ذهبنا يوم السبت الى الساحة الحمراء، فوجدنا طابوراً هائلاً كأنه يبدأ مثلاً من باب المعظم وينتهي عند ساحة التحرير 

في الباب الشرقي.. ورغم هذا فقد صمدنا في الطابور حتى جاء دورنا.. ودخلنا مجانا دون أن نقطع تذاكر للدخول، رغم أن زيارة جميع المعالم السياحية في الساحة الحمراء تتم باسعار باهظة الثمن، باستثناء زيارة جثمان فلاديمير لينين، فقد كانت مجاناً..

ولأن الروس صارمون في التزامهم بالوقت، ولأن اوقات الزيارة محددة بشكل حاسم وحازم، فقد اوقفنا الحرس الخاص أنا وشقيقي ابو سجاد عند الساعة الثانية ظهراً قبل ان يأتي دورنا بقليل جداً، أما اولادنا فقد ساعدهم الحظ على الدخول الى الضريح قبلنا بحوالي  خمس دقائق..!

وقد حاولنا بكل التوسلات ثني الحراس عن قرارهم الصادم، والصارم، لكنهم اصروا على تنفيذ التوقيت. والمصيبة كانت عند سماعي من بعض الزوار ان يوم غد سيكون عطلة الادامة والتنظيف!!

ولا تسمح فيه الزيارات ..

علماً ان تذاكر سفرنا بالعودة كانت محددة بظهيرة يوم غد الاحد، وهذا يعني أنني لن ارى ضريح لينين قطعاً، ويعني ايضاً اجهاض حلم راودني نصف قرن.. 

وفجأة ونحن عند الباب الخارجي شعرت بوخزة قوية في صدري، ثم ألم لا يطاق، فخارت قواي ولم استطع الوقوف على قدمي، فجلست على الارض، واصبح لوني أصفرَ كما اخبرني اخي .. وهنا صاح ابو سجاد بصوت عال على الاولاد:

الحقوا ابوكم اتخربط..!

وبينما هرع احد الاولاد لإحضار سيارة لنقلي الى المستشفى أو الى اي مركز طبي للعلاج، خاصة وأني لم اتعرض لمثل هذه النكسة الصحية من قبل، سمع ولدي الثاني ثمة من يقول ان الضريح مفتوح غداً ولن يغلق إلا بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً، وبما ان موعد طائرتنا في الساعة الرابعة عصر يوم غد، فهذا يعني أننا قادرون على زيارة الضريح صباحاً، ومن ثم التوجه الى المطار بوقت مريح ومستريح، وليس ثمة مشكلة لدينا قط.. وما أن تأكد ولدي علي من صحة هذه المعلومة المفرحة، حتى شعرت بقوة سحرية تسحبني من

يدي، لأنهض واقفاً كالأسد وكأن شيئاً لم يكن مطلقاً.. لقد كنت قد تعرضت الى (جلطة) انتهت اعراضها وتأثيرها حال سماعي بفتح ابواب الضريح صباح غد..

وهكذا غبشنا أنا وأخي نحو الضريح في صبيحة اليوم الثاني .. ومن حسن حظنا كان الزحام خفيفاً..

ثمة طقوس وتقاليد والتزامات تحيط بزيارة ضريح لينين يتوجب ذكرها هنا. إذ بعد عبورنا من أجهزة الكشف المعدنية، والوقوف في صفٍ طويل يلتف أحياناً حول إحدى زوايا جدار الكرملن، سرنا على السلالم للوصول إلى القبر الحجري المضاء بإنارة خافتة. وبعد أن طلب منا إزالة أيدينا من جيوبنا، عبرنا في مجموعة من السلالم الاخرى، لنجد أنفسنا في حجرة شبيهة بالمكعّب، حيث يرقد فيها القائد الفذ لينين. 

تحت الزجاج المضاد للرصاص، وفي بذلة رسمية جديدة صممت قبل عام من زيارتنا، وجدنا جثمان لينين مشعاً بنور يختلف كثيراً عن محيطه المغطى باللونين الأسود والأحمر ، لكن للأسف لا يوجد كثيرٌ من الوقت لتفحّص الجثمان والتمعن به، إذ كان افراد الحرس يحافظون على انتظام السير حول الجثمان، ويؤكدون علينا باستمرار التزام الاحترام وعدم الكلام، وعدم التقاط صور وعدم اقتناء الهواتف المتحركة حتى الخروج من منطقة الضريح إلى الميدان الأحمر مجدداً. 

لكني اقتنصت وقفة قصيرة اقل من نصف دقيقة مع لينين، وقلت له بسرية تامة وأنا ارتجف في حضرته، رهبةً واحتراماً وحباً عارماً: الشيوعية كما تعرف أقوى من الموت يارفيقنا الخالد .. فارجو ان تنم بسلام.. وما ان سرنا قليلاً خارج الضريح، حتى سألني أخي قائلاً: رأيتك تكلمه، فماذا قلت له، او  طلبت منه ؟

فقلت لأخي ضاحكاً: طلبت منه (يحبّل) فخرية! 

فضحكنا بصوت عال لفت انتباه الزوار الخارجين .. أما قصة فخرية فهي قصة مشهورة في ناحية كميت، ارويها هنا واختم المقال:

في عام 1960، وفي ذروة حب الناس للزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، كانت ثمة شابة متزوجة منذ عشر سنوات دون أن ترزق بمولود، أو تحمل حتى، لاسيما أن كل أخواتها المتزوجات قد رزقن باكثر من مولود.

وكانت أمها تحزن لحال ابنتها، وفي ليلة جمعة وقفت الام أمام صورة كبيرة للزعيم عبد الكريم، وهي تتوسل خاشعة باكية شاكية للصورة بصدق وهي تقول: وينك يالزعيم، بحق هاي المغربية، وليلة الجمعة، كون تحبّل فخرية ولد، وأذبح ديچ هراتي لوجه الله وثوابه للزعيم عبد الكريم.. ها يبو دعيّر شتگول .. أريده ولد من شارب الله وشاربك..!!

فالح حسون الدراجي والفنان ماجد المهندس في موسكو

علق هنا