بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة ملايين العراقيين يسمونها مدينة الصدر، وملايين غيرهم يسمونها مدينة الثورة، وثمة آخرون يحاولون تفادي هذا الاشكال، فيسمونها: مدينة (الثورة والصدر) ! فهل هي مدينة الثورة، أم مدينة الصدر؟. وقبل الاجابة عن هذا السؤال، أود أن أشير الى أن هناك عدداً غير قليل من الناس يجدون حرجاً (غير مبرر) في طرح مثل هكذا سؤال، او حتى التفكير فيه، لأن هذا السؤال في اعتقادهم قد يضعهم في (ورطة)، هم في غنى عنها، لذلك تجدهم يبتعدون عن هذه الاشكالية قدر الامكان، بل ويتحاشون المرور في طريقها، وهم بذلك يعزفون على ايقاع المثل الشعبي المعروف: ( ابعد عن الشر وغنيله) ! وطبعاً فإن من يصعب عليه القبول بسؤال يراه (شائكاً)، سيصعب عليه الحصول على جواب سهل ويسير وطبيعي .. فثمة قاعدة مفادها: إن فهم السؤال والاقتناع بجدواه، يمنح المقتنع نصف الجواب مقدماً، نقداً (كاش) ! أما أنا، فقد ربحت نصف الجواب مقدماً، وقبضته ( كاش) منذ أن أدركت أن مدينة الثورة هي مدينة الصدر، وأن مدينة الصدر هي مدينة الثورة، ولا فرق بين التسميتين أبداً.. ولن أتراجع قيد انملة عن هذه الحقيقة، حتى لو دفعت حياتي ثمناً لها.. وكل من يحاول ايجاد فرق بين الإسمين الطاهرين، فلن يعثر على هذا الفرق حتى لو جدّ واجتهد الف عام، لأنه غير موجود أصلاً، اللهم إلا في عقول الذين ينظرون للميدان من زاوية ضيقة واحدة، أو الذين عجزوا عن فهم هذه الثنائية الجدلية المترابطة، أقصد ثنائية (الثورة والاستشهاد) .. فالثورة والشهادة متلازمتان لا انفصال بينهما، متلازمتان تمشيان يداً بيد في طريق الحرية والكرامة والإباء الى ما لانهاية.. ولا يمكن لإحداهما أن تمشي دون الاخرى أبداً أبدا. لذا، يصعب اليوم على أي عاقل أن يبعد بين (ثورة 14 تموز)، ومفجرها الزعيم عبد الكريم قاسم، ومدينته (الثورة)، من جهة، وبين ثورة محمد محمد صادق الصدر ومحمد باقر الصدر، ومدينتهما التي أسماها الناس باسمهما، من جهة أخرى.. كما لا يستطيع أي أحد أن يميز بين دم (الشهيد) عبد الكريم قاسم - الأب الروحي للمدينة- وبين دم الشهيدين الصدرين، خاصة وأن اليد القذرة التي قتلت الشهيد عبد الكريم، هي اليد البعثية ذاتها التي قتلت واغتالت الشهيدين الصدرين ايضاً.. لذلك، وبفضل إدراكي لهذه الثنائية المترابطة، تراني أنظر اليوم وكل يوم الى الموضوع بشكل طبيعي جداً، واجيب عليه بشكل طبيعي أيضاً: أي بلا حساسية ولا عقد، وايضاً بلا خشية من أحد، فأقول (مدينة الثورة) بملء فمي، وأقول بملء فمي أيضاً (مدينة الصدر)، خاصة وأن تسمية- الصدر- باتت التسمية الرسمية الوحيدة للمدينة في جميع الاوراق والاعمال والعناوين الحكومية.. إذن، أنا حرّ بما أقول ، مادام رأيي مبنياً على الوقائع والحقائق، والبراهين.. ومشفوعاً بحسن النية.. ويقيناً دون شك، أنا محق ومصيب في التسميتين : (مدينة الثورة) ، و( مدينة الصدر) .. ليس لأني مؤمن بأن التسميتين تليقان بالمدينة فحسب، إنما لأني متأكد من أن الجميع سواء أكانوا من أنصار تسمية (الثورة)، أو من أنصار تسمية (الصدر) على يقين تام -مثلي- أن لا اختلاف بين هذين الإسمين قط، فكلاهما جديران بحمل اسم هذه المدينة الكادحة المناضلة الصابرة المضحية، رغم بعض الاعتراضات (غير العدائية طبعاً) التي تأتي من هذا الفريق احيانا، ومن ذاك الفريق أحياناً ! وقد يسألني البعض: وهل هناك من يعترض على تسمية مدينة الثورة، أو على مدينة الصدر؟ فأجيب: نعم هناك من يعترض! وسأعرض حدثين حصلا معي،للمثال فقط ليس إلا: قبل سنوات ظهرتُ في مقابلة تلفزيونية على شاشة قناة العراقية الفضائية، وقد ذكرت ضمن ماذكرت في تلك المقابلة، اسم (مدينة الصدر)، لكني فوجئت بمقال انتقادي، كتبه ضدي صديق (تقدمي) عزيز جداً، وسبب الانتقاد، أني ذكرت في هذه المقابلة اسم (مدينة الصدر)، ولم أقل مدينة الثورة! وطبعاً - وكعادتي- لم أرد على ذلك الصديق والرفيق العزيز، ولم أعاتبه عن هذا الموضوع.. رغم إننا التقينا بعدها اكثر من عشرين مرة، وقد كنا ولم نزل نسهر كل خميس معاً بصحبة أصدقاء آخرين، ولم افتح معه الأمر حتى هذه اللحظة، بل كنت ومازلت أحمل له ذات الحب والاحترام، ولم ينل هذا الاشكال من صداقتنا ومحبتنا قط. وبعد سنتين تقريباً، شنّ أيضاً أحد الأصدقاء (الصدريين)، هجوماً عليّ عبر مقال انتقدني فيه، لأني اسميت المدينة باسم مدينة الثورة، وليس مدينة الصدر ! وكما فعلت مع صديقي (التقدمي)، فعلته مع صديقي (الصدري) إذ اكتفيت بالصمت وعدم الرد أيضاً ! والجميل في هذا الأمر، أن هذا الصديق (الصدري)، قد اعتذر لي بعد فترة، عندما أخبره أحد أشقائه بموقف ايجابي لي، عندما كتبت مقالاً جريئاً جداً قبل خمسة عشر عاماً، طالبت فيه باطلاق سراح القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، الذي كان معتقلاً لدى الأمريكان، وكانت السلطات آنذاك ترفض اطلاق سراحه، رغم ان المحكمة برأته من كل التهم الموجهة اليه.. وقد اطلق سراحه فعلاً بعد فترة قصيرة من نشر مقالي، ومن ترجمته الى الانكليزية، وقد شكرني السيد الزاملي بعد نيل حريته، حتى أنه أقام في بيته مأدبة تكريمية لي، تقديراً لموقفي الذي لم يقم به احد غيري، وقد ذهبت الى تلك المأدبة مع أحد أشقائي. وفي المسار نفسه، اعرف الكثير من الشيوعيين الذين يسمّون المدينة باسم (مدينة الصدر) وهم في كامل قناعاتهم. كما اعرف بالمقابل، الكثير من الاسلاميين الذين يسمونها (مدينة الثورة) في بعض سجالاتهم واحاديثهم، وطبعاً، فإن كل هؤلاء على حق، وكلهم على صواب، وهذا لعمري منتهى العدالة، ونصاعة الضمير، وعفة النفس، ومصداقية المرء مع نفسه، وقناعاته وقيمه، حين يعترف بحق الآخر دون حث، أو تكليف او ضغط، خاصة وأن الشيوعي لن يصبح صدرياً حين يطلق اسم الصدر على مدينته، ولا الصدري سيصبح شيوعياً، أو علمانياً، حين يسميها (مدينة الثورة)! لذا نستطيع القول بأن الخيار والحرية مفتوحان امام أي شخص بما يرغب أن يسمي، مادامت التسميتان متكاملتين ومترابطتين عبر وشائج وقيم الثورة والشهادة.. لذا دعونا نؤمن أيها الأخوة بمقولة: (عيسى بدينه، وموسى بدينه) كما يقولها ويؤمن بها عامة الناس، فمدينة الثورة هي مدينة الصدر لمن يريد، ومدينة الصدر هي مدينة الثورة لمن يريد ايضاً، ومن يرى خلاف ذلك عليه أن يتذكر أن الثوار الشهداء متساوون كأضلاع مثلث الحقيقة، وان يتذكر ايضاً، أن قتلة زعماء الثورة الأبطال: عبد الكريم قاسم والصدرَين، هم نفس المجرمين البعثيين، ومن حملة ذات العقيدة الاجرامية الفاشية، حتى وإن اختلفت السنين، وتباينت أدوات الجريمة.. ختاماً، يشرفني أن أبعث بتحيتي الى قلعة الشرف والعز والتضحية، والنضال والكرامة والشهادة والوفاء، والابداع والحب والجمال .. أقصد مدينتنا الغالية، مدينة الثورة- حيث أحب وأفضّل أن أسميها دائماً !
*
اضافة التعليق