حين يكون مدير مكتـب المسؤول ( غبياً ) !

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

حسناً فعل رئيس الوزراء (الجديد) محمد شياع  السوداني، حين اصدر قراراً يتضمن شرطاً لابد منه، يقضي بتعيين مديري مكاتب الوزراء من الأشخاص العاملين في الوزارة ذاتها، فقطع بذلك الطريق على بعض الوزراء الذين كانوا ينوون استقدام (النسايب والگرايب والحبايب) لاشغال هذا الموقع المهم والخطير، كما أغلق الباب أيضاً بوجه الأبناء والأشقاء، وزوجات بعض الوزراء اللائي كنّ يرغبن باختيار مدير مكتب المعالي حسب مواصفاتهن وشروطهن  !

ولولا ذلك القرار الواعي من السوداني، لرأينا مديري مكاتب (خردة فروش)، يديرون أعمال الوزراء، وهم لا يملكون من ( فن ) ادارة المكاتب أكثر مما يملكه المرحوم (يونس شلبي) في لعبة الشطرنج!

لقد أتيحت لنا الفرصة أن نتعرف خلال العقدين اللذين تليا سقوط نظام صدام على (مديري مكاتب) لوزراء، كان بعضهم لا يفرق بين مهمة إدارة مكتب وزير، وبين وظيفة (سايق العايلة)!

فهو (قافل) على (مهمته)، ولا يعرف أحداً مهما كان وزنه وقيمته، ولا ينظر لأحد غير معالي الوزير، والمدام (حرم الوزير).. وعندما تتعصب المدام في يوم ما، تتضخم بنظره وتصبح عنده كل شيء، فتكون هي المعالي، وهي الوزارة والحكومة والدنيا،

وبيدها بقاؤه في المنصب أو رحيله غير مأسوف عليه 

لكن هذا لا يعني أن جميع مديري مكاتب الوزراء الذين تعرفنا عليهم، كانوا مثل (مراسلي) الضباط أيام زمان، يلمعون الأحذية ويغسلون ملابس الضباط الداخلية! إنما رأينا مديري مكاتب وزراء سابقين، من النوع المهني الاحترافي العالي الجودة والراقي، وكانوا أشخاصاً محترمين، يجبرونك على تقديرهم وإبداء الاحترام، والاعجاب بشخصياتهم، ومؤهلاتهم، لقد كان بعضهم كبيراً دون أن يتعالى عليك، ومتواضعاً دون أن يتملق اليك، ومثال على هذا النوع اللواء أحمد باهي، مدير مكتب وزير الداخلية الاسبق قاسم الاعرجي، الذي كان متكاملاً من جميع الوجوه والنواحي، وكذلك سيد منعم محسن العلاق، والمرحوم صفاء أبو زهراء  مديرا المكتب الخاص لوزير النفط الأسبق كريم لعيبي، فهما شخصان رائعان (تحطهم بنص گلبك)، كما يقال في اللهجة العراقية الشعبية.

وحتماً فإن هناك مديري مكاتب آخرين، ممتازون أيضاً، مهذبون، ومهنيون، ومتواضعون رغم اهمية مواقعهم، لكن المجال لم يتح لنا للتعرف عليهم.

وعودة الى مديري مكاتب الوزراء (الخردة فروش)، فإني أود أن أشير الى أن أمر هؤلاء لم يكن يقتصر على مديري المكاتب في العراق، إنما هم ظاهرة كارثية موجودة في كل زمان ومكان، سواء في الدول العربية، أو  دول العالم الثاني والثالث، بل وقد تجد مثلهم -والحمد لله- في دول العالم الأول أيضاً! وإذا كان (بعض) - وأكرر (بعض وليس كل) - مديري مكاتب الوزراء في الحكومات العراقية خلال العقدين الأخيرين ساذجاً وأمياً، ومصاباً بداء التكبر، والتنافخ، والتعالي الأشد من طوفان تسونامي، وايضاً بالغرور غير المبرر، وكان فيهم كذلك من لا يفهم حرفاً في أبجدية العمل المكتبي، ولا يعي بعضاً من لغة الموقع المهم الذي يشغله، أقول إذا كان هذا حال (جماعتنا) في العراق، فإن مديري مكاتب الرؤساء والوزراء في بعض الدول العربية (أسوأ) بكثير منا، فبعض أشقائنا يتمتعون بميزة إضافية- نشكر الله

 أنها لا تتوفر في مديري مكاتب مسؤولينا- وأقصد بها ميزة ( الغباء المفرط)!

وللكاتب اليساري المصري محمود السعدني صولات وجولات في كشف غباء هؤلاء المديرين، وكذلك الكاتبان المصريان أنيس منصور، ومحمد توفيق وغيرهما من كتاب مصر اللاذعين .. و الشيء نفسه ستجده في سوريا ولبنان والاردن والسودان واليمن وبعض دول الخليج - الغنية في كل شيء، حتى بهذه النمونات الغبية المتعالية والمغرورة-.

إن هناك كتباً وصحفاً وافلاماً ومذكرات وروايات وقصصاً تتحدث بسخرية لاذعة عن مديري مكاتب (أغبياء)، كانوا في فترات قصيرة مديري مكاتب للمشير عبد الحكيم عامر، أو للرئيس السادات، أو لوزراء كبار في الحكومات المصرية.. حيث يتناقل المصريون بعضاً من قصص (غباء) هؤلاء المديرين .. فمثلاً جلس المشير عامر الذي كان يشغل آنذاك منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية، يوماً مع وزير الدفاع شمس بدران ، فحدثه قائلاً: 

"هل تصدق يا بدران، أن مدير مكتبي غبي لدرجة 

لا تصدق؟

فاجابه بدران: كيف يا افندم؟

فقال له المشير: مرة قلت لمدير مكتبي: "روح يا ابني شوفني أنا في البيت ولا أنا في النادي، ألعب تنس"

ويكمل المشير عامر قائلاً:

فما كان من الغبي، إلا أن استقل السيارة وذهب مسرعاً الى البيت، لكي يرى هل أنا في البيت أو في النادي"!

فضحك بدران وقال له: هو فعلاً غبي يا أفندم، إذ كان المفترض فيه أن يختصرها بالتلفون ويعرف هل أنت في البيت أو في النادي .. ليه يأخذ كل هذا الوقت …!

فنهض المشير ومسك بتلابيب شمس بدران، وهو يصرخ به: إطلع يشمس يابن بدران قبل أن أقتلك !

ويتناقل المصريون أيضاً حكاية ساخرة بطلها مدير مكتب الرئيس حسني مبارك، حيث يقال إن حسني سأله: مين أفضل يا ابني، أنا ولا الرئيس جمال عبد الناصر؟

فأجابه مدير مكتبه بسرعة " أنت يا افندم .. لقد كان عبد الناصر يخاف من السوفيت، وانت مبتخاف منهم" !

فابتسم مبارك جذلاً، وقال له: طيب، مين افضل أنا ولا الرئيس السادات؟

فاجابه مدير مكتبه بسرعة ايضا: "أنت افضل يا افندم .. السادات كان بيخاف من أمريكا، وانت مبتخافش منهم"!

فانتعش مبارك وكاد يطير من الفرح، ثم عاد وسأله: طيب مين أفضل انا ولا الخليفة عمر ابن عبد العزيز؟

فاجابه المدير بصوت عال " أنت أفضل يا سيدي.. عمر كان بيخاف من ربنا، وانت مبتخافش من ربنا يا افندم" !

 

علق هنا