القصة الكاملة لأخطر وأصغر جاسوسة مصرية جندها الموساد

بغداد- العراق اليوم:

هبة عبد الرحمن سليم...اسم لمع في عالم الجاسوسية في السبعينيات من القرن الماضي...فتاة لم يكن يتجاوز عمرها الثلاثين لكنها صُنفت أخطر جاسوسة جندها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، لنقل معلومات عن الجيش المصري في الفترة ما بين حربي يونيو/ حزيران 1967 وأكتوبر/ تشرين الأول 1973.



قصة هبة سليم اقتبسها الكاتب صالح مرسي في روايته "الصعود إلى الهاوية"، وتحولت لاحقاً إلى فيلم سينمائي جسدت فيه الممثلة مديحة كامل دور هبة التي تغير اسمها إلى عبلة كامل أما الممثل محمود ياسين الذي أدى دور ضابط المخابرات المصرية.

ولكن الرواية الرسمية المصرية كانت مختلفة كثيرا عما ورد في أحداث الفيلم، وعرضها الفريق رفعت جبريل وهو ضابط المخابرات الذي كان مسؤولا عن العملية، ضمن سلسلة حوارات أجراها مع الكاتب الصحفي محمد السيد صالح، ونشرت في جريدة "المصري اليوم".

كيف تم تجنيد هبة

حصلت هبة على شهادة الثانوية العامة في عام 1968 أي بعد "نكسة يونيو/ حزيران" بعام واحد، ثم ألحت على أبيها من أجل السفر إلى باريس لإكمال تعليمها الجامعي هناك، وجمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية دعتها ذات يوم لسهرة بمنزلها، وهناك التقت بلفيف من الشباب اليهود.

أعلنت هبة صراحة في شقة البولندية أنها تكره الحرب، وتتمنى لو أن السلام عم المنطقة، وفي زيارة أخرى أطلعتها زميلتها على فيلم يصور الحياة الاجتماعية في إسرائيل، وأسلوب الحياة في "الكيبوتس" وأخذت تصف لها كيف أنهم ليسوا وحوشًا آدمية كما يصورهم الإعلام العربي، بل هم أناس على درجة عالية من التحضر والديموقراطية.

وعلى مدى لقاءات طويلة مع الشباب اليهودي والامتزاج بهم، استطاعت هبة أن تستخلص أن إسرائيل قوية جدًا وأقوى من كل العرب، وهذا ما جعلها تفكر في خدمة إسرائيل رافضة المال الذي قدموه لها.



وبعد ذلك نجحت أخطر جاسوسة تم تجنيدها من قبل "الموساد" في تجنيد المقدم مهندس صاعقة فاروق عبد الحميد الفقي الذي كان يشغل منصب رئيس أركان حرب سلاح الصاعقة، فبعد أن تعرفت على ضابط الموساد في منزل صديقتها البولندية أبلغته أنها على معرفة بالفقي.

وكان الفقى يلتقى هبة في نادي الجزيرة، وكان عاشقًا لها، أما هي فكانت تعامله بمتنهى القسوة ولا تشعر تجاهه بأية مشاعر، ولكن حين جندها الموساد قررت أن توافق على خطبتها من الفقي حتى تستفيد منه بالمعلومات المهمة، وبالفعل تمكنت سليم من الحصول على معلومات في غاية الأهمية من الفقي، وأبلغت بها إسرائيل.

بدأت تدريجيًا تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية، وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا، فكان يتباهى أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، ويمدها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.

وسقط ضابط الجيش المصري الذي لم يعد يملك عقلًا ليفكر، بل يملك طاعة عمياء سخرها لخدمة إرادة حبيبته، ليصبح في النهاية عميلًا للموساد، تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية موضحًا عليها منصات الصواريخ "سام 6" المضادة للطائرات التي كانت القوات المسلحة تسعى ليل نهار لنصبها لحماية مصر من غارات العمق الإسرائيلية.

ومع استهداف الطيران الإسرائيلي المتواصل لمنصات الصواريخ المصرية، كان جهاز المخابرات المصري يبحث عن حل للغز الكبير، والذي كان يتمثل في تدمير مواقع الصواريخ الجديدة أولًا بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي، وحتى قبل أن يجف البناء وكانت المعلومات كلها تشير إلى وجود "عميل عسكري" يقوم بتسريب معلومات سرية جدًا إلى إسرائيل.

ونجحت المخابرات المصرية في كشف أمر الضابط الخائن وتم القبض عليه، وفي التحقيق معه اعترف الضابط الخائن تفصيليًا بأن خطيبته جندته بعد قضاء ليلة حمراء معها، وأنه رغم إطلاعه على أسرار عسكرية كثيرة إلا أنه لم يكن يعلم أنها ستفيد العدو. وفي سرية تامة قدم سريعًا للمحاكمة العسكرية التي أدانته بالإعدام رميًا بالرصاص.

مثلت هبة أمام القضاء المصري ليصدُر بحقها حكم بالإعدام شنقا بعد محاكمة اعترفت أمامها بجريمتها.

وقيل إن بكت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بكت حزنًا على مصير هبة التي وصفتها بأنها "قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل" وعندما جاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها، كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الأمريكي، حيث تنبه السادات فجأة إلى أنها قد تصبح عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فورًا، ليسدل الستار على قصة الجاسوسة.

كيف جندت شريكها ضابط "الصاعقة" المصري

رفعت جبريل قال في حواره لـ"المصري اليوم" أنه عندما كان الجيش ومن ورائه الدولة كلها يعمل فى صمت وبسرعة على تجهيز الجبهة للقتال.. وكانت كل أجهزة الدولة، خاصة المخابرات العامة والمخابرات الحربية، تقوم بدورها فى تأمين الجبهة والحفاظ على سرية المنشآت الجديدة التى كانت إسرائيل تتطلع إلى الحصول على معلومات عنها مثلما حدث قبيل يونيو/ حزيران 1967.. كانت بعض العمليات الإسرائيلية معقدة ومحيرة، خاصة التى كانت تستهدف حائط الصواريخ الوليد.. ومن جانبنا كانت إجراءات الأمن واسعة ودقيقة ولا تستبعد أحداً على الإطلاق.. وفى إحدى هذه العمليات الإسرائيلية فقدنا بعض الأرواح من المتخصصين والجنود.. فركزنا العمل حول الأشخاص من كل الرتب.. وتوصلنا إلى الخيط الأول: المقدم فاروق الفقي قد يكون هو المتورط في تسريب المعلومات فى هذا التوقيت الدقيق.. المعلومة حصلنا عليها من إحدى اللجان التي قامت بالتفتيش في الوحدات العسكرية.. كان هدفنا معرفة الشبكة ومن هم أعضاؤها.. توصلنا إلى أن الفقى قام بتركيب "إريال" راديو جديد للإرسال فوق منزله، وعلمنا فيما بعد أنه كان يرسل المعلومات للموساد.. وقمنا بعد أن تأكدنا من أنه جاسوس بمتابعة خطاباته التي كان يرسلها بالحبر السري.. أي أننا لجأنا إلى فتح خطاباته المرسلة للخارج..



وأضاف: بعد التأكد من هذه المعلومات قررنا القبض عليه وبشكل سريع جداً لخطورة موقعه، خاصة أنه كان يتولى رئاسة أركان الصاعقة، رغم أنه كان مازال "مقدم مهندس"، وكان الوحيد من الرتب الصغيرة الذي يحضر اجتماعات العمليات العسكرية للجيش كله برئاسة رئيس العمليات اللواء محمد عبدالغنى الجمسى "المشير فيما بعد"، وبالطبع في هذا التوقيت لم نكن نعلم أى شيء عن شريكته هبة سليم، وعندما تأكدنا وراقبنا رسائله، قررنا القبض عليه.

وأضاف: عندما كنا نستجوب الفقي عرفنا أن هبة سليم هي التي قامت بتجنيده. وقالها هكذا "جندتني هبة سليم بتوجيهات من المخابرات الإسرائيلية"، وكانت العلاقة بينهما خاصة، فقد كان يحبها جداً، ولكنها لم تكن تبادله الحب، وعندما تم تجنيدها كان الفقى من معارفها، فطلبوا منها تجنيده على الفور، وحضرت إليه بالفعل ورحب سريعاً بسبب حبه لها، وقاموا بتأجير شقة في المعادي، وعلمته داخلها كيفية الكتابة بالحبر السرى.

خطة ذكية للقبض على هبة

وعن طريقة القبض على هبة سليم يقول جبريل: وضعنا الخطة للقبض عليها عن طريق استدراجها بعيداً عن باريس.. وسافرت ومعي فريق من المخابرات إلى ليبيا، حيث كان والدها يعمل مدرساً هناك.. وقمنا بالتنسيق مع السلطات الليبية من أجل هذه العملية، وقلت لأبيها المدرس إن ابنتك تورطت فى إحدى العمليات الفدائية التى تقوم بها المنظمات الفلسطينية، وإنها شاركت في خطف طائرة.. وهي مطلوبة من إسرائيل، والأفضل أن نستدعيها إلى طرابلس بدعوى أنك مريض.. ووافق، ثم أدخلناه المستشفى فعلياً، وقام بالاتصال بابنته أكثر من مرة إلى أن اقتنعت فى النهاية وركبت الطائرة إلى ليبيا.

ويضيف: كانت الطائرة المصرية المتجهة من طرابلس إلى القاهرة قد أكملت تجهيزاتها للإقلاع.. وبالفعل صدرت الأوامر من المطار بذلك.. وتحركت الطائرة بالفعل، ثم أطفئت أنوارها، وظلت قابعة في الظلام حتى جئت أنا وهبة ومعي اثنان من المخابرات إلى مقاعد المقدمة التي كنت قد حجزتها بالكامل. وبعد أن جلسنا وتأكدت هبة أنها عائدة للقاهرة، أخذت فى الصياح والهياج والغطرسة وكأنها في نادي الجزيرة الذي تنتمى إليه، فغاظني هذا الوضع، فقمت بصفعها، فاصفر وجهها، ولم تنطق كلمة واحدة حتى وصلت إلى القاهرة.



ويؤكد: للعلم أيضاً فإننا لم نسافر إلى باريس، كما جاء فى الفيلم.. كل هذا خيال فى خيال.. كل معلوماتنا عن علاقتها بالموساد حصلنا عليها من الضابط الفقي ومنها أثناء التحقيقات معها.

ويضيف جبريل: للعلم فإن الضابط الفقي كان ضمن الضباط القلائل الذين كانوا سيعرفون بموعد الحرب "ساعة الصفر" باعتباره عضواً في "غرفة العمليات"، كما أنه كان مرشحاً للإشراف فنياً على الفريق الذي سيقوم بقطع أنابيب النابالم التي زرعتها إسرائيل بطول خط بارليف.. وأتذكر أن المشير أحمد إسماعيل عندما أبلغ الرئيس السادات بهذه المعلومات التفصيلية، وذلك عقب نجاح العملية، رد عليه بالقول: "لولا هذه العملية لاستطاعت إسرائيل القضاء على القوات المصرية في أول ساعة من الحرب".. ولا أنسى أبداً أن الفقي كان لديه القناعة التامة بأن "الموساد" سينقذه، حتى وهو في طريقه إلى الساري لإطلاق النار عليه، تنفيذاً لحكم الإعدام ضده رمياً بالرصاص، لكن بعد وضع القناع الأسود على رأسه اهتز وخارت قواه تماماً، كما أن إسرائيل ضغطت على السادات عن طريق هنري كيسنجر لوقف تنفيذ إعدام هبة، لكن لم يستجب.. وفى يوم حديث كيسنجر حولها تم إعدامها.. وذلك بعد نصر أكتوبر بعدة شهور.



الساعات الأخيرة قبل الإعدام

أما الأيام الأخيرة في حياة هبة سليم فسجلها الكاتب أكرم السعدني على صفحات مجلة "روزاليوسف" نقلًا عن مأمور سجن النساء الذي أكد أنه أدرك منذ اللحظة الأولى التى رآى فيها هبة أنه أمام فتاة تم تدريبها على أعلى مستوى ممكن من قبل جهاز الموساد.

وقال" وجدتها بالفعل على درجة من الحذر والحيطة لم أعهدهما في أي إنسان من قبل مع أن عمرها لم يتجاوز في هذا التوقيت 25 عاما وكان التقرير الذى تسلمناه بشأنها قبل تسلمها فى سجن القناطر يفيد بأنها شخصية شديدة الخطورة وأن هناك احتمالًا قويًا لقيام أحد أجهزة المخابرات الأجنبية بعملية انتحارية لاختطاف هبة سليم.

وأضاف: لم يظهر على هذه البنت ذات الخمسة وعشرين ربيعا أي مظهر للقلق أو الاكتئاب.. وفي الغالب فإن هذه الفتاة كانت مختلفة فى كل شيء.. فالمحكوم عليه بالإعدام دائمًا ما تجده يعيش كل لحظة مما تبقى له في الحياة وهو يقرأ القرآن ويدعو الله أن يغفر له ما اقترفه من ذنب ولكن هبة كانت تقضي وقتها كله فى التزين ولبس الباروكات وكان عددها «6»، ورش غرفتها بالمبيدات الحشرية والتعطر بالبارفانات الباريسية، لقد كانت أمور الحياة هي شاغلها وليس الموت الذى أصبحت على بعد أيام منه بعد صدور الحكم بإعدامها.. ولكن هبة لم تكن تعترف بهذا الحكم وهي تؤكد لي: أن هناك قوى فى الغرب ليست إسرائيل وحدها سوف تجبر القيادة في مصر على إخلاء سبيلي.. وقامت هبة بالفعل بإرسال التماس إلى الرئيس السادات لمنحها عفوًا رئاسيا وكذلك قامت بإرسال خطاب إلى السيدة جيهان السادات عن طريق المجلس الأعلى للمرأة، وبالطبع لم نعلم شيئا عن هذه الخطابات لكونها أرسلتها عن طريق أقاربها وليس عن طريق إدارة السجن ووزارة الداخلية.

وقد أردت التحقق من هذه المعلومات وبالفعل بلغنا أنها أرسلت التماسا إلى السيد الرئيس أنور السادات وأن الالتماس رفض وأصبح الحكم واجب النفاذ!!



ويضيف الضابط: علمنا من مصادر رفيعة في الوزارة أن العد التنازلى بدأ وأن ساعة الصفر اقتربت ومعنى هذا أن علينا القيام ببعض الخطوات المهمة والضرورية لإعداد المحكوم عليه لعملية الإعدام ومنها معرفة وزن المحكوم بالضبط، حيث إن بعض المساجين داخل السجن يزداد وزنهم والبعض الآخر ينقص وزنه.. وهذه الخطوة يتم على أساسها تحديد الحبل المناسب لعملية الإعدام من حيث السمك والطول.

ويستطرد: بات علينا أن نجهز للخطوة الثانية، وهي إعداد مأمورية ترحيل على أعلى مستوى من السرية والتأمين لنقل المحكوم عليها إلى سجن الاستئناف حيث لم يكن بسجن القناطر للنساء غرفة للإعدام وعليه كان لا بد من نقل السجينة إلى سجن الاستئناف على بعد 40 كم. وفى حالة معرفتها بالأمر فهي معرضة إما لنوبات هيستيرية أو صحية قد تؤثر على توقيت عملية الإعدام.. وهنا وحتى لا يتسرب الخبر إلى أي من العاملين بالسجن أو خشية من أن يقوم أحد ضعاف النفوس بتسريب الخبر إلى هبة فقد أحضرتها إلى مكتبي في الصباح الباكر وقلت لها إن ما سوف أخبرها به أمر على درجة عالية من السرية.. أومأت برأسها.. فأكملت وقلت: لقد وردنا للتو إخطار يفيد بضرورة ترحيل المسجونة هبة سليم على الفور إلى القاهرة للبت في الالتماس المقدم منها إلى السيد رئيس الجمهورية، وساعتها انفجرت ينابيع السعادة على وجه هبة التى قالت: أنا أكدت لك من قبل أنني لن أخرج من هنا إلى حبل الإعدام ولكن إلى مطار القاهرة إن شاء الله.. وأنا أنظر إليها للمرة الأخيرة قلت: طالما سيتم النظر في الالتماس أتصور أننا ربما لن نلتقي ثانية.. أتمنى لك رحلة طيبة وهي تبتسم قالت: حاولت أن أشرح لك أنني لست جاسوسة ولكن أنا أعمل من أجل الحفاظ على الجنس البشري من الدمار وخلفي دول ومؤسسات دولية تدعمني.. وهنا استأذنت وانصرفت فأخذتها حارستها الشخصية في تمام الساعة السابعة صباحا وبدأ الموكب يتحرك وقد تم تأمين الطريق بالكامل من قبل كل الأجهزة الأمنية في الدولة، وقد رافق هبة أحد الزملاء الأفاضل وهو المقدم فوزي الذي تحول إلى سمّيع طوال ساعة كاملة وهبة تتكلم فيها وليست معه ولكنها سألت عن الشخصية التي سوف تلتقى ولم تلق ردًا.. فخمنت وقالت ربما السيدة جيهان السادات.

ويكمل: لم يستطع فوزي أن يفتح فمه بكلمة واحدة لأسباب نفسية، فالضابط في النهاية بشر وإنسان ولديه مشاعر وأحاسيس فهو يقتاد فتاة في مقتبل العمر كي ينفذ فيها حكم الإعدام شنقا.. وكان المقدم فوزي يفكر في الحياة والموت وما يفصل هذه الفتاة عن حبل المشنقة إنه الطريق من القناطر إلى الاستئناف.. وفجأة انقطع هذا السيل من الكلام الذي انساب على لسان هبة وتوقف هذا الشلال من التفكير الذي دار في عقل فوزي، وبمجرد أن دخلت السيارة إلى سجن الاستئناف صمتت هبة وهي ترقب المشهد المرعب وبعد ذلك وهي تتفقد اللجنة المشكلة لتنفيذ الإعدام، وهي مكونة من رئيس النيابة العسكرية ومفتش مصلحة السجون ومندوب الأمن العام وطبيب السجن والواعظ الديني.. وهنا بلغت هبة نقطة الانقلاب في المزاج وفي التوازن وفي التفاؤل الذي كان، وفي الأمل الذى انعقد على قبول الالتماس، كل ذلك انقلب إلى النقيض ودخلت في الانهيار وبدأت تهذي وتتساءل عن الالتماس وعن منظمات حقوق الإنسان وعن رئيس الجمهورية والسيدة حرمه وموشى ديان وجهاز الموساد الذي لا يتخلى مطلقا عن أبنائه المخلصين.



ويكمل: تم اقتياد هبة إلى فناء الدور الأرضي بسجن الاستئناف أمام حجرة الإعدام واصطفت اللجنة والحراس وبدأ المأمور يتلو ملخص حيثيات الحكم وما تبعه من استنفاد طرق الطعن وتصديق رئيس الجمهورية على التنفيذ ثم تلا بعد ذلك ساعة وتاريخ التنفيذ وسألها ممثل النيابة عما إذا كان لها مطالب فلم تجب ثم أعاد سؤالها فقالت: أين الالتماس المقدم للسادات فتقدم الواعظ لإنطاقها بالشهادة وتم اقتيادها لغرفة تنفيذ الحكم.

ويكمل الضابط شهادته بالقول إنه "بعد أيام من الإعدام بلغنا ما هو أهم من ذلك.. وهي معلومة ينبغى أن نسجلها للتاريخ فقد صارحنا أحد الأصدقاء الذى كان يشغل منصبا رفيعا بجوار الرئيس أن السادات في أحد لقاءاته مع مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل طرح اسم هبة سليم وطالب الرئيس السادات أن يبدي بعضا من حسن الصنيع لإسرائيل بمنح هبة عفوا رئاسيا.. ولكن السادات عظيم الدهاء أكد لبيجن أن هذه الفتاة قد نفذ فيها حكم الإعدام بالفعل وأن الأمر لم يصل إلى وسائل الإعلام بعد!! حتى يقطع أي طريق على بيجين لطرح مزيد من الأسئلة حول هبة وحتى لا تتحول إلى ورقة للضغط أو المساومة، وبعد هذا اللقاء مباشرة جاء أمر رئاسى باستعجال تنفيذ الحكم على مواطنة مصرية ارتكبت جريمة الخيانة العظمى للوطن.

أما عن عملية إعدام هبة.. فيؤكد ضابط سجن القناطر أنه لم يحضرها ولكن صديق له حضرها.. وحكى له أن السجان بدأ يربط يديها من الخلف ووضع الطاقية السوداء على رأسها ثم قام بوضعها على طبلية الإعدام انتظارا لإشارة مأمور التنفيذ.. ويضيف: أستطيع أن أقول أنه بمجرد فتح الطبلية تشعر بأن قلبك سقط فى قدميك.. أما العشماوي فإن اسمه الرسمي الجلاد ومساعده أذكره جيدا حتى يومنا هذا واسمه فتحي سلطان، كلما فتح طبلية الإعدام جلس على الأرض وطلب سيجارة ودخل في نوبة اكتئاب طويلة.. والحق أقول إنني عانيت خلال الـ12 عملية إعدام التى حضرتها من نفس هذه الأعراض.    

علق هنا