الأحزاب بصيرة ويد السوداني قصيرة .. فلا تنتظروا منه الكثير !

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة 

لست متشائماً جداً من حال العراق في الفترة المقبلة، فأنا أكره التشاؤم ولا أحب المتشائمين أبداً.

ولست متفائلاً أيضاً لما سيأتي لاحقاً، إذ ليس في العراق الآن، ما يبشر بالخير، ويجعلني متفائلاً ، وأظن أن صفة (المتشائل)، التي أطلقها الكاتب والصحفي الشيوعي الفلسطيني (أميل حبيبي) في إحدى رواياته قبل نصف قرن، هي الأقرب الى حالتي هذه الأيام!

نعم، فأنا اليوم واقع بين التفاؤل والتشاؤم، أي في برزح (التشاؤل)-إن صح التعبير- وهو مكان قلق غير مستقر لا يتمناه أحد ! 

والآن لندخل في صلب الموضوع ونتحدث عن القريب القادم لبلادنا، دون الانشغال بالحديث عن شكل وطعم ورائحة مرحلة الكاظمي المنتهية، فالرجل يلملم الان أوراقه استعداداً للرحيل، وقريباً سيصبح هو وحكومته تاريخاً وماضياً لن يعود .. 

لذا فالحديث عن المرحلة الفائتة، وقضاء الوقت في الخوض بتفاصيلها، لن يفيد العراق ولا العراقيين، بقدر ما يلهيهم عن التبصر في قراءة المرحلة الأهم، وأقصد بها مرحلة التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة المناط أمرها بالمهندس محمد شياع السوداني، وتحليل برنامج حكومته، وقبل ذلك تفحص أسماء وملفات وامكانيات أعضاء هذه الحكومة. 

وهنا أود أن أنوه للتوضيح فقط، بأني لا أطلب بهذا المقال، تجاوز محاسبة مرحلة الكاظمي، وترك الحبل على الغارب، مثل كل حكومة سابقة، بل أطالب وأصر على محاسبة المسيء والفاسد في هذه الحكومة او في سابقاتها، مهما كان اسمه وعنوانه.. وهو لَعمري واجب هيئة النزاهة، والقضاء العراقي،، وليس واجب الإعلاميين، أو السياسيين، أو غيرهم. إن واجبنا الأهم هذه الأيام هو تنبيه وتحذير السيد السوداني من الوقوع في مواقع الزلل، والإشارة الى حيث يكون الخطأ قبل الوقوع لا بعده، كي لاتتكرر الأخطاء التي حصلت في التجارب السابقة، عندما كنا نغض النظر، ونلتزم الصمت حيال الأخطاء الفادحة التي كنا نعرف بها قبل أن تحدث !

 إن ما يفيد بلادنا اليوم، بل ويفيد المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة نفسه، هو التحدث اليه بشجاعة وصراحة عن الآني، والآتي،

وأن نضع الناس في صورة الواقع بمرارته وحلاوته، إن كان ثمة خيط (حلو) باقياً في واقعنا !

فالتكليف قد تم الآن فعلاً، وصار أمراً واقعاً والحمد لله، لكن المهم يكمن بما سيأتي بعد هذا التكليف، ومن الان بات الناس يتساءلون بقلق: هل سيأتي لنا السوداني بوزير آخر، وفي جعبته 37 ملف فساد، أو بوزير آخر لا يهمه أمر العراق، حتى لو احترق نصفه، إذا كانت (المالات) تأتيه كل رأس شهر، وإن (فلانة) مواظبة على الغناء له كل ليلة سويحلي وعتابه، و(يالحبيب ييابه) !؟

لا وألف لا، فهذه المرة لن نسمح بتكرر الحال نفسه، ولن يحصل ما حصل في حكومة الكاظمي، ولعل القريبين منا يعرفون جيداً موقفنا من بعض الوزراء في تلك الحكومة،ولا أدعي الفخر لوحدي، فهناك زملاء تحملوا ما تحملوه من أجل قول كلمة الحق، وقد كان لنا شرف نشر موضوعاتهم في مواقعنا الصحفية والاعلامية دون تردد، رغم قسوة بعضها.

إذن، دعونا نهتم بالقادم، ونتوجه بأبصارنا وأفئدتنا وآمالنا نحو المستقبل، خصوصاً بعد أن تم تكليف رجل يستحق التكليف، فهو بحق يتوفر على مزايا وخصال طيبة عديدة، وأروعها نزاهته.. نعم، فانا وغيري نعرف أنه رجل نزيه، ومستقيم، وسمعته مثل (ليرة ذهب) كما تقول العامة عندما تصف شخصاً فاخراً.

وأجزم أن نزاهة السوداني لا يختلف حولها عراقيان، حتى لو كانا مختلفين معه! 

علماً بأني من أنصار الرئيس النزيه، بل صرت أفضل النزاهة على الكفاءة لشدة المرارة التي أذاقها لنا المسؤولون الفاسدون.

وعدا النزاهة، فالسوداني ابن (ناس) وعائلة كريمة، مجاهدة، طيبة، محترمة، ومعروفة في مدينة العمارة، وهذا يعني أن (عينه شبعانة) لا تبصر الى أموال وحقوق غيره.. فضلاً عن كفاءته المهنية، وخبراته الحكومية المتراكمة عبر توليه عدة حقائب وزارية - سواء أكانت وكالة أم أصالة،

ناهيك من تاريخه الشخصي الشريف..

إذن ليس لنا على الرجل مأخذ في مجال استحقاقه بالتكليف، ولكن مأخذنا عليه بما حصل أثناء وبعد التكليف، وهو ما جعلنا نضع أيادينا على قلوبنا، خوفاً مما سيحصل، وأقل ما في هذا الضرر، إعادة السيناريو السيء الذي تشكلت خلاله الحكومات السابقة..

فالأحزاب التي أتت بالسوداني، هي ذاتها التي أتت بمن سبقه لرئاسة الحكومات المتعاقبة، سواء كانت الأحزاب مرئية في الصورة، أو مخفية، تمتص رحيقها من خلف الكاميرا. 

لقد حصلت عبر شخصية موثوقة، على معلومات مؤكدة تشير الى أن السيد السوداني قد وقّع على ورقة يوم الثلاثاء الماضي، أي قبل يومين من اجتماع البرلمان وانتخاب رئيس الجمهورية وتكليفه شخصياً برئاسة الحكومة، وفي هذه الورقة تعهد بمنح أحد الاحزاب الشيعية المتنفذة خمس وزارات مهمة ، وقد كانت موافقة السوداني شرطاً على تمريره رئيساً للوزراء، على أن لا يكون المرشحون لهذه الحقائب والمناصب من اعضاء هذا الحزب، أو من وجوهه المعروفة، إنما يأتي بهم الحزب من خارج المشهد الحزبي، وتحت مسمى التخصص والكفاءة الفنية وغير ذلك من (الكلاوات)! 

وهذا يعني تكرار نفس الغسلة، بنفس الطاس ونفس الحمام، وإعادة عرض الفيلم ذاته: إدارة الوزارات من خلف الستار.

كما وافق السوداني أيضاً للأسف على منح وزارة الداخلية لكتلة شيعية أخرى، بل وتم ترشيح وزيرها منذ اللحظة، وهناك وزارات أخرى منحها السوداني لكتل أخرى ووقع لها على بياض .

إذن، ماذا سنتوقع من هكذا حكومة، وماذا ننتظر من هكذا رئيس؟

قد يقول البعض بصفاء نية : (إسم الله بالطبگ .. بابه إنطي الزلمة مجال خلي يشوف دربه)!

وأنا أقول: لا ، لن نعطي للزلمة المجال، كي يسقط الفاس بالراس، وبعدها لن ينفع الندم!

لذا أتمنى على كل من يحب السوداني ويريد له النجاح أن ينصحه، وينبهه الى هذا الخطر، منذ الآن، لأن النصح بعد الآن لن يفيد، إذ ستتعقد الأمور وتصعب.. 

وهنا أعلن شخصياً عن دعمي الكامل للسوداني، ووقوفي معه اعلامياً بقوة، لكن بشرط أن يمزق تلك الاوراق التي وقّع على تعهده فيها، فالأحزاب لن ترشح له شخصيات وزارية (بيها خير)، وبداهةً أن الإنسان المقتدر، الشريف مثل المثقف فارس حرام، لن يقبل أن يكون وزيراً مربوطاً بحبل، طرفه بيد رئيس الوزراء، وطرفه الآخر بيد الحزب الذي رشحه للمنصب..!

أقول هذا، وأنا أعرف أن السوداني سيزعل مني،  حين يقرأ هذا المقال - إن قرأه - وقد يقطع علاقته الحسنة بي، رغم أننا لم نتواصل منذ سنوات، لكني واثق بأنه سيتذكر مقالي هذا، وقد يترحم على والديْ كلما شدت الاحزاب حول عنقه حبل الخناق، مستقبلاً.. فالأحزاب الفاسدة لن تشبع أبداً، وهو لن يكون قادراً على اعطائهم ما لا يملك.. وكلنا يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه !

نعم، سيتذكرني السوداني يوماً ويقول بندم: ليتني كنت قد سمعت نصيحة ذلك العماري، ومزقت أوراق التعهدات، أو  رفضت التكليف، فأحرجهم، كما أحرجوني!

 

علق هنا