بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي افتتاحية جريدة الحقيقة
لست مهتماً بمتابعة الجذر التاريخي لمصطلح (الشروگية)، ولا معنياً بما يقوله المنهج التحليلي عن أصل هذه الكلمة الدخيلة على القيم العراقية، وعلى اللغة واللهجة العراقية.
وقد لا أعرف الطريق الذي سلكته هذه المفردة وكيف اقتحمت أبجدية اللهجة البغدادية، لتصبح -للأسف- جزءاً من الثقافة العدوانية لبيئة شعبية نقية طيبة، لم تكن معادية لأحد من قبل- وهل هناك أطيب من بيئة البغدادي البسيط؟
لكني أعرف حتماً أن خلف هذه الكلمة مقاصد خبيثة أولها وآخرها الإساءة لشريحة مهمة، وركيزة من ركائز العراق الجميل رغم القبح الذي يحيط به.
فمن هم المستهدفون بهذه (القنبلة العنصرية)، ومتى، وأين تطلق، ولماذا؟
سأجيب عن هذه الاسئلة، باعتباري (شروگي ابن شروگي) حتى آخر سومري من أجدادي السومريين !
لقد علمت عام 1960، بأني شروگي، عندما رفض مدير مدرسة الحارث في الاعظمية قبول الطالبَين خيون حسون وفالح حسون المنقولين من مدرسة كميت الابتدائية في محافظة العمارة، الى مدرسته الموقرة، ولم يتراجع عن قراره إلا بعد أن توسط لنا الشهيد ماجد محمد أمين- وبالصدفة فقط-!! ومذ كنت طالباً في الصف الرابع الإبتدائي في مدرسة الحارث حتى هذه اللحظة، وأنا أحمل وسام الشرف الشروگي.
يقولون إن الشروگية هم الذين قدموا الى العاصمة من محافظات العمارة والناصرية والديوانية والكوت وبعض أقضية ونواحي البصرة، وذلك في منتصف خمسينيات القرن الماضي هرباً من الظلم، وظل لقب الشروگية يلازمهم، ويتناسل معهم جيلاً بعد جيل ! أما اليوم، فقد تركز تعبير الشروگية على أبناء مدينة الثورة - الصدر- أكثر من غيرهم من أبناء المناطق الأخرى. وطبعاً فأن استخدام هذا التعبير يأتي على ألسنة المعاقين أخلاقياً، بقصد الإهانة ليس إلا ! وللتذكير نشير الى أن هؤلاء المرضى والحاقدين لا يستخدمون هذا التعبير العنصري في كل الأوقات، إنما يحتفظون به أحياناً في صناديق صدورهم، ولا يظهرونه إلا عند الحاجة، بمعنى أنهم ينسون أننا (شروگية وعتاگة) حين يحتاجوننا، او حين نحقق إنجازاً فذاً يعجزون هم عن تحقيقه، فيصمتون وقتها صمت المقابر !
لقد تناسوا (شروگيتنا) آلاف المرات حين حققنا لهم بطولات وابداعات كبيرة.. ولم (يعيّروا) أحدا منا بما يعيّروننا به دائماً، فنسوا مثلاً أن البطل علي الگيار، هو (شروگي) ومن أبناء مدينة الثورة، حين فاز بالمركز الثالث في بطولة العالم، متغلباً على البطل الأمريكي الشهير آرنولد شوارزنيجر، ونسوا في أوج فرحهم أن اللاعب كريم صدام، الذي سجل هدف العراق على منتخب الامارات، وتأهلنا بفضله الى نهائيات كأس العالم في المكسيك، هو شروگي ومن أبناء مدينة الثورة.. وتناسوا أن النجم أحمد راضي (أميش)، صاحب الهدف الوحيد للعراق في كل بطولات كأس العالم، شروگي من أهل العمارة، وإن ثعلب الكرة العراقية فلاح حسن شروگي، من مدينة الثورة، ومولود في أحد أقضية العمارة، وأن (بلاتيني العراق) ناطق هاشم، هو شروگي وابن قطاع 43، وأن الشهيد البطل بشار رشيد هو فخر مدينتنا الباسلة، وأن الذين ينبحون صوبنا، ينسون أن النجم اللامع كاظم وعل شروگي مصلصل، وأن الملاكم عبد الزهره جواد، صاحب الأوسمة الذهبية في بطولات آسيا والعرب والعالم العسكري، هو شروگي، ومن أبناء مدينة الثورة، وأن حاصد أوسمة الذهب في بطولات آسيا في الركض، عباس لعيبي، وآلاف اللاعبين والنجوم الرياضيين الذين لا يتسع المجال لاحتواء اضوائهم بهذا المقال، هم شروگية من الوريد الى الوريد..!
لكن المصابين بداء الحقد والكراهية، يصمتون إزاء ذلك،ويخرسون أيضاً حين يعرفون أن الذي كتب أكثر من 100 أغنية لكاظم الساهر، هو كريم عودة لعيبي، (العراقي) الشروگي وابن الشروگي، وابن هذه المدينة الفذة، وأن شاعر أغنية (أنا وليلى) الباهرة، (حسن المرواني)، شروگي ومن (لبة) مدينة الثورة، وأن كاظم السعدي الذي كتب أشهر الأغاني لنصف المطربات والمطربين العرب، هو شروگي ومن أبناء مدينة الثورة، وأن الباحث والمؤرخ العالمي خزعل الماجدي، شروگي، ومن مدينة الثورة، كما أن الكاتب والباحث في الفكر العربي والتراث الاسلامي، رشيد الخيون، شروگي بل وخريج ثانوية قتيبة في المدينة، وأن الروائيين الكبيرين عبد الستار البيضاني وعبد الله صخي شروگيان حتى النخاع ومن أبناء مدينة الثورة؟
وكذلك القاص والروائي شوقي كريم، والقصاصون عبد جعفر وداود سالم وكاظم الجماسي وكاظم حسوني وحميد المختار ومحمد اسماعيل والقاص حسن موسى، فهم من ابناء المدينة ذاتها، بل ومن صنف (شين كاف) بامتياز، في حين أن عظماء القصيدة الشعبية أمثال كاظم اسماعيل الگاطع وعريان السيد خلف، وعشرات الشعراء الذين لا تكفي لعددهم صفحات الجريدة كلها، هم شروگية ومن أبناء مدينة الثورة المنورة بقصائدهم، ضف الى ذلك أن ثمة شعراء (شروگية) كثيرين تركوا أثراً إبداعياً لايمكن إنكاره مثل عواد ناصر وحميد قاسم ونصيف الناصري وعبد الرزاق الربيعي وجواد الحطاب وشاكر لعيبي وعبد الزهره زكي وخالد مطلگ، وعارف الساعدي والشروگي عدنان الفضلي وغيرهم. ولا أعرف لماذا يصمت الملوثون، حين يسمعون الى الغناء الباهر للمطربين (الشراگوة)، ويحلقون طرباً مع قحطان العطار وكريم منصور وسعدون جابر وسلمان المنكوب وعبادي العماري وحسين سعيده وحسين البصري وعودة فاضل وكاظم شنينه، وعبد فلك، وحسن بريسم، وحاتم العراقي وباسم العلي، وجمعة العربي، وصباح الخياط وعلي سرحان وصلاح البحر وعلي العيساوي، وصلاح حسن، وفيصل حمادي، وقاسم ماجد وسعد عبد الحسين وضياء حسين، ومع ريشة الموسيقار احمد المختار، وإبداعات شاكر حسن، وضياء الدين، وموسيقى بيت خصاف، وفنون بيت الشامي،من كاظم الشامي الى النجم وليد الشامي، فضلاً عن عشرات مواهب الفن العراقي التي انبثقت أقماراً من أرض الشروگية، وسطعت في سماوات الإبداع، ولم أسمع أحداً يعيرهم يوماً ويقول لهم: أنتم شروگية، وطبعاً فإني تجاوزت ذكر المسرحيين والتشكيليين والصحفيين وكبار الاعلاميين ومقدمي البرامج والمعلقين، وهم كثيرون جداً.
ويوم ذهب مئات الآلاف من أبناء (الشروگية) الى ساحات الوغى يدافعون عن العراق، ويقتل منهم الآلاف، لم يقل لهم أحد أنتم شروگية، بل كانوا يمنحونهم أعلى الأوسمة والأنواط، وينشدون لهم: (ما قصرتوا يجنود الأمة العربية) بدليل أنهم أقاموا تمثالاً للطيار الشروگي عبد الله لعيبي وسط بغداد، لأن هذا الطيار قام بعمل لم يقدم عليه طيار عراقي، حين صدم طائرته بطائرة معادية، على طريقة الطيارين اليابانيين (الكاميكازي)، فانتحر هذا البطل، حين لم يجد حلاً آخر لإسقاط الطائرة الإيرانية المحلقة فوق بغداد سوى الجود بالنفس فداءً للبغداديين، وقتها لم يقل له أحد: أنت شروگي! لكن الذي يحز في نفسي،أنهم ينبرون دائما بكل تضامنهم الجمعي، حين يترشح شروگي عراقي لمنصب سفير، حتى لو كان استاذاً جامعياً يتحدث بلغتين عالميتين، ويحمل الدكتوراه، ومن ذوي سيرة أكاديمية وجهادية عالية، إذ ستقوم الدنيا ولا تقعد، لأن السفير: شروگي وعتال ومن (الثورة)..! فما أقذر هذه الازدواجية العفنة!
ختاماً أقول: نعم نحن شروگية، و (عتاگة)، لكننا فخر العراق، و(كشخة) العراقيين دون شك.
*
اضافة التعليق