بغداد- العراق اليوم:
بقلم : شاكر كتاب
............................................................ (1). الفضائية ظاهرة ما عادت مخجلة ولا يحاسب عليها للقانون. الفضائية عمل إجرامي بحجم ما تخفي من أفعال. وفي كل الحالات يكون الهدف منها الكسب غير الشريف والغاية غير الإنسانية والنتائج الضارة. والفضائية مخادعة من طراز خاص. تنطوي على دهاء وخباثة صانعها وعلى غباء وسذاجة ضحاياها. (2). انتشرت في الآونة الأخيرة فضائح تتعلق بمزارات فضائية. ما زالت فضيحة ما تسمى بــ "قطارة الإمام علي" شاخصة أمام أعيننا. وتبين عند البحث عن الحقيقة ان بعضهم قد مدَّ أنابيب مخفية تقطر ماءً وادّعى موهماً الناس ان الإمام علي (ع) قد مرَّ من هنا وتوضأ أو شرب منها بعد وقوع المعجزة في أرض تخلو تماماً من الماء. وراح هذا البعض يبيع قناني الماء من هذه القطّارة ويجني أموال السحت الحرام مستغلاً تصديق الناس لهم. (3). عدة مراتٍ نسمع أن للإمام الحسن ( ع) بنات مدفونات في العراق. وبعد التحري اعلن المختصون والمؤسسات الدينية ذات الصلة ان لا وجود لأي قبرٍ لأيةٍ من بنات الحسن في العراق وبالتالي فإن كل هذه الأضرحة هي كاذبة خادعة أي فضائية. لكن الحكومة لم تجهد نفسها في الكشف عن الجناة الذين استغلوا ثقة الناس بهم وكسبوا بذلك اموالاً ليست قليلة خادعين الناس الأبرياء ومستغلين بساطتهم لاعبين على مشاعرهم الدينية وعواطفهم إزاء آل البيت. المشكلة ان هذه "الأضرحة" الفضائية انتشرت في مختلف مناطق العراق في وقت تبين انه لم تصل الى العراق أبداً أية بنت من بنات الحسن. (4). في بداية تسلمه مهامه رئيساً للوزراء أعلن د. حيدر العبادي عن وجود الآلاف من الفضائين بين منتسبي القوات المسلحة بمختلف أصنافها وأنواعها . كانت أسماؤهم الوهمية مسطرة في قوائم الرواتب. ويتسلمها مسؤولون معروفون. يسرقونها. يتقاسمونها "ولا من شاف ولا من دره". كنا نتوقع حساباً عسيراً للقائمين على هذه الأفعال لاسيما وان من فضحها هو القائد العام للقوات المسلحة. لكن يبدو ان يدهم فوق يد السلطات كافة. فبقيت القضية الى يومنا هذا عالقة لا نعرف عنها شيئا سوى انها موجودة. وربما اتسعت لتشمل كافة المؤسسات المسلحة. (5). لم تعالج الدولة فضائح الشهادات الفضائية التي يتسلمها بعض المزورين والمخادعين من لبنان وإيران وغيرهما من البلدان التي لها سماسرة ترويج الدراسة عن بعد أو مكاتب كتابة البحوث للطلبة وحسب الطلب. تخرّج من الكلية وماجستير ودكتوراة. وغيرها كثير. والطامة الكبرى جاءت عندما انتشرت بشكلٍ غير مسبوق ظاهرة التعليم الأهلي بمختلف مستوياته من الروضة حتى الدراسات العليا. وامتلات بها بلادنا وابتليت. فالأمر يعتمد على الدفع. تدفع الأجور فأنت ناجح وتحصل على ما تروم من درجات وشهادات ووثائق. والفضائح بشتى أنواعها في هذا القطاع من التعليم لا تعد ولا تحصى. وهذا أحد اخطر وجوه الفضائية. (6). لا أدري كيف يمكن تسمية مصارف لا تملك رأسمالٍ حقيقي ولا تتحقق لديها شروط التأسيس الحقيقية بغير كلمة الفضائية. لاشك ان وراءها يقف عتاة اللصوص المتحكمين في سوق المال العراقي. والدليل ان هذه المصارف وهي تقوم بشراء العملة من البنك المركزي وتعيد بيعها بأرباح خيالية لا تخضع للرقابة ولا للمحاسبة ولا للتفتيش ولا لأي نوع من المساءلة. وهذا ما يعزز القناعة في فضائيتها. (7). حدثني صديق ان مقاولاً معروفا في محافظته أرسيت عليه بفعل فاعل مناقصة مشروع ضخم لبناء مجمع حكومي لدوائر تعود الى المحافظة التي يسكن فيها. استلم المقاول الدفعة الأولى من قيمة المشروع من حسابات المحافظة وبعد حين خرجت لجنة للكشف وعادت بتقريرها ان المرحلة الاولى قد أنجزت فطالب بالدفعة الثانية فمنح ما أراد وخرجت له لجنة الكشف وعادت بتقريرها أنه انجز المرحلة الثانية وهكذا مع الثالثة والرابعة الى ان استلم المبلغ كاملا. خرجت لجنة من مجلس المحافظة لاستلام المجمع فلم يجدوا لا المقاول ولا المشروع ولا المجمع. كان المشروع فضائيا إذن واللجنة فضائية أيضا والمقاول كذلك والمبالغ هي الوحيدة التي كانت حقيقية. مثل هذا المشروع الفضائي لدينا الاف المشاريع حسب ما نرى بأعيننا وما نسمع وما نقرا ونتابع لتصريحات اللجان المختصة في مجلس النواب. الملاحظة هنا هي ان العراق هو الدولة الوحيدة التي تمنح الدفعات الأولى والثانية للمقاولين في حين دول العالم الأخرى تتعامل مع مقاولين حقيقيين ذوي رؤوس أموال موثقة من البنوك والمصارف ولديهم خبرة وانجازات عدة. (8). هناك امتدادات لظاهرة الفضائية في بلادنا نمتنع عن الحديث عنها علناً لأنها قد تتعلق بسمعة بلادنا بين أقطار العالم لكنني على يقين ان الحكومة بشقيها الخفي والعلني يتحملان مسؤولية وجودها وإضرارها بالاقتصاد وبأمن المجتمع العراقي. وعلى يقين أيضا ان الحراكات الشعبية داخل العراق بالإضافة الى التغييرات الجارية في العلاقات الدولية الاقليمية والعالمية وعوامل أخرى عديدة بدأت تقضُّ بال أرباب الظاهرة الفضائية في بلادنا وان كل محاولاتهم لإجهاض التغيير القادم باءت وسوف تبوء بالفشل. وسينتهي العراق من ظاهرة غير طبيعية ، غير حضارية ، غير انسانية ، ضارة وتخريبية جدا إسمها الفضائية.
———————- أستاذ جامعي وناشط سياسي
*
اضافة التعليق