للدم المسفوح ظلما، حوبة تلاحق القتلة

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي

نزف الشاب علي حسين كاطع دمه ليلة ٢٩ أب ٢٠٢٢ في المنطقة الغبراء، حتى فارق الحياة بعد ان اخترقت رقبته رصاصة قناص. وتسامى شهيدا تاركا وراءه زوجة وطفلين وعبئا ثقيلا لا قدرة لعائلته على حمله، وهو أجور دراسة شقيقه الطالب في كلية صيدلة أهلية. اجور كانت تشكل بالنسبة له كسائق تكتك دخله اليومي لا يتجاوز ٢٠ ألف دينار مبلغا خياليا. فكيف تواجهها عائلته وقد تركها اليوم يتيمة ورقد رقدته الأخيرة، وصار تحت التراب؟

لم يكن علي يحلم بغير العيش بكرامة في ظل قانون ضمان اجتماعي، مع الحق بالتعليم لكافة مراحل الدراسة، كي لا يُحرم هو الفقير من التعليم ويبقى التنعم بالتعليم حكرا على من يملك. وكان يتطلع الى العيش في ظل نظام اقتصادي عادل، يوفر له عملا يتقاضى لقاءه أجورا تحفظ الكرامة. لكن القناص لم يكن يروق له حلم علي هذا. القناص الذي لم يجد غير القتل وظيفة في بلد حُطم اقتصاده، وسُدت طرق تنميته، لا لشيء سوى ان الاقتصاد الحقيقي يشكل عائقا امام صفقات الفساد، وتقف دورة المال الطبيعية مانعا بوجه المرابين الناهبين للمال العام.

روى لنا الراحل عبد الغني الخليلي مرة عن المفكر اللبناني الشهيد حسين مروة، حين كان في النجف أيام شبابه يدرس في حوزتها، انه رأى جنازة يحملها فقراء من الريف وهم حفاة وشبه عراة يسيرون وهم يكبرون، فحمل مروة الجنازة معهم وأنفجرت عواطفه امام مشهد بؤسهم، فصار يهتف على غير قافيتهم .. قتله الفقر... قتله الفقر.

انه الفقر الذي ينتجه الغنى الفاحش في بلاد الخير، والذي فجّر غضب حسين مروة في النجف ابان اربعينيات القرن الماضي، واحتج علي حسين كاطع عليه في عشرينات هذا القرن. 

لم يجف دم علي حتى سارع البعض، في سكرة انتصار وهمي، الى الإسراع في تشكيل حكومة محاصصة جديدة، ترسخ الفقر وتديمه.. حكومة بالمنهج نفسه الذي كان السبب وراء تصاعد نسب ثلاثيّ التخلف: الفقر والامية والمرض. هذا الثلاثي الذي لا يتوقف زحفه، بموازاة زحف حيتان الفساد على الأموال العامة، سالكين مختلف طرق النهب ومستخدمين شتى اساليبه. 

وهذا ليس استنتاجا متسرعا، بل هو قناعة رسختها تجارب الحكم المحاصصاتي، الذي أدى الى افقار علي وملايين الشباب من امثاله، الذين لم يستطيعوا تأمين القوت لأطفالهم فخرجوا محتجين منتفضين.

السياسة مصالح، والغالب فيها هو الذي يقرر. 

هكذا ينظر البعض الى السياسة، وهكذا يمارسونها ايضا، بعيدا عن أية مباديء وقيم. 

لكن للدم المسفوح ظلما، حوبة تلاحق القاتلين مهما طال الزمن.

الشهيد علي حسين كاطع

علق هنا