بغداد- العراق اليوم: كتب المحرر السياسي في ( العراق اليوم) :
ساعات صعبة وحرجة مرت على العراق، ساعات بلغت فيها القلوب الحناجر، فالشارع ضد الشارع، والدولة كانت على كف عفريت، والعالم يترقب، فلم يكن لينقص المشهد المحتدم سوى حركة اكشن صغيرة، حتى يشتعل العراق من اقصاه الى اقصاه، فقد بلغ التوتر مداه، وخطاب الكراهية والبغضاء والتشاحن والاختلاف والتناحر، كان ولا يزال للأسف الشديد سيد الموقف، ولم يكن لينقص من هذا الجو المكهرب سوى من يقدح شرارة الفتنة، فتأكل الأخضر واليابس لا سمح الله.
فكيف تتعامل القوات الأمنية والعسكرية في البلاد، وكيف يمكنها ان تجتاز هذه المخاطر الناجمة عن افتراق اجتماعي افقي، وكيف يمكنها صد رياح الحرب الأهلية التي كانت تطل برأسها علناً، وكيف يمكنها ان تجنب البلاد ويلات الاقتتال الداخلي.
عملياً، فأننا يمكننا ان نقسم المشكلة الى ساحتين، ساحة واضحة مشخصة، تحت انظار الدولة والاعلام المحلي والدولي، وهي مرصودة، وهي بؤرة التعقيد، ونقصد بها المنطقة الخضراء، لذلك بذلت كل الاجهزة الأمنية المتواجدة جهداً فريداً لمنع وقوع اي اصطدام مباشر، وكانت هذه القوات الشجاعة جداراً واقياً لمنع الاحتكاك بين الفريقين، ونجحت في تحويل التظاهرات والأخرى المضادة لها، الى ساحات احتجاج سلمي دون الاضطرار الى المواجهة، رغم ان البعض كان يتوقع حتميتها.
وفي مناطق -غير المنطقة الخضراء- كان الاحتقان والتوتر فيها لا يقل عما هو في الخضراء، حيث الأزمة تحاصر أكثر من ست أو سبع محافظات، ولكل فريق من الفريقين المختلفين جمهوره الواسع والغاضب، وقد نزلت هذه الجماهير الى الشارع، وبعضها كان مسلحاً- وهذا ليس سراً نكشفه- تظاهرات كبيرة، وهتافات قوية، ومحاصرة لمكاتب ومساكن حزبية وشخصية، وكانت الفتنة في هذه المدن قاب قوسين أو أدنى، لكن والحق يجب أن يقال، كانت وزارة الداخلية بكل مؤسساتها موجودة في الزمان والمكان المناسب تماماً، وكان وزيرها المهني النشيط عثمان الغانمي موجوداً، فقد وقف الرجل على رأس فريق امني رفيع المستوى، وادار العملية باحتراف واقتدار عاليين، بل ان معلومات خاصة تقول ان الغانمي لم ينم على مدار 48 ساعة متواصلة، حيث ظل يقظاّ يراقب ويرصد كل صغيرة وكبيرة على طول وعرض الجغرافية العراقية الواسعة، فيوجه بخبرته العسكرية التي لا يختلف عليها اثنان، وتنفذ أجهزة الأمن في وزارة الداخلية توجيهاته بدقة، فالرجل يذهب باتجاهات السلمية ويدفع بكل امكانات الوزارة واجهزتها الى السيطرة على الموقف، لاسيما الظاهر منه، وعلى صعوبة هذه المهمة وخطورتها، الا ان التعامل مع الجزء المخفي من المشهد كان هو الصعوبة الاكثر، والخطورة القصوى، حيث ان المشهد لم يكن كل ذلك المرصود بعدسات الاعلام العالمي، بل ان الغاطس والمخفي والذي لم يره الاعلام هو الاخطر، نعني بذلك الساحات المحتقنة في المدن والمحافظات التي تولت اجهزة وزارة الداخلية لوحدها التعامل معها، ومنعت بنجاح باهر في احداث تصادم بين الفئات المتضادة، فكانت الداخلية مثالاً للانضباط والحرفية في التعامل، ومنعت بشكل واضح وقوع اي خروقات او تجاوزات، بل رأينا ان الجميع ابدى احترامه وتقديره لجهود وزارة الداخلية التي عملت على تأمين حراكين متضادين في آن واحد، ولم تحدث اي حادثة سلبية واحدة يمكن تأشيرها.
وهنا لا يمكننا ان ننكر جهود كل الاجهزة الأمنية الصبورة والشجاعة في المنطقة الخضراء ومحيطها، فقد كان الامتحان صعباً لاسيما جهد امن الحشد الشعبي الذي وقف سوراً امام سور الخضراء، ولكن هذا لا يمنع ان نشيد بما قامت به الداخلية ووزيرها في المواقع المحتقنة البعيدة عن المنطقة الخضراء، كونهما شكلا ملمحاً مهما ومشرقاً في عراق يتوارى للأسف خلف ازمات وفتن واضطرابات سياسية لا معنى لاغلبها.
*
اضافة التعليق