بغداد- العراق اليوم:
حيدر الحجامي لم تمضِ سوى أقل من خمسة اشهر على قيام البعثيين بتنفيذ انقلابهم الأسود ضد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، في الثامن شباط 1963، حتى جاء الرد سريعاً وعاصفاً وقوياً من نائب العريف حسن سريع الذي قاد أخطر واقوى حركة انقلابية ضد ذلك الأنقلاب الدموي، وكاد ان يعيد الأمور الى نصابها، لولا بعض العوامل الداخلية والخارجية التي حالت دون نجاح تلك الحركة الشجاعة. نعم، فقد نفذ هذا الفتى العسكري الجريء، والوطني اليساري الباسل، حركته هذه ضد القوى الرجعية والعميلة، وكاد ان يُغّير مجرى التاريخ بقوة، لكن للأسف لم تفلح الحركة لأسباب عدة، لكنها اعادت الثقة والقوة للحزب الشيوعي العراقي، ولجماهيره، وأنصاره، وبرهنت كذلك للبعث والانقلابيين، أن هذا الحزب عصي على الموت، حتى وأن نكلت به بنادق القتلة، وأمتدت اياديهم المدافة بماء النذالة والخسة والغدر لتغتال قيادة هذا الحزب الطليعي الوطني، وفي مقدمتها سكرتير الحزب، الأسطورة الوطنية سلام عادل وصحبه الميامين. يقول الكاتب والطبيب محمد جواد فارس في اطار كتابته عن هذه الحركة الوطنية الشجاعة، وعن قائدها " حسن سريع كما يعرفه أصدقاؤه، هو شاب نحيف اسمر السحنة متوسط القامة، عيناه صغيرتان وسوداوان، حاد النظر، له من سنوات العمر خمسة وعشرون عاماً، حيث ولد في أوائل الاربعينات بمنطقة عين التمر ، متزوج وله ابنة وحيدة كان عمرها آنذاك ستة أشهر ،عائلته تنتمي الى بني حجيم ، جاءت من اصل مدينة السماوة. وهناك اراء تقول انه من ال ازيرج وأخرى تقول انه من عشيرة اليسار في كربلاء . وينقل فارس عمن شاركه زنزانته، نعيم الزهيري، حيث يقول عنه : كان حسن ذا شخصية فذة، فالكل يحترمه في وحدته العسكرية، ويستمع اليه بتقدير حتى المراتب الذين هم أعلى منه رتبة، وقد تميز بقدرة فائقة على الحوار والإقناع، وقد تمكن فيما بعد من البرهان على إنه كان مخلصا لوعوده باحتفاظه بأسرار رفاقه، وبروح التحدي الهادئة التي لازمته حتى وهو يرحل نهائيا. ويذكر بعض المقربين من الحركة إن حسن سريع كان شيوعياً ومؤمناً متديناً بنفس الوقت، إذ شاهده بعضهم يصلي مع إخوانه الجنود عندما يحين موعد الصلاة . وعن مسيرته العلمية والعملية، إذ يقول من ارخ لسيرة هذا المناضل الشهيد" درس الابتدائية ، ثم تطوع بمدرسة قطع المعادن المهنية بمعسكر الرشيد في بغداد واصبح معلما في نفس المدرسة وترفع الى رتبة نائب عريف، ومن اجل تلبية طموحه إلتحق بثانوية مسائية لإكمال دراسته وتطوير مستواه العلمي وادراكه المعرفي . لعب الشهيد حسن سريع دوراً مهماً في قيادة الحركة قيادة محكمة ومتوازنة على الرغم من الصعوبات التي رافقت الحركة. وبعد فشل الحركة اقتيد حسن سريع ورفاقه الى السجن وقدموا الى محكمة رئيسها شاكر مدحت السعود، وكان لحسن سريع موقف البطولة في هذه المحكمة حيث حمل نفسه كل ما يترتب على قيادة الحركة. ومن الجدير بالذكر انه وعندما قامت الحركة طلب الشهيد حسن سريع من رفاقه عدم قتل أي من البعثين والاحتفاظ بهم للمحاكمة امام القانون، وكان من بين الذين القي القبض عليهم هم حازم جواد وطالب شبيب ونجاد الصافي ومنذر الونداوي، وهؤلاء كانوا كبار قادة حزب البعث، والشخصيات الرئيسية في حكومتهم البعثية الإنقلابية. لقد فشلت الثورة لأسباب متعددة، لكن النهاية كانت كما رسمها سريع بنفسه، حيث يقول من كتب تأريخ تلك المرحلة أنه" وعندما جاءت لحظة الموت صوبت فوهات البنادق نحو صدره ترنم بصوت مسموع: السجن لي مرتبة والقيد لي خلخال .. والمشنقة يا شعب مرجوحة الابطال . وقد أرخ لهذه البطولة الاستثنائية أيضاً، الشاعر التقدمي فالح حسون الدراجي، في نص غنائي اداه ولحنه ببراعة الفنان التقدمي الراحل فؤاد سالم، حيث كتب الدراجي مستذكراً تلك الملحمة الخالدة:
يا قطار بهيده لا تمشي سريع الوكت اذار، والموسم ربيع
يا قطار المار من ذاك الرصيف هناك صارت ملحمة ومشهد عنيف ثورة عشر جنود والقائد عريف ! هزت الطغيان والظلم الشنيع
كما كتب وقتها أيضاً الشاعر الشعبي التقدمي الكبير عبد الحسين ابو شبع، أبوذية بعد إعدام حسن سريع، وهو يقف على قبره منشداً بصوته؛ “ إعيوني تعاين إعله الهدف وتراب .. وما ترهبني الأخطار وتراب .. يرى گبرك الشامت حجر وتراب .. ويرى التاريخ گبرك مزهرية”.
*
اضافة التعليق