من المسؤول عن هذه الصورة المؤلمة في بلد يبيع نفطاً بأكثر من 100 مليار دولار سنوياً؟

بغداد- العراق اليوم:

مؤلمة ومفجعة ومثيرة للشجن والأسى هذه الصورة التي ننشرها في (العراق اليوم)، وسط سؤال عريض تتردد اصداؤه في كل اروقة الحاكمين الجدد والسابقين، عن مسؤولية من تقع كل هذه الفواجع التي تحدث في البلاد، ومن يمكننا ان نوجه اللوم والنقد إليه؟، من يمكنه ان يدلنا على رأس هذه الكومة من الخيوط التي تشابكت حتى ضيعنا الطريق لتفكيكها؟، وكأنها طلسم ظل عصياً على الفهم والتحليل.

نعم، هذه الصورة التي تعرضها وسائط التواصل الاجتماعي، وتتناقلها وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية، عن هذا الفقر المدقع، والجوع الكافر الذي يجعل اطفالاً بعمر الزهور ومن كلا الجنسين يتسابقون على "حاوية القمامة"، ليكسبوا منها ما يقتاتون به، ويسدوا رمقهم؟.

من المسؤول عن هذه الجريمة أخلاقية والقانونية؟

 نعم أنها جريمة بكل أبعاد الكلمة، فحرمان مواطن عراقي من رغيف خبز نظيف، جريمة واضحة وبينة لا تحتاج الى اثبات وشهود، فهل يعقل أن تعتاش عوائل بأكملها وسط وجنوب العراق، بل وحتى العاصمة بغداد على النفايات، وتكون القمامة مصدر عيشها؟، في وقتٍ يتنعمُ به المسؤولون والسياسيون والطارئون بخيرات البلاد الوفيرة!.

إن هذه الصورة الموجعة،  بمثابة المساءلة لكل ضمير حر في هذا العراق المبتلى بأطنان من الفاسدين، وأكوام من الفاشلين الذين عجزوا عن تأمين عدالة اجتماعية بالحد الأدنى التي يمكن معها ان نحمي هذه الطفولة المعذبة والبائسة من هذا المآل المفجع، وأن نرفع  عن هذه الأسر خطر الجوع، وغائلة الفقر  الذي يقول عنه امام العدالة علي بن أبي طالب،  (لو كان الفقر  رجلاً لقتلته)

فلماذا لم تقتل هذه المليارات الأنفجارية هذا الجوع المتفشي، لماذا عجزت هذه الادعاءات من كل المتصدين ( أفندية ومعممين) في أن تعالج هذه الثلمة الاخلاقية الفاضحة، و أن تمحو هذه الصورة الضاجة بالأسى.

ففي سنوات شعارت البعث والثورية الطافحة، والادعاءات الكاذبة كانوا يتحدثون بملء الفم عن منجزاتهم في تأمين حياةً كريمة للمواطن العراقي، في وقتٍ كان العراقيون يضطرون الى ان يبيعوا اثاث منازلهم ليؤمنوا رغيفهم، وفي وقتٍ كانت الأمهات الجائعات يقطعن من لقمتهن ما يسدن به جوع اطفالهن، وفوق هذا كله، كان الموت والقمع والقسوة تضغط على الناس بلا رأفة ولا رحمة، وهناك كان الحلم الأكبر ان نتخلص من هذه الديكاتورية، وان ننعم بخيرات بلادنا التي احتكرتها اسر وبيوتات قاتلة مجرمة، وجيرتها لخدمة ملذاتها!!.

وحين زالت الدكتاتورية  لم يزل الجوع عنا للأسف، فبدر شاكر السياب يقول في قصيدته ( أنشودة المطر):

وفي العراق جوعْ

وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ

لتشبع الغربان والجَرادْ

وتطحن الشّوان والحجرْ

رحىً تدور في الحقول... حولها بشرْ

حتى قوله:

وكلَّ عام ـ حين يعشب الثرى ـ نجوعْ

ما مرَّ عامٌ والعِراق ليس فيه جوعْ.

طبعاً، فعلى مدار سنوات طويلة بعد 2003،  كنا نتلقى وعود دائمة، بدءاً من حكومة اياد علاوي الى حكومة ابراهيم الجعفري الى حكومتي المالكي، ثم حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، وصولاً الى حكومة الكاظمي الحالية، بأن خطط القضاء على الفقر جاهزة، وان وأد الجوع قادم لا محالة، وأن هذا الوضع سينتهي، وكنا نصدق بادئ الأمر، ونتفاعل ونتفاءل، حتى وصلنا الى مرحلة اليأس،  وقطعنا الأمل في أن نرى العدالة يمكنها ان تسير في شوارع هذه البلاد ولو لبرهة قصيرة من الزمن!.

هذا الجوع وهذا الفقر الذي لا يزال يرسم صورة البلاد، أدانة اخلاقية لكل صناع السياسة، وكل من يدير دفة الأمور، مهما كان عنوانه او أسمه أو  حتى أمتداده، وهو دليل كافِ على أن ثورة عارمة وكبيرة يجب ان تحدث في هذه البلاد، وأن " تكنس" هذه الطبقات الطفيلية، وتزاح هذه الطغمة الفاسدة بلا استثناء، وأن تنشئ دولةً تحترم الأنسان وتخفف من معاناته، وتضمد جراحه النازفة طويلاً، والإ فأن الوعود المتواصلة ليست الا مزيداً من الأفيون لتخدير هذه الأمة المبتلاة.

نامي جياع الشعب نامي

حرستكِ آلهة الطعامِ

علق هنا